16/08/2017 - 23:04

أزمة الاقتصاد السعودي وتأثيرها على المنطقة

واجهت السعودية صعوبات في تحقيق أهدافها. حيث عملت أسعار النفط القليلة على إضعاف ميزانيتها، مما أضعف قدرتها لا على تمويل الجماعات الوكيلة عنها في المنطقة فحسب، بل في تنفيذ الحملات العسكرية العادية في شبه الجزيرة العربية أيضًا.

أزمة الاقتصاد السعودي وتأثيرها على المنطقة

(أ ف ب)

(ترجمة خاصة: عرب 48)

ركَّزت إستراتيجية السعودية في الشرق الأوسط، طيلة السنوات الماضية، على توزيع المال على الجماعات والدول ذات الغالبية السنية في المنطقة لمجابهة التأثير الإيراني. ولكن بدأت ظروفها المالية تقيِّد قدرتها على فرض السلطة حتى داخل شبه الجزيرة العربية.

وبدأت تدرك السعودية أنها غير قادرة على صياغة التحولات الجارية في المنطقة، فقد يكون بإمكانها إيقاع خصومها في بعض المشاكل، ولكنها لا تقدر على التحكم في المسار المستقبلي للأحداث. كما لم يحقق دعمها للمنظمات السنية النتائج المطلوبة من ذلك، ويمثِّل صعود تنظيم الدولة الإسلامية، دليلًا على النتائج غير المقصدة لهذه الإستراتيجية. وفي الحقيقة، فإن محاولات السعودية لتوسيع تأثيرها في المنطقة تتضمن في بعض الأحيان نتائج معاكسة، مما أدى إلى إضعاف قوة السعودية محليًا وداخل شبه الجزيرة.

عملت هذه التجربة على تكريس السعوديين لجهودهم في المناطق القريبة من بلادهم، كما هو الحال مع اليمن. فقد كان يهدف التدخل السعودي هناك إلى كبح القوى الخارجية، إيران، من انتهاك حرمة مجال تأثيرها.

فشلت السعودية في دفع الصراع بشكل نهائي إلى مسار يلبي مصالحها

ولكن حتى في هذه الأزمة، واجهت السعودية صعوبات في تحقيق أهدافها. حيث عملت أسعار النفط القليلة على إضعاف ميزانيتها، مما أضعف قدرتها لا على تمويل الجماعات الوكيلة عنها في المنطقة فحسب، بل في تنفيذ الحملات العسكرية العادية في شبه الجزيرة العربية أيضًا.

وقد كشفت رسائل البريد الإلكترونية المسربة بين السفير الأميركي السابق في إسرائيل، وسفير الإمارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة، أثر هذا الضعف في الميزانية. فقد كتب السفير الإماراتي في هذه الرسائل – والتي أرسلت في شهر نسيان/ أبريل – أن ولي العهد السعودي عبَّر عن رغبته بالانسحاب من الأزمة في اليمن، واستعداده لوقوف الولايات المتحدة لمواجهة إيران لصالح السعوديين.

في هذه النقطة، تدرك إيران والسعودية أن الصراعات المالية تحدُّ من قدرة الرياض على حماية مصالحها القريبة منها. وأي مفاوضات مباشرة بين البلدين سيكون مبنيًا على هذا الضعف وسيؤدي إلى تسوية تتلائم وإيران ولكن غير مريحة للسعودية. لذا فأحد نتائج انحدار السعودية هو فتح منافذ لإيران للضغط على السعوديين للقبول بالأوضاع الراهنة التي لا يريدون القبول بها.

بل واجهت السعودية صراعات في الحفاظ على النظام داخل حدودها. حيث أخدت الحكومة السعودية بخطوة غير عادية في حصارها لمدينة العوامية، وهي المدينة الشيعية في المنطقة الشرقية، وذلك لقمع المقاومة ضد خطة الحكومة لهدم وإعادة تطوير أحد أجزاء أحياء المدينة.

يحاول السعوديون أن يخفوا حجم مشاكلهم الاقتصادية عن طريق التأكيد على بعض الإنجازات من وجهة نظرهم. حيث أشار وزير المالية انخفاضًا سنويًا بنسبة 20% في عجز الربع الثاني باعتباره دليلًا على تقدم البلاد نحو تحقيق ميزانية معتدلة. ولكن عند التدقيق بذلك، تنهار مباشرةً هذه الدعوة في الإصلاح المالي. فبالرغم من حقيقة انخفاض نفقات السعودية بنسبة 1.3% في الربع الثاني، فإن هذا الانحدار يعود في غالبيته إلى ارتفاع عائداتها من النفط بنسبة 28%. وبالرغم من سعي السعودية في تنويع اقتصادها، فقد انخفضت عائداتها غير النفطية بنسبة 17%، ولا تعد هذه علامات على قلة اعتماد الدولة على النفط. فرغم ارتفعت أسعار النفط قليلًا خلال الأشهر الماضية، إلا أنها ستبقى قليلة نسبيًا على المدى الطويل.

إن عقد اتفاق مع إيران سيكون تعبيرًا عن استسلام السعودية، بل سيعبِّد الطريق أمام تأثير إيراني مباشر أكبر على حدود السعودية

كما يعدُّ الإنفاق على العمل الأمني والعسكري من أكبر المصاريف في ميزانية الدولة، حيث شكَّلت نسبة كبيرة تقدَّر بـ37% من ميزانية عام 2016 (ولكن وضعت نسبة 32% بحسب ميزانية 2017 المخطط لها). وقدَّر وزير الاقتصاد السعودي أن الحرب في اليمن قد كلَّفت السعودية 5.3 مليار دولار في عام 2015، أي 10% تقريبًا من إنفاقها العسكري السنوي، لكن من المرجَّح أن التكلفة الحقيقية أكبر من ذلك على اعتبار الدعم المالي الذي قدمته المملكة لحلفائها في اليمن خلال الأعوام السابقة. ومن المرجَّح أيضًا ألا تكون هذه النفقات محسوبة ضمن المؤشرات الرسمية، وذلك بالإضافة للأموال التي تم توظيفها لدعم بعض أبناء العائلة المالكة في السعودية.

لا زالت اليمن تهدر ميزانية السعودية الضعيفة، ولم تحقق المملكة مع ذلك أي تقدم يستحق الذكر. فبالرغم من انخراطها في الحرب الأهلية خلال العامين الماضين، فشلت السعودية في دفع الصراع بشكل نهائي إلى مسار يلبي مصالحها (مثل الحد من دور القوات الحوثية المدعومة إيرانيًا في الصراع).

إن عقد اتفاق مع إيران سيكون تعبيرًا عن استسلام السعودية، بل سيعبِّد الطريق أمام تأثير إيراني مباشر أكبر على حدود السعودية. ولكن عادة ما تجبر القيود الدول على الاختيار بين خيارين سيئين، وفي حال واجهت السعودية إمكانية الاستمرار في انخراطها في حرب لا يمكن أن تغطي تكاليفها، فقد تُجبَرُ على القبول بشكل من أشكال الاتفاق على تشارك القوة مع إيران. ويمثِّل ذلك تأكيدًا على أن السعودية لن تعود قادرة بعد الآن على تحديد مصير شبه الجزيرة العربية، حيث ستضطر لاعتماد على الولايات المتحدة لعمل صفقات بالوساطة مع أعدائها من أجل حماية مصالحها. ولكن لا يريد السعوديون أن يزداد اعتمادهم أكثر على الولايات المتحدة، خاصة في ضوء تعمُّق علاقاتها مع إيران بعد تخفيف العقوبات على النووي.

تمثِّل رغبة السعودية بالخروج من المستنقع في اليمن مثالًا قويًا على دور القيود في تكبيل قدرة الدولة على تحقيق حاجاتها الأمنية. وفي حين تفضيل السعودية حاليًا لمجابهة التأثير الإيراني عن طريق هزيمة وكلائها في اليمن، فإن ميزانيتها المعتمدة على النفط تجبرها على إعادة التفكير في الاتفاقيات الوسيطة التي ستعمل على الحد من التأثير الإيراني في شبه الجزيرة العربية على الأقل، وقد يكون ذلك هو أفضل ما يمكن أن تفعله السعودية الآن.

 

التعليقات