برامج الأحزاب الإسرائيلية: مفاوضة الفلسطينيين لعبة لمنع السلام

التصريحات التي يطلقها قادة إسرائيل حول السلام و"اليد الممدودة للسلام" هي مجرد خداع وتضليل موجه بالأساس نحو الرأي العام العالمي. فهذه القيادة، تتحدث عن السلام ولكنها لا تقصد التوصل إليه

برامج الأحزاب الإسرائيلية: مفاوضة الفلسطينيين لعبة لمنع السلام

نتنياهو وعباس في قمة المناخ (أ ف ب)

يتشدق رئيس قائمة 'المعسكر الصهيوني'، يتسحاك هرتسوغ، في الفترة الأخيرة بأنه يطرح 'خطة' للفصل بين إسرائيل والفلسطينيين، ويدعي أنها يمكن أن تحرك عملية سياسية إقليمية تقود إلى حل الدولتين. لكن هذه 'الخطة' لا يمكن لأي فلسطيني أن يقبل بها، كما أنها تتعارض مع مبادئ المجتمع الدولي لتسوية سلمية.

رغم ذلك، فإن المشكلة ليست في هذه الناحية. إذ يطلق قادة إسرائيل، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تصريحات يدعون من خلالها إنهم ينشدون السلام مع الفلسطينيين، لكنهم في الوقت نفسه يضعون شروطا تفرغ تصريحاتهم 'السلامية' من مضمونها، مثلما فعل نتنياهو في خطاب بار إيلان، الذي ألقاه في شهر حزيران/ يونيو العام 2009.

ويتبين من طروحات والبرامج السياسية لكافة الأحزاب التي تشكل الحكومة الإسرائيلية الحالية، وكذلك طروحات 'يسرائيل بيتينو' و'ييش عتيد' المعارضة، وجود إجماع على رفض حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية بين النهر والبحر، فيما 'المعسكر الصهيوني' الذي يتبنى برنامجه السياسي حل الدولتين، أصبح يعارض رئيسه، هرتسوغ، هذا الحل. ولم يتبقَ أحزاب صهيونية تؤيد حل الدولتين، بموجب برنامج سياسي وتصريحات، سوى حزب ميرتس.

تصريحات نتنياهو وبرنامج حزب الليكود

قال نتنياهو خلال خطاب بار إيلان إنه 'يعيش اليوم في أقاليم الوطن اليهودي جمهور كبير من الفلسطينيين. ونحن لا نريد حكمهم، ولا إدارة حياتهم، ولا أن نفرض عليهم علمنا أو ثقافتنا. ورؤيتي للسلام هي أنه يعيش في بلادنا الصغيرة شعبان حُران جنبا إلى جنب، بجيرة حسنة واحترام متبادل. لكل واحد علمه، ونشيده الوطني وسلطة حكمه. ولا أحد منهما يهدد أمن ووجود جاره'.

وأضاف نتنياهو أن على إسرائيل أن 'تأخذ بالحسبان وتعترف بالوضع الدولي الذي نشأ في الفترة الأخيرة، وإلى جانب ذلك الإصرار على المبادئ الهامة لدولة إسرائيل'، وهنا وضع شرطه الأول لتسوية سلمية وهو أن 'على الفلسطينيين الاعتراف اعترافا حقيقيا بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي'.

وتابع أن الشرط الثاني هو أنه 'في أي تسوية سلمية، المنطقة التي بأيدي الفلسطينيين يجب أن تكون منزوعة السلاح، مع ترتيبات أمنية صلبة لصالح إسرائيل'. وشدد نتنياهو على أنه 'من دون هذين الشرطين، ثمة تخوف حقيقي من قيام دولة فلسطينية مسلحة إلى جانبنا، ستتحول إلى قاعدة إرهاب أخرى ضد إسرائيل، مثلما حدث في غزة'.

ومضى نتنياهو أنه 'من أجل تحقيق سلام فإنه من بين ما يجب ضمانه ألا يتمكن الفلسطينيون من أن يدخلوا إلى أراضيهم قذائف وصواريخ، وألا يكون مجالهم الجوي مغلقا أمامنا، أو إبرام تحالفات مع جهات مثل إيران وحزب الله'.

لقد رفض الفلسطينيون هذه الشروط، وخصوصا شرط الاعتراف بـ'الدولة اليهودية'. لكن حتى لو وافق الفلسطينيون على هذه الشروط التعجيزية، فإن هذا لا يعني أن نتنياهو سيتقدم نحو تسوية وسلام، لأن تسوية كهذه تتناقض مع دستور حزبه، الذي لا تُستخدم فيه كلمة 'إسرائيل'، في هذا السياق، وإنما عبارة 'أرض إسرائيل'.

إذ ينص البرنامج السياسي لليكود على أن أحد أهداف هذا الحزب هو 'الحفاظ على حق الشعب اليهودي على أرض إسرائيل، كحق أبدي غير قابل للتقويض، والمداومة على استيطان وتطوير كافة أجزاء أرض إسرائيل وفرص سيادة الدولة عليها'.

ويدمج بند آخر في دستور الليكود بين 'تطبيق سيادة الدولة وأمنها (وبين) سلام حقيقي مع جيراننا'.

'خطة' هرتسوغ وبرنامج 'المعسكر الصهيوني' السياسي

تقول كتلة 'المعسكر الصهيوني'، وهي تحالف حزبي العمل و'هتنوعا' الذي ترأسه تسيبي ليفني، في برنامجها السياسي المنشور في موقعها الإلكتروني إن 'تحقيق تسوية سياسية هي مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى وشرط لضمان مستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية، تتمتع بدعم وتأييد دوليين واسعين. وسيعمل المعسكر الصهيوني من أجل بلورة تسوية سياسية ورسم الحدود الدائمة لدولة إسرائيل... إلى جانب تعريف دولة إسرائيل الذي لا لُبس فيه بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي'.

وأضاف البرنامج السياسي أن 'المعسكر الصهيوني سيعمل من أجل استئناف المفاوضات السياسية، في إطار ثنائي، إقليمي ودولي، انطلاقا من النية للسعي إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين، تستند إلى مبدأ دولتين قوميتين للشعبين'، وأن تسوية كهذه 'تستند إلى الحفاظ الشديد على الاحتياجات الأمنية لدولة إسرائيل وإنهاء الصراع الإسرائيلي – العربي'.

ووضع 'المعسكر الصهيوني' شروطا لتسوية كهذه وهي: 'دولة فلسطينية منزوعة السلاح، الحفاظ على الكتل الاستيطانية تحت سيادة إسرائيل، تعزيز القدس ومكانتها كعاصمة أبدية لدولة إسرائيل، وضمان الحرية الدينية والوصول إلى الأماكن المقدسة لكافة الديانات، إلى جانب الحفاظ على السيادة الإسرائيلية. حل قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال إقامة دولة فلسطينية وليس في إسرائيل'.

وقال بند آخر إن 'المعسكر الصهيوني سيمنع القيام بأي عمل من شأنه المس بصورة جوهرية بإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية، بما في ذلك وقف البناء في المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية، وبمكانة إسرائيل الدولية التي ستقود إلى عزلتها الدولية'.

وتابع البرنامج السياسي لـ'المعسكر الصهيوني' أنه 'سيعمل من أجل تطوير وتعاون اقتصادي ومدني مع السلطة الفلسطينية، بمساعدة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، بهدف تحسين جودة الحياة، والاستقرار الاقتصادي وزيادة استقلالية السلطة الفلسطينية'.

لكن هرتسوغ تراجع عن هذا البرنامج السياسي لكتله، الذي صيغ عشية الانتخابات العامة الأخيرة، التي جرت في 17 آذار الماضي. وخلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في روما، يوم الأربعاء الماضي، استعرض هرتسوغ، المتهم بأنه ينسخ سياسات اليمين ويقلد أداءه، 'خطة' بادر إليها ويقول إن هدفها الانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية.

واعتبر هرتسوغ أن 'خطة الانفصال هي الطريق الوحيدة للتحرك في المنطقة والتقدم نحو رؤية الدولتين في المستقبل. مواطنونا يُقتلون، ونحن ملزمون بتنفيذ خطوات انفصال'، وادعى أنه مؤمن بحل الدولتين.

وأضاف هرتسوغ أن 'على الأميركيين دفع عقد المؤتمر الأمني الإقليمي بمشاركة الدول العربية المعتدلة، قبل انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما'. وعلى غرار خطاب نتنياهو، قال هرتسوغ لكيري إن عقد مؤتمر إقليمي كهذا يشكل 'خطوة هامة لمحاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي يهدد العالم الغربي كله ودول الشرق الأوسط خصوصا'.

وتقضي 'خطة' هرتسوغ 'باستكمال بناء الجدار الفاصل حول الكتل الاستيطانية، وفصل القرى الفلسطينية عن القدس (أي عن البلدة القديمة ومحيطها) ومنح حرية مدنية للفلسطينيين، وذلك من أجل تهدئة الوضع'.    

ويرفض هرتسوغ رؤية أسباب الهبة الشعبية الفلسطينية الحالية، وقال خلال مؤتمر عقده 'معهد أبحاث الأمن القومي' في جامعة تل أبيب، قبل أسبوعين، إنه 'قبل أن نتحدث عن السلام، ينبغي تحقيق الأمن الآن. سنعزز الأمن بواسطة خطة الانفصال. إنني أريد الانفصال عن أكبر عدد من الفلسطينيين، وبأسرع ما يمكن. نحن هنا وهم هناك'.

بينيت يطرح 'خطة التهدئة'

لا يُخفي حزب 'البيت اليهودي'، الذي يمثل اليمين المتطرف الاستيطاني، معارضته لقيام دولة فلسطينية، ويعتبر أن دولة فلسطينية 'ستشكل تهديدا أمنيا وقاعدة إرهابية فلسطينية وكارثة لمصالح دولة إسرائيل'.

من جهة ثانية، يعتبر 'البيت اليهودي' أن ضم الضفة الغربية وأكثر من مليوني فلسطيني فيها إلى إسرائيل، سيشكل 'تهديدا ديمغرافيا'. رغم ذلك، يعتبر هذا الحزب أن حلا سلميا بين إسرائيل والفلسطينيين هو أمر مستحيل في الجيل الحالي، بزعم أن الفلسطينيين لا يريدون السلام 'وما زالوا يسعون إلى القضاء على دولة إسرائيل'.

وطرح رئيس 'البيت اليهودي' ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، خطة أطلق عليها اسم 'خطة التهدئة'، وتنص على أن تضم إسرائيل مناطق C، التي تعادل مساحتها |أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، والتي تتواجد فيها معظم المستوطنات والمستوطنين، والإبقاء على الوضع الحالي في المناطق A وb وتكونان تحت سيطرة أمنية إسرائيلية.

ولا يتطرق حزب 'كولانو'، برئاسة وزير المالية موشيه كحلون، بشكل واضح إلى التسوية مع الفلسطينيين، لكن برنامجه السياسي يطرح أفكارا تمنع التوصل إلى أية تسوية. ويعتبر هذا الحزب أن 'على إسرائيل أن تعرف وتفرض ترتيبات أمنية في يهودا والسامرة بحيث توفر الأمن لمواطني إسرائيل'.

وأضاف برنامج 'كولانو' أنه 'في أية تسوية مستقبلية، ستحتفظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية ولا يُسمح بعودة لاجئين إلى الأراضي الإسرائيلية' وأن 'القدس كانت وما زالت ويتبقى عاصمة إسرائيل'. ويبدو أن هذا الحزب يريد الحفاظ على الوضع الراهن، إذا اعتبر أنه 'لا توجد لإسرائيل ألأية مصلحة لإدارة شؤون السكان الفلسطينيين، وينبغي مساعدة السلطة الفلسطينية في إدارة وازدهار حياة الفلسطينيين في الضفة'.

ويشارك في الحكومة الحالية الحزبان الحريديان شاس و'يهدوت هتوراة'، والأخير لا ينشر برنامجا سياسيا ويتبع قرارات حاخاماته. كذلك فإن حزب شاس لا ينشر برنامجا سياسيا. وفي الماضي كان هذا الحزب معتدلا أكثر مما هو اليوم. فقد امتنع نوابه في الكنيست عن التصويت على اتفاقية أوسلو الأولى، ولم يعارضوها كما فعل أحزاب اليمين. لكن لاحقا، صوت نواب الحزب ضد اتفاقية أوسلو الثانية واتخذ مواقف يمينية واضحة، وهو يعارض قيام دولة فلسطينية.

معارضة غير متجانسة

أحزاب المعارضة عموما ليس متفقة على حل الصراع، وهناك خلاف حول ذلك في برامجها السياسية.

وفيما يقول حزب العمل في برنامجه السياسي أنه يؤيد حل الدولتين، فإن برنامج حزب 'ييش عتيد'، برئاسة يائير لبيد، ملتوٍ ومتفذلك، ولا يقول شيئا واضحا. إذ يعتبر هذا الحزب أن 'استمرار الوضع القائم، الذي لا توجد فيه مفاوضات حول التسوية واستمرار الاستثمار في البنية التحتية للمستوطنات المعزولة، على حساب الاستثمار في البلدات التي في أطراف إسرائيل... يبعد احتمالات التوصل إلى حل دائم ويشكل خطرا حقيقيا على مستقبل ووجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية'.

رغم ذلك، أضاف برنامج 'ييش عتيد': 'نحن نؤمن بأن الفلسطينيين، كما قال (وزير خارجية إسرائيل الأسبق) أبا إيبان إن ’الفلسطينيين لم يهدروا أبدا إهدار فرصة’، ورفضوا مرة تلو الأخرى يد إسرائيل الممدودة للسلام'.

وبدلا من اتفاق مع الفلسطينيين يقترح هذا الحزب 'استمرار البحث عن حلول تتمثل بتسويات إقليمية حقيقية ودائمة... وتسوية كهذه ستشكل ردا لمواجهة مجمل التهديدات'.

وفي مقابل ذلك، فإن حزب ميرتس اليساري – الصهيوني، يؤيد حل الدولتين، على أساس حدود العام 1967 مع تبادل أراضٍ وأن تكون القدس عاصمة للدولتين. كذلك يرى هذا الحزب بأن قطاع غزة هو جزء من الدولة الفلسطينية.

ويعتبر رئيس حزب 'يسرائيل بيتينو'، افيغدور ليبرمان، الذي كتب رؤية حزبه في موضوع حل الصراع، أنه 'من دون التنازل عن الحلم أو عن مبدأ أرض إسرائيل الكاملة، فإنه في نهاية المطاف ينبغي التوصل إلى تسوية متفق عليها ومدروسة تحقق وحدة الشعب وهذا هو الأمر الأهم'.

ويقول ليبرمان في برنامجه السياسي إنه تربى على أفكار مؤسس الصهيونية التنقيحية، زئيف جابوتينسكي، الذي يتحدث عن 'ضفتين لنهر الأردن: هذه لنا، وتلك أيضا'. وأضاف ليبرمان أنه 'حتى أولئك الذين ينشدون ’ضفتين لنهر الأردن’ يدركون أنه في الجانب الآخر توجد المملكة الهاشمية ولا يتحدث أحد عن تحويلها إلى جزء من دولة إسرائيل... وفي النقاش حول سلامة الشعب أو سلامة البلاد، تتغلب سلامة الشعب'. ويرى البعض أن ليبرمان يلمح إلى موافقته على تسوية إسرائيلية – فلسطينية، وربما يدل على ذلك طرحه العنصري بنقل منطقة المثلث وسكانها إلى الدولة الفلسطينية.

                                                 *****

ما تحاول أن تبيّنه السطور السابقة، هو أن التصريحات التي يطلقها قادة إسرائيل حول السلام و'اليد الممدودة للسلام' هي مجرد خداع وتضليل موجه بالأساس نحو الرأي العام العالمي. فهذه القيادة، تتحدث عن السلام ولكنها لا تقصد التوصل إليه.

وتناول هذا التقرير خطابين لنتنياهو وهرتسوغ، وبرامج الأحزاب، لكن الواقع أكثر تعنتا. فالحلبة السياسية الإسرائيلية يغلب عليها العنصرية والتطرف والكراهية والنزعة العسكرية، علما أن كافة الاستطلاعات التي جرت في إسرائيل في الشهور الأخيرة، دلّت على وجود استعداد لدى الرأي العام الإسرائيلي لقبول تسوية مع الفلسطينيين.

لكن هذا الرأي العام يبقى حبرا على ورق وليس أكثر من ذلك، بعد أن عملت حكومات إسرائيل المتعاقبة، وخاصة الحكومات الثلاثة الأخيرة برئاسة نتنياهو، على القضاء على حل الدولتين من خلال فرض حقائق على الأرض وإغراق الضفة الغربية بالمستوطنات.    

التعليقات