في الخيمة الإسمنتيّة ومعرض كريمة عبّود... أسئلة مستفزّة

لقاء قلنديا في "الخيمة الإسمنتيّة" | مخيّم الدهيشة

فادي العصا

لم نستطع إكمال الاجتماع أو حتّى النقاش؛ فأصوات الأغاني كانت تصدح في المكان من عُرْسٍ جديد يقام في المخيّم. رغم ذلك، فإنّ الجلوس في 'الخمية الإسمنتيّة' في 'مركز الفينيق' بقلب مخيّم الدهيشة للاجئين جنوب مدينة بيت لحم، يجعلك تعيش الهدف من هذه الخيمة ودلالاتها.

زرنا 'الخيمة الإسمنتيّة' ضمن سلسلة 'لقاءات قلنديا'، وهي جزء من فعاليّات محفل 'قلنديا الدوليّ' 2016 تحت شعار 'هذا البحر لي'، التي يُنَظِّمها المحفل في ثماني مدن فلسطينيّة وعربيّة وعالميّة، بالتعاون مع 16 مؤسّسة ثقافيّة وفنّيّة، وبمشاركة 200 فنّانة وفنّان، متّخذًا من اللجوء والعودة ثيمةً لنسخته الثالثة. وقد نظّم لقاء بيت لحم كلّ من 'كلّيّة دار الكلمة الجامعيّة للفنون والثقافة، و'جامعة في المخيّم'، و'مركز الفينيق'، و'اللجنة الشعبيّة لمخيّمات الجنوب'.

مؤقّت ودائم

يتحدّث منسّق برنامج 'جامعة في المخيّم'، إسحق البربري، عن 'الخيمة الإسمنتيّة' التي دُشِّنَت عام 2015 لتكون مكانًا للّقاءات الاجتماعيّة والتعلّم الجماعيّ والأنشطة الثقافيّة، يقول: 'هي خليط بين قماش الخيمة والإسمنت، لتحتضن في ثناياها متناقضات مختلفة، بين المؤقّت والدائم، وبين الصلب واللين، وبين الحركة والسكون، فالخيمة هي العنصر الأساسيّ لبناء المخيّم، وقد وُضِعَت لتزول، لأنّ هناك عودة إلى الديار، وقد أُقيمت لأنّها ما زالت تتحوّل من مركز للعودة إلى شاهد على لجوء لم ينتهِ بعد.'

ويضيف البربري: 'الإسمنت في الخيمة صفة المخيّم اليوم، إذ لم تعد الخيمة من قماش، بل أصبحت هياكل معقّدة مصنوعة من الإسمنت، وهي ليست حلًّا، إنّما تجمع في طيّاتها التناقضات التي وُجِدَتْ في المنفى.'

هذه الخيمة مقامة في حديقة 'مركز الفينيق'، الذي يضمّ صالة رياضيّة وقاعات للأفراح، التي جلسنا بالقرب من إحداها، ولم نستطع إكمال حديثنا بسبب أصوات الفرح المنبعثة منها، والتجربة خير شاهد على هذه التناقضات في حياة اللجوء.

مخيّم الدهيشة

لم يقتصر النشاط يومها على زيارة هذه الخيمة فقط، فقد نُظِّمَتْ جولة في مخيّم الدهيشة، للوقوف على توسّعه وكيف يقيم أفراده فيه ويتعايشون مع واقعهم. تمنح الجولة داخل المخيّم نبذة عن تاريخه منذ تأسيسه حتّى اليوم، وقد كان التركيز على الأماكن التي أنشأها سكّان المخيّم، والتي تُسْتَخْدَمُ لأغراض مختلفة، سياسيّة واجتماعيّة، للتواصل بين سكانه.

مخيّم الدهيشة خلال الجولة

يقول البربري إنّ '’جامعة في المخيّم’ مجموعة من الفعاليّات التي انطلقت عام 2012 في مخيّم الدهيشة، هدفها البحث في مسألة: كيف يمكن للاجئ أن يقدّم نفسه؟'

كريمة عبّود؛ معرض وجائزة

حضر المشاركون قبل ذلك معرض جائزة المصوّرة كريمة عبود للتصوير الفوتوغرافيّ، أحد المعارض المشاركة في 'قلنديا الدوليّ'، وهو جزء من فعاليّات الاحتفال بمرور عشرة أعوام على تأسيس 'دار الكلمة الجامعيّة للثقافة والفنون' في مدينة بيت لحم، تحت عنوان: 'إنسان من فلسطين: معرض جائزة المصوّرة كريمة عبّود للتصوير الفوتوغرافيّ.'

افتتح رئيس 'دار الكلمة الجامعيّة'، القسّ الدكتور متري الراهب، المعرض، وأكّد على: 'أهمّيّة هذه المسابقة في اكتشاف المواهب الفلسطينيّة الشابّة، ومنحها مساحات كي تطفو على السطح، وتصبح تحت الأضواء، علّهم يجدون في الفنّانة كريمة عبّود؛ رائدة التصوير النسائيّ في فلسطين والعالم العربيّ، نبراسًا يضيء طريقهم الفنّيّة.'

من افتتاح معرض جائزة المصوّرة كريمة عبّود للتصوير الفوتوغرافيّ

وأضاف الراهب: 'أطلقت ’دار الكلمة الجامعيّة’ هذه الجائزة في التصوير الفوتوغرافيّ بعد أن أطلقت قبل ثلاث سنوات جائزة الفنّان إسماعيل شموط للفنّ التشكيليّ، إيمانًا منّا بأهمّيّة هذا التراث الفلسطينيّ الفنّيّ المميّز.' 

رحلة إلى الوقائع

أمّا منسّقة مشروع مسابقة كريمة عبّود والمحاضرة في 'دار الكلمة الجامعيّة'، المخرجة محاسن نصر الدين، فقالت: 'ركّزت الأعمال الفنّيّة المعروضة على أشكال متنوّعة من التصوير الفوتوغرافيّ، منها التجريبيّ، والوثاثقيّ، والخياليّ، والتجريديّ، إذ يتعامل كلّ من الفنّانين والفنّانات مع مواضيع تتعلّق بالمكان، والحيّز، والمادّة، والنسويّة.'

وأضافت نصر الدين: 'قدّم الفنّانون والفنّانات الذين تأهّلوا للمرحلة النهائيّة طرقًا متنوّعة في السرد، عن الحياة والمجتمع في فلسطين اليوم، طارحين أسئلة حول الموضوع المحلّيّ والشخصيّ، واصطحبونا في رحلة إلى الوقائع الحياتيّة المختلفة في ربوع فلسطين.'

دعمًا للإبداع

تضمّن المعرض ثلاثين صورة فوتوغرافيّة لعشرة فنانّين وفنّانات شباب، تأهّلوا للمرحلة النهائيّة في المسابقة، والتي أطلقتها 'دار الكلمة الجامعيّة' بداية شهر تموز (يوليو) الماضي، دعمًا لعمليّة استرجاع الماضي الفلسطينيّ، وربط النتاج الثقافيّ الفلسطينيّ ما قبل النكبة بما بعدها، وكذلك تكريمًا للفنّانة الراحلة كريمة عبّود (1893-1940) ومساهمتها في الحياة الثقافيّة في فلسطين قبل نكبة عام 1948، ومن أجل تشجيع المصوّرات الشابّات والمصوّرين الشباب، ودعم مسيرتهم الإبداعيّة والتعبيريّة. 

من صور كريمة عبّود - شارة الجائزة

وستختار لجنة مختصّة ثلاث فائزات/ فائزين من العشرة المتأهّلين للمعرض، وستعلن النتائج النهائيّة في حفل تنظّمه 'دار الكلمة الجامعيّة' في الثاني عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2016.  وسيُرسل المعرض بعد ذلك إلى ولاية كاليفورنيا الأمريكيّة، حيث ستُعرض الأعمال ضمن سلسلة معارض الصور الفوتوغرافيّة، أيضًا ضمن فعاليّات 'قلنديا الدوليّ' لهذا العام.

أسئلة مستفزّة

يطرح مدير مركز 'رواق - مركز المعمار الشعبيّ'، أحد شركاء محفل 'قلنديا الدوليّ'، د. خلدون بشارة، أسئلة كثيرة لمعرفة ما يريده المشاركون فيه؛ 'فما الذي خسرناه من النكبة؟ وماذا سنفعل إذا رجعنا؟ وهل سننقل بيوت المخيّم إلى مدننا وقرانا التي هُجّرنا منها؟ أم أنّنا سنبقي على القرية بتصميم ما قبل عام 1948؟ أسئلة كثيرة تُعَدّ استفزازيّة، لكنّها تعيد التفكير في الذي سنقوم به مادّيًّا متى عُدْنا، وإذا ما أُنْهِيَتْ فعلًا قضيّة اللاجئين الفلسطينيّين بعودتهم إلى قراهم ومدنهم.'

ويضيف د. بشارة: 'هذه الأسئلة وأخرى كثيرة، يجب أن تُطرح حتّى نعيد الحياة لمصطلحات تتعلّق بحقّ العودة، أصبحت اليوم رنّانة ومفرغة من محتواها المادّيّ والاجتماعيّ والثقافيّ والاقتصاديّ والسياسيّ.'

'الخيمة الإسمنتيّة' في حديقة 'مركز الفينيق'

أراد 'قلنديا الدوليّ' بمشاركة مؤسّسي هذا المحفل، كما يقول د. بشارة، 'الوصول إلى هذه النقاط وغيرها من خلال الأعمال البصريّة الفنّيّة التي أنشؤوها، بالإضافة إلى المعارض والجولات التي نُظِّمَتْ في مختلف أرجاء فلسطين التاريخيّة، وأماكن وجود اللاجئين في كلّ من الأردنّ ولبنان وبريطانيا، لفتح طرق جديدة أمام النقاش حول الخطوة العمليّة المقبلة.'

وأضاف د. بشارة: 'تعمل المؤسّسات الشريكة في المحفل بطرق إبداعيّة ومختلفة لتناول النكبة وحقّ العودة واللجوء، وأغلب المشاركين فيه فنّانون وليسوا سياسيّين، ومن خلال زيارة المعارض والتبادل المعرفيّ سيُعاد فتح المواضيع بطرق أخرى.'

لماذا 'هذا البحر لي'؟

يتساءل د. بشارة: 'لماذا عندما يستطيع الفلسطينيّ أن يصل إلى فلسطين الداخل، فإنّه أوّل ما يذهب إلى يافا؟ الجواب ببساطة أنّ يافا، مثلًا، لها سمات اقتصاديّة، متمثّلة سابقًا بالتجارة التي كان تصلها بالغرب عن طريق البحر، وكذلك سمات اجتماعيّة، إذ تتّصل المدينة الفلسطينيّة بالمدن الأخرى التي ليست على الساحل، ناهيك عن أنّ لها أبعاد مادّيّة، لأنّها مدينة صاخبة في أزمنتها المختلفة.'

جداريّة في مخيّم الدهيشة

'من الغريب مادّيًّا أن تكون بوّابة ليافا في القدس، وإذا وصلت إلى نهاية هذه الطريق التي تبدأ من تلك البوّابة، فإنّك تجد بوّابة القدس في يافا، فماذا يعني ذلك؟ يجب على أكثر من 200 مشاركة فنّيّة في ’قلنديا الدوليّ’، و16 معرضًا، وأكثر من جولة نُظِّمَت وتُنَظَّم، بالإضافة إلى عدد الزوّار الذي يبلغ الآلاف لتلك الفعاليّات، في المناطق المختلفة، أن يتناقشوا حول ذلك ويجيبوا عليه. هذا هو هدف 'قلنديا الدوليّ'، أن يحكي الواقع ويربط الشعار ببعده المادّيّ الملموس، وأن نعرف في النهاية لماذا ’هذا البحر لي’؟'