المكتبة المنزلية... تأسيس فكري للأطفال

للمكتبة المنزلية تأثير كبير في تكوين شخصية أفراد الأسرة خاصة الأطفال، لكونها من العوامل التي تشكل قيمهم ومبادئهم، وتمدهم بثوابت ثقافتهم وهويتهم، وهو الأمر الذي يتوقف على قدرة الوالدين في ترغيب أطفالهما في القراءة والاطلاع والمعرفة.

المكتبة المنزلية... تأسيس فكري للأطفال

للمكتبة المنزلية تأثير كبير في تكوين شخصية أفراد الأسرة خاصة الأطفال، لكونها من العوامل التي تشكل قيمهم ومبادئهم، وتمدهم بثوابت ثقافتهم وهويتهم، وهو الأمر الذي يتوقف على قدرة الوالدين في ترغيب أطفالهما في القراءة والاطلاع والمعرفة، من خلال تزويد المنزل بمكتبة تضم القصص والكتب والروايات التي يحبونها، وتمثل لهم وسيلة للترفيه والتعلم، وتعزز لديهم الرغبة في الحصول على المعرفة وسعة الأفق والإدراك، بما يزيد من قدراتهم الفكرية والثقافية.

تؤثر المكتبة المنزلية بشكل مباشر على القدرات العقلية للطفل، بحيث تزيد من حيوية الدماغ وتنشط خلاياها، وتجعله أقدر كلما تقدم في السن على استيعاب ما يدور حوله وفهمه جيدا، كما تعزز لديه القدرة على التعبير عن الذات بشكل يتناسب معه كطفل، غير مبال بما يشعر به الأطفال الآخرون غير المطلعين، مثل الخجل أو التوتر والقلق والانعزال عن الآخرين، كما تقضي على الشعور بوجود فجوة نفسية بينه وبين الآخر لا سيما الوالدين، أو محاولات خلق حاجز استنفار، نتيجة عدم فهم كل طرف ماهية الاحتياجات النفسية والحسية للطرف الآخر، والذي يهدف الطفل من ورائه تكوين حياة فردية لا يرى فيها سوى ذاته، يفعل بها ما يريد ويتخيل من خلالها طبيعة الحياة التي يتمناها داخله، والطريقة المأمولة التي يفضل أن يتعاملان بها والداه معه.

ويشير علماء النفس إلى أن المكتبة المنزلية لها تأثيرها النفسي على الأطفال، حيث تقضي على شعورهم بالوحدة، وتقلل من شعورهم بالقلق والتوتر، كما أنها تعالج لديهم الأمراض النفسية المزمنة أو الناتجة عن عوامل جسدية، مثل التوحد أو زيادة موجات المخ الكهربائية، وذلك من خلال الاعتماد على وجود قدوة قارئة داخل المنزل يقتدي بها الأطفال، تزيد من رغبتهم في القراءة والاطلاع، بالإضافة إلى توفير عدد من القصص والروايات المكتوبة بصورة مبسطة، تمكن الطفل من استخلاص دروس وعبر بسهولة ويسر دون تعقيد، حتى لا يتملكه الشعور بالعجز إذا ما لم يدرك معنى أو هدف الرواية.

تكمن أهمية القراءة أيضا في تنمية المهارات العاطفية لدى الطفل، والتي تعد من العوامل الرئيسية لتشكيل حياته القادمة، حيث تساعده في إدارة علاقاته بالآخرين، وتوضح له الكيفية المناسبة للتعامل معهم، وكذلك تعينه على تكوين أسرة سوية تعي وتفهم معاني الحب والوفاء والإخلاص، وقبل هذا وذاك تحمي علاقته بوالديه من التوتر والاضطرابات التي تصيب كل أسرة بعد تخطي أبنائها لمرحلة الطفولة والدخول إلى مرحلة المراهقة والشباب وما يتبعها من مشاكل ومعاناة.

هذا وتقوم المكتبة المنزلية بدور يفوق دور الوالدين باختلاف مستوياتهما التعليمية والثقافية، فيما يتعلق بتطوير القدرات العقلية وتعزيز المستوى الثقافي والمعرفي للطفل، وبالتالي لا يرتبط وجود المكتبة داخل المنزل بدرجة تعليم الوالدين أو مستواهما الثقافي والتعليمي، كما لا يرتبط ذلك بأهدافهما نحو الطفل وحلمهما في أن يكون في مستوى علمي أو وظيفي معين، وإنما يتوقف على حجم الثراء المعرفي الذي تقدمه المكتبة، ورغبة الطفل الداخلية في الازدياد المعرفي والثقافي، ولا ينفي ذلك ضرورة وجود قدوة، فالكتب لا تزرع حب التعلم ولكنها تؤسسه بصورة صحيحة داخل سيكولوجية الطفل.

وتوضح الخبيرة التربوية، د. أسماء الصاوي، أن المكتبة المنزلية تحقق للطفل حياة خالية من التبعات النفسية الملازمة للاستخدامات الأخرى، المتمثلة في الألعاب الإلكترونية، أو مشاهدة التلفاز، والتي تتسبب في الأمراض النفسية كالتوحد، والانطواء والقلق والتوتر، لذلك يتميز الأطفال الذين يعتمدون بشكل أساسي على المكتبة المنزلية، ويعيشون في كنف قدوة قرائية، بقدرات عقلية ونفسية متطورة، حيث يقل لديهم الشعور بالتوتر والاكتئاب، كما لا يصابون كثيرا بالإحباط أو الوحدة، فهم يرون الكتاب صديقا دائما لهم لا يمكن الاستغناء عنه، بالإضافة إلى تقديرهم لقيمته الثقافية.

وتابعت: على الرغم من طفولتهم التي لا تؤهلهم أحيانا إلى فهم طبائع الأمور، لكنهم يدركون ما تخلقه هذه الكتب من فروقات بينهم وبين غيرهم ممن لا يقرؤون، وبالتالي يخرجون محبين للحفاظ على المكانة التي ارتقوا إليها، ويزيد من هذا الحب الثناءات التي يثنيها عليهم من حولهم، والإشادة بمبادئهم وقيمهم التي زرعتها داخلهم، وتفوقهم العلمي والدراسي.

اقرأ/ي أيضًا | كيف تكتشف إصابة أطفالك بإدمان الإنترنت؟

من جانبه، يشير أستاذ علم النفس التربوي بجامعة، د. صلاح هارون، إلى أن المكتبة المنزلية تخلق جوا من المتعة والتشويق لدى الطفل، كما أنها تشكل الاتجاهات الفكرية والسلوكيات الإيجابية، وتمنحه القدرة لاتخاذ القرارات بمفرده وحل مشاكله دون الاستعانة بالآخرين، بالإضافة إلى تعزيز رغبته في مرافقة من هم أكبر منه عمرا، وتطبع على تفكيره خاصية المنطقية، وبالتالي يستطيع إقناع الآخرين والتقرب منهم، مؤكدا أن القراءة تجعل من الطفل شخصية قوية ومؤثرة، حيث يسير على خطى ما أثرى إعجابه من أبطال داخل الروايات الهادفة التي قام بالاطلاع عليها، ومع مرور الوقت يتطور ذلك إلى واقع ليصنع شخصية قادرة على أن يكون لها مستقبل مميز ومشرق.

التعليقات