نابلس.. تاريخ زاخر وحاضر مضطرب

في عام 1099 استولى الصليبيون على المدينة تحت قيادة الأمير تانكريد، وأطلق عليها “نابولي”، وأصبحت جزءاً من الحكم الملكي لمملكة القدس، واستقر بعض الصليبيين في المدينة للاستفادة من مواردها الوفيرة وموقعها المتميّز.

نابلس.. تاريخ زاخر وحاضر مضطرب

نابلس.. مدينة فلسطينية تقع في شمال الضفة الغربية، على بُعد 49كم (30 ميلاً) شمال القدس. وتقع بين جبل عيبال وجبل جرزيم، أسّسها الإمبراطور الروماني فيسباسيان في عام 72م، وأطلق عليها “فلافيا نيابوليس”. وخلال القرنين الخامس والسادس الميلادي وقع صراع بين المسيحية والسامرية، وكانت هناك سلسلة من الثورات السامرية ضد الحكم البيزنطي.

وفي عام 636م أصبحت نيابوليس مع معظم بلاد فلسطين تحت حكم الخلافة العربية الإسلامية بقيادة عمر بن الخطاب، وتمّ تعريب الاسم إلى “نابلس” في عام 1099. ومع سيّطرة الصليبيين على المدينة لأقل من قرن من الزمان، استطاع الجيش الأيوبي بقيادة صلاح الدين الأيوبي السيّطرة على المناطق الداخلية من فلسطين عام 1187م، وتمت إعادة تأسيس الحكم الإسلامي مروراً بالحقبة المملوكية والعثمانية لاحقاً.

في العصور الكلاسيكية القديمة تأسّست “فلافيا نيابوليس″ من قِبَل الإمبراطور الروماني فيسباسيان على أنقاض قرية السامرية القديمة بين جبل عيبال وجبل جرزيم، ونظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي وبسبب وفرة المياه من الينابيع القريبة، ازدهرت نيابوليس في التجارة والصناعة، حيث وجدت عملات معدنية تعود إلى هذه الفترة، منقوش عليها الشعارات والآلهة العسكرية الرومانية وآلهة يونانية، مثل” زيوس، أرتميس، سيرابيس وأسكليبيوس.

وفي عام 484م برز صراع طائفي بين السكان المسيحيين والسامريين بشكل كبير، وأصبحت المدينة موقع لقاء قاتل بين المجموعتين، بسبب انتشار شائعات تفيد أن المسيحيين يعتزمون تحويل ما تبقى من بقايا وأماكن أبناء هارون وأحفاد العازار “إيثامار وفينحاس” إلى كنائس مسيحية، حيث رد السامريون عن طريق دخول كاتدرائية نيابوليس وقتلوا المسيحيين في الداخل، ونتيجة للحرب الطائفية قام الإمبراطور البيزنطي “زينو” بتشييد كنيسة مكرّسة لمريم على جبل جرزيم، ونهى السامريين عن السفر إلى الجبل، ومنعهم من إقامة احتفالاتهم الدينية بعد مصادرة كنائسهم. وهذه الإجراءات أشعلت الغضب السامري ضد الإمبراطور على حد سواء، حيث ثار السامريون ضد حكم الإمبراطور، وقاموا بإحراق البلاد وتكسير الآثار والهجوم على الكنائس، وانتهى التمرّد بأوامر من الإمبراطور البيزنطي بذبح غالبية السكان السامريين في المدينة.

وفي عام 636م بعد معركة اليرموك استطاع المسلمون بقيادة قائد الجيش خالد بن الوليد، وبأوامر من الخليفة عمر بن الخطاب، فتح فلافيا نيابوليس وجميع بلدان فلسطين، وتمّ تعريب اسم المدينة إلى نابلس، وأصبحت المدينة مركزاً تجارياً هاماً خلال قرون الحكم العربي الإسلامي (الأموي والعباسي والفاطمي). وكانت نابلس تضمّ مجموعة متنوّعة من السكان العرب والفرس والمسلمين والسامريين والمسيحيين واليهود. واشتهرت المدينة وقتها بأشجار الزيتون والمطاحن والكتان الذي كان معروفاً جيداً في جميع أنحاء العالم القديم.

وفي عام 1099 استولى الصليبيون على المدينة تحت قيادة الأمير تانكريد، وأطلق عليها “نابولي”، وأصبحت جزءاً من الحكم الملكي لمملكة القدس، واستقر بعض الصليبيين في المدينة للاستفادة من مواردها الوفيرة وموقعها المتميّز.

وخلال النصف الثاني من عهد الصليبيين على حكم نابولي، عام 1137م، حاول المسلمون التوغّل لاستعادة السيّطرة على المدينة، وداهمت قوات عربية وتركية مدينة نابلس، مما أسفر عن مقتل العديد من المسيحيين وحرق الكنائس في المدينة، ومع ذلك لم تنجح محاولات المسلمين في استعادة السيّطرة على المدينة.

واستولى الأيوبيون بقيادة صلاح الدين الأيوبي على المدينة عام 1187م، ووضع حداً للحكم الصليبي، واستعاد الجامع الكبير في مدينة نابلس الذي أصبح كنيسة تحت حكم الصليبيين. وفي عام 1260م سيّطرت قوات المماليك على مدينة نابلس. وخلال فترة حكمهم قاموا ببناء العديد من المساجد والمدارس، وازدهرت التجارة في المدينة، وكانت تصدّر زيت الزيتون والصابون والمربى والخروب لمصر وسوريا والحجاز. كما زار الرحّالة العربي “ابن بطوطة” نابلس عام 1355م، ووصفها بأنها مدينة الأشجار والزيتون.

وفي العصر العثماني أصبحت نابلس وبلدان فلسطين تحت حكم الإمبراطورية العثمانية عام 1517م، مثل: صفد وجنين والقدس وغزة وعجلون التي كانت جزءاً من سوريا العثمانية، وتمّ تقسيم فلسطين إلى خمس مناطق لمحاولة إعادة هيكلة الأوضاع السياسية في المنطقة، لا سيما بعد عقود طويلة من الاضطرابات والثورات التي مارستها القبائل العربية في منطقة الشرق الأوسط، حيث حاول العثمانيون استعادة السيّطرة المركزية على المنطقة العربية، كجزء من محاولة أوسع لحكم مركزي في جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية.

ويقول د. منتصر الزيني، الخبير الأثري: في عام (1831 – 1832) استطاع والي مصر محمد علي باشا غزو فلسطين، ونجح في الاستيلاء عليها من المماليك، وأقرّ سياسة التجنيد والضرائب التي أدت إلى ثورة في نابلس والخليل ومنطقة القدس- يافا.

واحتشد شيوخ الريف والفلاحين من جبل نابلس، عام 1834م، ونظّموا تمرداً ضد محافظ المدينة إبراهيم باشا، احتجاجاً على أوامر التجنيد والضرائب الباهظة. وتابع: مع السنوات وبمساعدة عشائر القبائل وبعض قوات من العثمانيين، تمّ هزيمة قوات إبراهيم باشا، واضطر إلى مغادرة البلاد، وانتزع العثمانيون السيّطرة على فلسطين من مصر في (1840 – 1841).

ويضيف: في عام 1918م استطاعت القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى الاستيلاء على سيناء وفلسطين بعد هزيمة الجيش العثماني وسقوط الإمبراطورية العثمانية. وفي عام 1947م تمّ إدراج فلسطين ضمن خطة تقسيم الجمعية العامة للأمم المتحدة لفلسطين، وهو ما دفع الجيوش العربية عام 1948م إلى التدخّل العسكري لمنع تقسيم فلسطين، ولكن هزمت الجيوش العربية، ومع ذلك أصبحت “نابلس” تحت السيّطرة الأردنية، وظلت هكذا حتى نكسة عام 1967م، حيث استولت إسرائيل على مدينة نابلس، وتمّ بناء العديد من المستوطنات الإسرائيلية. وفي عام 1995 تمّ تسليم المدينة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية نتيجة لاتفاق أوسلو حول الضفة الغربية.

اقرأ/ي أيضًا| قلعة عتليت .. من حصن إلى سجن

التعليقات