حرب حزيران 1967 كما عايشتها.../ د.محمد عقل

فإذا بأزيز يشق الجو شقاً، وصاعقة تدك الأرض دكاً، فهببت من نومي مذعوراً، وقد علا الضجيج والصراخ ظناً منهم أن قد أتاهم مكروه، فإذا بطائرة عليها العلم العراقي تخترق الأجواء وتختفي وراء جبل الخطاف

حرب حزيران 1967 كما عايشتها.../ د.محمد عقل

في صباح يوم الاثنين الخامس من حزيران عام 1967 سافرت مع إخواني إلى تل أبيب، ومن هناك صعدت، وحدي، الحافلة المتوجهة إلى القدس، ولما كانت الأيام السابقة مشحونة بالتوتر على الحدود، وراحت تُقرع طبول الحرب بين العرب واليهود ارتأى السائق فتح المذياع ليستمع إلى الإذاعة العبرية التي واصلت بثها على غير المعتاد، فلما وصلت الحافلة إلى باب الواد في تمام الساعة الثامنة والنصف رفع السائق صوت المذياع فجاء صوت المذيع قائلاً: صرح الناطق العسكري بأن الدول العربية بدأت بالهجوم على إسرائيل، وأن الطائرات الإسرائيلية تقوم بقصف مواقع عسكرية في مصر، هذا ما فهمته فرحت أضرب أخماساً لأسداس، والحافلة تواصل المسير صعوداً في الجبال: هل حقاً بدأت الحرب؟ ماذا عليّ أن أفعل؟ هل أواصل الذهاب إلى الجامعة العبرية وأقدم طلب الالتحاق إلى قسم اللغة العربية، أم استقل الحافلة الأولى التي ستغادر بالاتجاه المعاكس إلى تل أبيب!!

كانت تشدني قوتان واحدة جاذبة وأخرى طاردة، وما أن استقر بي الحال خلال الساعة التي خلتها عقداً من الزمان، وتوقفت الحافلة في المحطة المركزية حتى أسرعت وصعدت الحافلة الأخرى لأعود إلى تل أبيب..!.

وهناك رأيت الناس في هرج ومرج، والحافلات معطلة ومركونة ومهجورة، وبينما أنا ماش على غير هدى شارد الذهن مذهولاً ربّتَ على كتفي رجل وقال لي: الأخ عربي!، فرددت من فوري: نعم! وكأنني كنت أُصلي لله أن أسمع صوتاً عربياً! فقال الرجل: اتبعني، فتبعته تساورني الظنون، ولا أدري ما أقول، فأوصلني إلى ساحة تقع إلى الشرق من المحطة المركزية، فإذا بي أشاهد بين الجموع واحداً يحمل مقصاً، وآخر يحمل طورية، وثالثاً يحمل كريكاً، ومنهم من كان يحمل العصي والفؤوس! هؤلاء أحاطوا بالقطيع، كأنهم شعروا بالتهديد، ورغم أنه ساد جو مشوب بالخوف إلا أن الشباب ما تخلوا عن الرجولة، وراح بعضهم يخاطب الحشود قائلاً: 'اتصلنا بأم الفحم، طلعت سيارات من هناك حتى ينقلونا، لا تخافوا إن هاجمونا سنصدهم بإذن الله!'، ومرت ساعات حسبتها دهراً.. وفي تمام الساعة الثانية وصلت سيارات شحن كبيرة إلى المحطة المركزية في تل أبيب، فقام الشباب من أبناء أم الفحم بتنظيم الصعود إلى سيارات، فكدسونا كالفسيخ، وما هي إلا دقائق حتى كانت سيارات الفحامنة تمخر بنا عباب السهل الساحلي، فقط ساعتها شعرت بالطمأنينة والنشوة، وفي الساعة الثالثة والنصف وصلت السيارة إلى مدخل عرعره، فطلبوا مني النزول لأنهم لا يستطيعون التأخر عن الأهل والأحباب، فاضطرت إلى أن أمشي على الأقدام، وقد فعلت ذلك مسروراً رغم الإعاقة الدائمة التي كانت في رجلي اليسرى، وما أن وصلت قبيل المغيب إلى قريب مدرسة السلام حتى شاهدت أمي الحاجة أم أحمد تهرول نحوي وتحتضنني وهي تبكي، ثم تسألني: 'أين أخوك محمود؟ لقد سافروا إلى القدس ليحضروك...'!؟

فإذا برتل من المدرعات ومن حاملات الجنود يخترق شارع البيادر المؤدي إلى عين السهلي للوصول إلى الحدود. لم نعد إلى بيتنا لأنه كان في طرف البلد، فأخذني والدي الحاج أبو أحمد إلى دار سيدي سالم. تلك الدار كانت واسعة، فيها مغارة تتسع لجمهور، وبجوارها بيت معقود، وفوقها دور؛ وما أن وصلت إلى هناك حتى رأيت جموعاً من الأطفال والنساء مكدسين في داخل المغارة وساحتها ورجالاً فوقها. لا زلت أذكرهم بسيماهم، معظمهم من أبناء عشيرتي وبعض جيرانهم، لقد انتابهم الخوف والفزع مما يخبئه لهم المجهول، وهم على ما فعل الجيش في مجزرة كفر قاسم شهود!، وعلا ضجيج الرضع والصغار، وراح الكل في ترقب وانتظار، وعاد أخي محمود وصحبه الكرام، وحدثنا كيف انهمر عليهم الرصاص، ولم يجدوا لي آثار، فعادوا بالتندر الأدراج، ولما جن الليل استلقيت على طراحة، لآخذ قسطاً من الراحة ويبدو أنني غفوت من شدة التعب..، فإذا بأزيز يشق الجو شقاً، وصاعقة تدك الأرض دكاً، فهببت من نومي مذعوراً،  وقد علا الضجيج والصراخ ظناً منهم أن قد أتاهم مكروه، فإذا بطائرة عليها العلم العراقي تخترق الأجواء وتختفي وراء جبل الخطاف، مَنْ اعتلى ظهور الدور أخبرونا أن طائرتين توجهتا نحو هضاب الروحا، فلما وصلتا فوق البرج في عاره، استدارت إحداها وضربت قوات عسكرية في سهل وادي عاره... وفجأة قرر والدي أن نعود إلى بيتنا في الباطن وليكن ما يكون!

وراح الكثيرون مثله يتبعثرون، ليبحثوا عن مغاور وكهوف في القمم والسفوح. نظفوها ووضعوا فيها الفراش الوفير وأدوات للنفخ والنفيخ والطبخ والطبيخ.

كان بيتنا يقوم على حاكورة جبلية، فأخذ إخوتي الفؤوس، وشرعوا في حفر خندق ليحمينا من الحرب الضروس، ولكنهم ما أن وصلوا إلى عمق شبر حتى وصلوا إلى الصخر، ولم يكن ما حفروه يصلح حتى لقبر، فعزفوا عن ذلك، فالأمور ليست مقلقة، فهذا مذيع صوت العرب المشهور أحمد سعيد يعلن كل ربع ساعة إن الجيش المصري يسقط الطائرات الإسرائيلية كالذباب، ويزداد عدد الطائرات الساقطة من 75 إلى 90، والارتفاع ملحوظ، والمدرعات الإسرائيلية التي اخترقت الحدود عند عين السهلي لا تعود، يبدو أننا بهذه الحرب سنفوز،  وأننا نحو الحسم النهائي سائرون... لم نصدق ما يبثه صوت إسرائيل بالعربية من أن سلاح الجو المصري قد دُمّر وهو على الأرض، وأن الجيش الإسرائيلي قد احتل يعبد وجنين وتدور معارك ضارية في القدس.

ولكن في اليوم الرابع بدأت تساورنا الشكوك بما يذيعه صوت العرب، فرحنا نستمع إلى هيئة الإذاعة البريطانية بالعربية (بي. بي. سي) التي أخذت تذيع أنباء الهزيمة التي تنتاب العرب، فعدنا إلى صوت إسرائيل فإذا به يطلب من سكان القرى العربية أن يضعوا فوق بيوتهم أعلاماً بيضاء، وبذلك ينجوا من عقاب الجيش الإسرائيلي.

لقد ظننا أن المقصود بذلك سكان القرى العربية الواقعة داخل الخط الأخضر، فسارع أهالي عرعره بتعليق قطع من القماش الأبيض فوق الدور والبيوت... وفي اليوم الخامس أعلن الناطق العسكري المصري أن جيش مصر قد انسحب إلى الخط الثاني، بينما ألقى الملك حسين خطابه الشهير الذي قال فيه: حاربوهم بأظافركم، حاربوهم بأسنانكم، حاربوهم بكل ما ملكتم من قوةّ..!

وفي اليوم السادس كانت القلوب معلقة بجمال عبد الناصر والأبصار مشدوهة نحو القاهرة انتظاراً لما سيقول. وفي العشاء نطق الرئيس بالحقيقة المرة معلناً تنحيه عن منصب الرئاسة... فاغرورقت العيون، ويبست الحلوق، وذوت القلوب، وهذه هي التي سمّاها العرب بنكسة وأسمتها إسرائيل بحرب الأيام الستة، وهي وكسة ما بعدها وكسة احتاجت إلى سنين لتصبح ركسة..!      

أيار 1967: التوتر يسود الجبهتين السورية والمصرية

أيار 1967: التوتر يسود الجبهتين السورية والمصرية

23/05/2017
"حديث المقاتلين": شهادات جنود إسرائيليون على جرائم حرب 1967

"حديث المقاتلين": شهادات جنود إسرائيليون على جرائم حرب 1967

05/06/2015
أشهر مذيعي العرب هدد اليهود بإلقائهم في البحر

أشهر مذيعي العرب هدد اليهود بإلقائهم في البحر

26/05/2017
القصة القصيرة داخل فلسطين المحتلة بعد هزيمة حزيران

القصة القصيرة داخل فلسطين المحتلة بعد هزيمة حزيران

10/07/2017
العمليات العسكرية يوما بيوم في حرب حزيران 1967

العمليات العسكرية يوما بيوم في حرب حزيران 1967

05/06/2017
مدكور أبو العز: أعاد بناء سلاح الطيران المصري بعد الهزيمة

مدكور أبو العز: أعاد بناء سلاح الطيران المصري بعد الهزيمة

11/06/2017
كاريكاتير الهزيمة: انفصال عن الواقع اتساق مع الخطاب السياسي

كاريكاتير الهزيمة: انفصال عن الواقع اتساق مع الخطاب السياسي

28/05/2017
صحافة النكسة: مصر تتوغل داخل إسرائيل؟

صحافة النكسة: مصر تتوغل داخل إسرائيل؟

06/06/2017
الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية لحرب حزيران

الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية لحرب حزيران

28/05/2017
الهزيمة ليست عسكرية فقط: إعلام النكسة

الهزيمة ليست عسكرية فقط: إعلام النكسة

25/05/2017
القصة القصيرة في فلسطين المحتلة بعد هزيمة حزيران

القصة القصيرة في فلسطين المحتلة بعد هزيمة حزيران

16/06/2017
سعد الدين الشاذلي: بارقة الضوء الوحيدة في هزيمة حزيران

سعد الدين الشاذلي: بارقة الضوء الوحيدة في هزيمة حزيران

01/06/2017
النكسة في الدراما العربية

النكسة في الدراما العربية

05/06/2016
محاضر إسرائيلية لعدوان حزيران: "السماح" للفلسطينيين بالنزوح شرقا

محاضر إسرائيلية لعدوان حزيران: "السماح" للفلسطينيين بالنزوح شرقا

04/06/2015
هزيمة حزيران: القنيطرة أجمل المدن صارت مدينة أشباح

هزيمة حزيران: القنيطرة أجمل المدن صارت مدينة أشباح

27/05/2017
صحافة النكسة: نشوة الاحتلال والنكوص العربي

صحافة النكسة: نشوة الاحتلال والنكوص العربي

07/06/2017
هزيمة حزيران: معسكر بانياس ومقر الشرطة كانا خاليين

هزيمة حزيران: معسكر بانياس ومقر الشرطة كانا خاليين

27/05/2017
من دفاتر هزيمة حزيران - تل العزيزيات

من دفاتر هزيمة حزيران - تل العزيزيات

25/05/2017
حرب حزيران 1967.. مطالعة بعد 50 عاما

حرب حزيران 1967.. مطالعة بعد 50 عاما

20/05/2017
حرب حزيران 1967: خوف من الانتقام وتكرار النكبة

حرب حزيران 1967: خوف من الانتقام وتكرار النكبة

30/05/2017
هكذا أسست إسرائيل جهاز الاحتلال عام 1967

هكذا أسست إسرائيل جهاز الاحتلال عام 1967

26/05/2017
"ديان عارض مهاجمة سورية والانسحاب السوري قبل الهجوم دفعه للحرب"

"ديان عارض مهاجمة سورية والانسحاب السوري قبل الهجوم دفعه للحرب"

03/06/2017
إسرائيل درست إلقاء قنبلة ذرية بسيناء عشية حرب 1967

إسرائيل درست إلقاء قنبلة ذرية بسيناء عشية حرب 1967

04/06/2017
دور إيران في حرب 1967

دور إيران في حرب 1967

11/09/2017
هزيمة 1967 فتحت أبوابًا موصدة في الإبداع...

هزيمة 1967 فتحت أبوابًا موصدة في الإبداع...

09/06/2017
سليمان أبو شاهين: حملت بارودة من المقاومة الشعبية

سليمان أبو شاهين: حملت بارودة من المقاومة الشعبية

29/05/2017
الاجتماع الأخير: كيف قررت إسرائيل شن عدوان على العرب؟

الاجتماع الأخير: كيف قررت إسرائيل شن عدوان على العرب؟

22/06/2017
عبد الناصر والنصر الموعود!

عبد الناصر والنصر الموعود!

28/05/2017
للوطن العربي جناحان: المشرق والمغرب

للوطن العربي جناحان: المشرق والمغرب

04/06/2017
غازيت: علمنا بحال المدرعات المصرية البائس قبل حرب 67

غازيت: علمنا بحال المدرعات المصرية البائس قبل حرب 67

13/10/2016
بعد 50 عامًا: 5% من أراضي القدس بقيت للعرب

بعد 50 عامًا: 5% من أراضي القدس بقيت للعرب

08/06/2017
الصدمة الفكرية في نقد صادق جلال العظم لما بعد الهزيمة

الصدمة الفكرية في نقد صادق جلال العظم لما بعد الهزيمة

30/05/2017
"بروتوكولات حرب 67"

"بروتوكولات حرب 67"

19/05/2017
انتفاضة 1987 قادها جيل الهزيمة...

انتفاضة 1987 قادها جيل الهزيمة...

05/06/2017
أسدي: عبد الناصر رفع هاماتنا وأحيا العروبة فينا

أسدي: عبد الناصر رفع هاماتنا وأحيا العروبة فينا

26/05/2017
380 ألف مستوطن بالضفة 44% بمستوطنات خارج الكتل

380 ألف مستوطن بالضفة 44% بمستوطنات خارج الكتل

09/06/2017
هزيمة حزيران عمقت جراح النكبة الفلسطينية

هزيمة حزيران عمقت جراح النكبة الفلسطينية

28/05/2017
خمسون عامًا: القدس كئيبة في ذكرى احتلالها

خمسون عامًا: القدس كئيبة في ذكرى احتلالها

06/06/2017
الرقابة الإسرائيلية حذفت مقاطع من بروتوكولات الحكومة بحرب حزيران

الرقابة الإسرائيلية حذفت مقاطع من بروتوكولات الحكومة بحرب حزيران

19/05/2017
مؤتمر خمسون عامًا على حرب يونيو1967: قراءة بالرواية الإسرائيلية

مؤتمر خمسون عامًا على حرب يونيو1967: قراءة بالرواية الإسرائيلية

22/05/2017
أرشيفهم وأرشيفنا...

أرشيفهم وأرشيفنا...

20/05/2017
ما هي حرب 1967؟

ما هي حرب 1967؟

05/06/2016
قائد طيران إسرائيلي: لو تأخرنا خمس دقائق لربما تغيرت وجهة الحرب

قائد طيران إسرائيلي: لو تأخرنا خمس دقائق لربما تغيرت وجهة الحرب

31/05/2017
هزيمة حزيران: "المصريون لم يمتلكوا ناصية التقنيات المعقدة"

هزيمة حزيران: "المصريون لم يمتلكوا ناصية التقنيات المعقدة"

02/06/2017
صحافة النكسة: مصر تتوغل داخل إسرائيل؟

صحافة النكسة: مصر تتوغل داخل إسرائيل؟

06/06/2017

التعليقات