03/02/2016 - 14:17

وماتت أم كلثوم...

وحين وفاتها، ردّدت الصحف العربية النبأ في الصفحات الأولى بينما سيطر الوجوم على العامّة، حيث عرف العرب أنهم فقدوا رابطًا حقيقيًّا من روابط الإجماع في مذكرتهم ورمزًا من رموز وجدانهم.

وماتت أم كلثوم...

تصادف، اليوم الأربعاء، الثالث من شباط/فبراير، ذكرى وفاة كوكب الشرق، المطربة المصريّة، أم كلثوم.

ففي الثالث من فبراير / شباط 1975، اندمجت، لأول مرّة من حرب أكتوبر 1973، إذاعات الشرق الأوسط والبرنامج العام وصوت العرب في موجة واحدة لتعلن خبرًا هامًا على الجميع، حين ظهر وزير الثقافة، يوسف سباعي، ليعلن وفاة كوكب الشرق.

لم يحدث أن حصلت مطربة على شعبية تضاهيها في قلوب محبي الطرب، فلم تذهب إلى بلد حتى كانت الجماهير تخرج لاستقبالها كما تستقبل الزعماء، وتخصصت بعض المطاعم والمقاهي في تقديم أغانيها فقط.

وحصلت أم كلثوم على تكريم رسميّ، تمثل في الأوسمة والنياشين رفيعة المستوى، وعوملت كما يعامل الملوك والرؤساء أينما حلت.

أم كلثوم هي المطربة الوحيدة التي صارت إحدى أغانيها نشيدا وطنيا لمصر (قبل النشيد الراهن)، وشارة مميزة لإذاعة بغداد، وهي المطربة الوحيدة التي يقال إن صوتها وحّد العرب من الشرق إلى الغرب في وقت كان فيه الساسة والعقائديون يمزقون ما تبقى من أواصر العروبة بسياساتهم وخلافاتهم الحزبية.

وفي ليلة أم كلثوم التي كانت توافق الخميس الأول من كل شهر، كان فرقاء السياسة العربية يتركون الخلافات والمؤامرات ويلتفون حول أجهزة المذياع للاستماع إليها، لا فرق بين عتاة اليسار ولا رموز اليمين وقادة الانقلابات العسكرية الحاكمين والمعارضين المشتتين بين المنافي والسجون والمقاهي.

وفي الأدب العربي، سجل لها حضور في روايتي قصر الشوق وميرامار للأديب نجيب محفوظ، وخصص لها إحسان عبد القدوس إحدى قصصه القصيرة.

وقد أحصى كتاب "أم كلثوم في الشعر العربي" قرابة 88 قصيدة نظمها عدد من شعراء العربية في الفنانة المصرية، بدءا من أحمد شوقي الذي أشار إليها مرتين إحداهما في قصديته الشهيرة "سلوا كؤوس الطلا"، وجبران خليل جبران، وعباس العقاد (عدو المرأة الشهير الذي اضطر للاعتراف بعبقريتها) والزجال بديع خيري، ومعروف الرصافي، وجميل الزهاوي، وبدر شاكر السياب، ومنهم شاعر إسرائيلي يدعى روني سوليك كان مغرما بأم كلثوم مثل كثيرين في إسرائيل الذين لم ينسوا جذورهم الشرقية، كما يقول عنها الكاتب ناصر يحيى.

كما حظيت أم كلثوم بحظوة في مصر والعالم العربي، حيث عرفت بصلاتها الوثيقة مع الملك فاروق ومع الضبّاط الأحرار، إذ إنها اعتبرت سيّدة مصر الأولى، ما سبّب لها مشاكل مع أسرة الملك فاروق وشقيقاته بعدما منحها وسام "صاحبة العصمة" وهو المحصور في عائلة محمّد علي باشا.

وحين وفاتها، ردّدت الصحف العربية النبأ في الصفحات الأولى بينما سيطر الوجوم على العامّة، حيث عرف العرب أنهم فقدوا رابطًا حقيقيًّا من روابط الإجماع في مذكرتهم ورمزًا من رموز وجدانهم.

 

التعليقات