إضراب الأسرى وجرائم إسرائيل في السجون

تؤكد تقارير إسرائيلية على أن السلطات الإسرائيلية، بإيعاز من الحكومة، تنتهك بشكل سافر حقوق الأسرى الفلسطينيين، خاصة أثناء إضرابهم عن الطعام، وأن إسرائيل لا تعرف كيف تواجه احتجاجا غير عنيف على شكل إضراب الأسرى في سجونها

إضراب الأسرى وجرائم إسرائيل في السجون

مطالب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلي، الذين بدأوا يوم 17 نيسان/أبريل الجاري، إضرابا مفتوحا عن الطعام، هي مطالب إنسانية بسيطة، تهدف إلى تحسين ظروفهم الحياتية داخل السجن، في مقابل تنكيل السلطات الإسرائيلية بهم، بقرار سياسي، يهدف إلى تحسين المكانة السياسية للسياسيين الإسرائيليين، وخاصة في الحكومة الإسرائيلية، ولكن في صفوف الأحزاب الصهيونية في المعارضة. إذ أن الواقع في إسرائيل، في ظل حكم اليمين المتطرف بقيادة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، هو أن أي تعامل قمعي مع الفلسطينيين، سواء أسرى كانوا أو ليسوا أسرى، يزيد من شعبية السياسيين الإسرائيليين.

وتتعلق مطالب الأسرى، الذين بدأوا هذا الأسبوع إضرابهم عن المفتوح عن الطعام، بظروف حياتهم داخل السجون الإسرائيلية، مثل زيارات عائلاتهم لهم، الاتصال بعائلاتهم، قراءة الكتب، تحسين العلاج الطبي، نوعية الطعام، الدراسة الجامعية عن بُعد، توفر الكتب، وإلغاء الاعتقال الإداري الجائر والعزل الانفرادي...

لا يعلن الأسرى الإضراب عن الطعام في فترات متقاربة، خاصة إذا كان عدد المشاركين في إضراب كهذا كبير. كذلك فإن إضراب الأسرى عن الطعام هو خطوة احتجاجية هادئة وغير عنيفة. لكن سلطات السجون الإسرائيلية تتعامل معها بشدة وعنف، مثل عزل الأسرى المضربين، وخاصة قيادتهم، ومنع لقاءات بين الأسرى ومحاميهم. وهناك عقوبات أخرى انتقامية، وكأن الأسرى يخوضون حربا ضد سلطات السجون الإسرائيلية.

وتخلو مطالب الأسرى في إضرابهم الحالي من مطالب سياسية، رغم أن القانون والمعاهدات الدولية المتعلقة بالأرض المحتلة، على سبيل المثال، تقضي بإقامة سجون أو معتقلات للسكان الرازحين تحت الاحتلال في الأرض المحتلة وليس في أراضي دولة الاحتلال، كما هو حاصل في حالة الاحتلال الإسرائيلي.  

*أوضاع الأسرى

توجد للأسرى المضربين عن الطعام حقوق نصت عليها 'معاهدة مالطا'، وتتجاهلها السلطات الإسرائيلية بصورة متعمدة.

أصدرت منظمة 'أطباء لحقوق الإنسان' الإسرائيلية، عام 2013، تقريرا تطرق فيه إلى إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية في العام الذي سبقه. وأكدت المنظمة في تقريرها في حينه، والوضع لم يتغير بتاتا منذئذ بل ربما ساء، على أنه 'خلال الإضرابات عن الطعام، كانت أطباء لحقوق الإنسان شاهدة على انتهاكات لقواعد أخلاقيات مهنة الطب وحقوق الإنسان للأسرى والمعتقلين المضربين عن الطعام، وبينها انتهاك الحقوق الصحية، والانحراف عن المعايير المهنية'.

وأضافت المنظمة في تقريرها أن 'هذه الانتهاكات وصلت حد تشكيل خطر على حياة المضربين عن الطعام ومنعتهم من الحصول على استشارة طبية غير منحازة'. وشددت على أنه 'برأينا، هذه ليست إلا أعراض لجهاز يسمح أو يتجاهل انتهاكات أخرى، وبعضها خطير للغاية، لحقوق المسجونين. وعدم التعامل بالاحترام اللائق من جانب الأجهزة المختلفة مع هذه الانتهاكات هي بمثابة ضوء أخضر لاستمرار الدوس على حقوق أحد أكثر الفئات عرضة للأذى'.  

مثلما ذُكر أعلاه، فإن أحد مطالب الأسرى المضربين عن الطعام حاليا، ويتكرر في كل إضراب كهذا، هو إلغاء الاعتقال الإداري. وأكدت المنظمة في تقريرها على أن 'استخدام إسرائيل للاعتقال الإداري كأداة لقمع السكان الفلسطينيين'. وفيما يتعلق بالمطالب الطبية التي يطرحها الأسرى المضربون، لفتت المنظمة في تقريرها إلى 'إخفاقات جهاز الصحة التابع لسلطة السجون، بمعالجة المضربين عن الطعام، الأمر الذي يتم التعبير عنه من خلال منع دخول أطباء مستقلين من أجل فحص ومرافقة المضربين عن الطعام، ومتابعة طبية سيئة وغير كافية، رفض نقل معلومات طبية إلى أطباء مستقلين حسبما يلزم بذلك قانون حقوق المريض، تكبيل المضربين عن الطعام لدى رقودهم في المستشفيات العامة، قرار لجنة الآداب التابعة لسلطة السجون بمنح علاج طبي قصري للأسرى الذين عبروا بوعي كامل عن رفضهم المطلق لهذا العلاج، وامتناع سلطة السجون عن نقل أسرى مضربين إلى المستشفيات'. وبالأمس، أعلنت سلطات السجون عن إقامة 'مستشفى ميداني' إلى جانب أحد السجون الإسرائيلية.  

وأضافت المنظمة في تقريرها أن تعامل سلطة السجون الإسرائيلية، في الناحية الطبية، مع الأسرى المضربين 'يبرز مدى خضوع جهاز السجون للمستويات السياسية في إسرائيل. ويتعالى التخوف من أن هذا الأمر يجعل الجهاز الطبي لسلطة السجون يعمل من خلال اعتبارات أمنية وسياسية تتعارض مع مصلحة المعالجين المضربين عن الطعام، وبالطبع إلى زيادة حالة الولاء المزدوج للطواقم الطبية في السجون'.

كذلك تطرق تقرير 'أطباء بلا حقوق' إلى تعامل المحاكم الإسرائيلية مع الأسرى المضربين، لدى التماسهم ضد سلطة السجون. وقالت المنظمة 'إننا نعتقد أن قرارات المحاكم في القضايا المختلفة التي نظرت فيها، وتتعلق بحماية حقوق المضربين عن الطعام، تجاهلت أن سلطة السجون انتهكت بشكل دائم حقوق المضربين عن الطعام، الطبية والأخرى'.

وشددت المنظمة على أن نقابة الأطباء ووزارة الصحة والمستشفيات في إسرائيل 'لم تعمل، برأينا، بالشكل المطلوب من أجل منع الأذى عن المضربين عن الطعام والحرص على المعايير المهنية والأخلاقية في معالجتهم'.

وطالبت المنظمة بإلغاء تعريف إضرابات الأسرى عن الطعام بأنها 'أعمال شغب في السجون' والتي تتبعها عقوبات، والتوقف عن عزل المضربين وفرض غرامات مالية عليهم ومصادرة أغراضهم ومنع زيارات عائلاتهم لهم، وإنما تنظيم هذه الزيارات كحق وليس كامتياز يتم سلبه كخطوة عقابية، 'ولذلك ينبغي السماح للمضربين عن الطعام باتصال دائم مع أبناء عائلاتهم وزيارات العائلات'.      

*إسرائيل لا تعرف مواجهة احتجاج غير عنيف

اعتبرت دراسة صادرة عن 'معهد أبحاث الأمن القومي' في جامعة تل أبيب، أن 'الإضراب عن الطعام هي عمليا أداة أخرى في صندوق الأدوات الفلسطيني ضد إسرائيل، ولا تشمل نضالا عنيفا، وإنما ممارسة ضغط على إسرائيل في البُعد الإدراكي، ومن خلال الإشارة إلى إمكانية فقدان السيطرة على الوضع، في حال موت أحد الأسرى جراء الإضراب عن الطعام'. وادعت الدراسة أن أسلوب الاحتجاج هذا استلهمه الفلسطينيون من 'الربيع العربي'، علما أن الأسرى الفلسطينيين لجأوا إلى هذا النوع من الاحتجاج قبل 'الربيع العربي' بسنوات طويلة. وقالت الدراسة إن 'الهدف المركزي لهذا الاحتجاج غير العنيف هو تغيير سياسة دولة إسرائيل بأدوات جديدة'. 

وأشارت هذه الدراسة أيضا إلى مركزية الاعتقالات الإدارية في الإضرابات عن الطعام التي يخوضها الأسرى الفلسطينيون. ولفتت إلى أن الاعتقال الإداري غير شرعي من وجهة النظر الدولية والفلسطينية، وأن إسرائيل تستخدمها في إطار قوانين الحرب.

وتكتسب الإضرابات عن الطعام تأييدا واسعا لها من خلال الشبكات الاجتماعية، التي تمنح هذه الإضرابات تغطية إعلامية واسعة. 'وثمة أهمية للإشارة إلى أن هذا التأييد الواسع في الشبكات الاجتماعية لم يشمل، طوال الوقت، دعوة إلى التوجه إلى العنف. وهم يرون أن مفعول ونجاعة الاحتجاج ستكون أوسع طالما لا تحمل جانبا عنيفا'.

ومثلما هو حاصل في إضراب الأسرى الحالي، أشارت الدراسة إلى أن إضرابات الأسرى عن الطعام في الماضي أحرجت السلطة الفلسطينية، خاصة بسبب التحسب من وفاة أحد الأسرى المضربين. إذ أنه ترافق هذه الاحتجاج مظاهرات داعمة للأسرى في المدن الفلسطينيين، وتشكل تحديا أمام أجهزة أمن السلطة الفلسطينية.

ولفتت دراسة 'معهد أبحاث الأمن القومي' إلى نقطة بالغة الأهمية، إذ قالت إنه 'لا توجد اليوم لدى الحكومات أدوات لمواجهة ظاهرة احتجاج غير عنيف بحجم كبير من هذا النوع (إضراب قرابة 1500 أسير عن الطعام)، ولذلك ثمة حاجة إلى إستراتيجية جديدة من أجل مواجهة هذه الظاهرة، التي تضع تحديا مرة تلو الأخرى أمام حكومة إسرائيل'. 

ووفقا لهذه الدراسة، فإن إضرابا عن الطعام خاضه الأسرى الفلسطينيون في العام 2012، أدى إلى مفاوضات بين قيادة الأسرى المضربين وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، وبوساطة مصرية، أسفرت عن اتفاق جرت من خلاله الاستجابة لعدد من مطالب الأسرى، بينها تقييد الاعتقال الإداري، وتحسين ظروف الزيارات، وقف العزل الانفرادي، تشكيل لجنة من سلطة السجون والأسرى من أجل تحسين ظروف السجن. لكن كما هو الحال في كافة الاتفاقيات بين إسرائيل والفلسطينيين، انتهكت إسرائيل هذا الاتفاق، وعادت إلى ارتكاب جرائمها في السجون، والدوس على حقوق الأسرى، وكان ذلك أحد أسباب الإعلان عن إضراب الأسرى الحالي.  

 

  

التعليقات