حسن رابح؛ قفزة الرّاقص الأخيرة

حسن رابح خلال أحد العروض الرّاقصة

صباح الأربعاء، 22 حزيران (يونيو) 2016، رمى بنفسه من شرفة شقّته في الطّابق السّابع في شارع الحمرا ببيروت، ليرقص رقصته الأخيرة في الهواء ويقول للعالم: كفى. وليصفع كلّ من كانوا يعرفونه، وكذلك من صاروا يعرفونه بعد انتحاره.

صباح اليوم، الجمعة، نُقِلَ جثمانه من مستشفى الجامعة الأمريكيّة في بيروت إلى منطقة الفاعور ببعلبك، حيثُ صُلّيَ عليه في مسجد أبي بكر الصّدّيق، ووري الثّرى في مقبرة الفاعور.

من دمشق إلى بيروت

حسن رابح (25 عامًا)، راقص سوريّ، وُلِدَ وترعرع في دمشق. أحبّ الرّقص منذ طفولته، حيث درّب نفسه على مختلف أنواعه، لا سيّما الهيب هوب، متأثّرًا من مايكل جاكسون، الّذي كان مثالًا فنّيًّا بالنّسبة له. التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحيّة بدمشق - قسم الرّقص مدّة سنتين، لكنّه أوقف دراسته في العام الثّاني.

اختاره مدير فرقة 'سيما'، الكريوغراف علاء كريميد، عام 2007، ليكون عضوًا في الفرقة بعد أن اطّلع على موهبته وهو بعد في المرحلة الثّانويّة، وذلك خلال جولة لكريميد في عدد من المدارس السّوريّة باحثًا عن راقصين مراهقين، وقد شارك في أوّل عرض احترافيّ مع الفرقة في افتتاح مهرجان السّينما  بدمشق عام 2008، وكذلك في ختامه.

شارك حسن في مختلف عروض فرقة 'سيما' بسوريا، مثل حفل عيد التّلفزيون السّوريّ الخمسين، و'تركيب'، و'سولفان'، والعرض الختاميّ لمهرجان دمشق المسرحيّ عام 2010. كما استمرّ في العمل مع الفرقة بعد انتقاله معها إلى لبنان عام 2012، بعد الثّورة السّوريّة، وقد شارك معها في برنامج المواهب الشّهير 'Arabs Got Talent' عام 2014، حيث فازت بالمرتبة الأولى.

انتقلت فرقة 'سيما' بعد ذلك الإمارات، لكن تعذّر على حسن مرافقتها بسبب عدم حصوله على الفيزا، فعمل مع عدد من الفرق والمسارح في لبنان، منها فرقة 'كون' المسرحيّة بإدارة الفنّان السّوريّ أسامة حلّال.

لم يتمكّن حسن من الحصول على الإقامة في لبنان، وهو ما انعكس على فرص عمله وأدّى إلى تدنّي مستواه المعيشيّ، ما اضطّرّه إلى أن يعمل في مجالات أخرى بعيدة عن الرّقص ليتمكّن من إعالة نفسه، في ظلّ ظروف اقتصاديّة صعبة، حيث عمل في مجال المونتاج، كما عمل نادلًا.

المنشور الأخير

صباح الأربعاء، 22 حزيران (يونيو) 2016، رمى حسن بنفسه من شرفة شقّته في الطّابق السّابع، دون أن يُعرف السّبب المباشر الّذي أدّى به إلى ذلك، لكنّه نشر عددًا من المنشورات في الفترة الأخيرة من حياته تُبَيِّنُ استياءه الشّديد وغضبه من الحالة السّياسيّة والاجتماعيّة الّتي يشهدها العالم العربيّ، وربّما تكون الظّروف القاسية المفروضة على اللّاجئ السّوريّ في لبنان، هي السّبب الّذي أدّى به إلى أن يصاب بإحباط ويفقد الأمل ويقرّر بالتّالي عدم قدرته على الاستمرار.

خلال التّشييع في مقبرة الفاعور ببعلبك

نشر عشيّة انتحاره، وتحديدًا يوم 13 حزيران (يونيو) 2016، السّاعة 03:07 فجرًا، منشورًا على صفحته في فيسبوك، يقول فيه:

'انحبست كرمال موضوع حشيشة أعدت بالسجن مع أجمل ناس و عالم و طلعت بعدين برطلت المحقق و كان أبضاي منيح عم يحاول يساعد بلشت خبص أول ما طلعت على شرب و سكر و تدخين و تعاطي و لعب مع عقلي و نفسي و ضحك على الناس العالم أصدقائي أخواتي أهلي و أهلي من لحمي و دمي بطلت أحكي معهن و بطلت أحكي مع حدا بلشت ادعي حالي الحسن و محمد و المسيخ و كل العقائد و بدأت الكذب و لست سوى عبد لربي اسمي حسن و السلام عليكم سامحوني يا أصدقائي يا أهلي يا أحبابي و لتسقط كل الأنظمة ابتداءا من القاتل النظام السوري الفاشي الفاشل و شيطانه بشار و أبوه و النظام الرأس مالي الاستيطاني الإسرائيلي و داعش الوجه لنفس العملة و نهاد المشنوق في نفس الحلقة و المخابرات العالمية الفاجرة و الداعرة و العاهرة لست سوى عبد ربي أموت إلى أن أحيا لست من أي طائفة أو أي حزب يدعي السلطة على حاشيته عبد لربي و الحق منه و الحب منه تسقط اسرائيل و تسقط جواسيسها فالحق من الإله الواحد و إلى فلسطين الرجوع'.

وقد اختتم المنشور بمجموعة من الهاشتاغات الّتي تعبّر عن غضبه ونقده لمختلف الأنظمة والبنى السّياسيّة:

'‫#‏تسقط_داعش‬ 
‫#‏يسقط_نظام_الأسد_الفاشي‬ 
‫#‏تسقط_إسرائيل‬ 
‫#‏تسقط_كل_الطوائف_و_الأحزاب‬ 
‫#‏تسقط_كل_الأنظمة‬.'

مهداة إلى جميع أصدقائنا

في الرّابع من حزيران (يونيو) 2015، شارك حسن رابح عبر صفحته في موقع فيسبوك أيضًا، فيديو بالأبيض والأسود، مدّته دقيقتان، يرقص فيه حسن وحده على أغنية 'المقدّمة' لفرقة 'مشروع ليلى' اللّبنانيّة. تعليقًا على فيديو الرّقصة كتب حسن: 'مهداة إلى جميع أصدقائنا، البعيدين منهم والمقربين، ولكم جزيل الشّكر'.

هذا المقطع، الّذي رآه الآلاف منذ أن قرّر حسن أن يضع حدًّا لحياته، كان بمثابة بطاقة تعريف لشخص ملأ الحياة رقصًا، حبًّا لها، وغادرها، ربّما، لوجع حقيقة أنّ هذا الحبّ لا يمكن له أن يخفّف من خراب العالم المصوّب نحو قلوب النّاس وأجسادها، ويقتلها كلّ يوم بأشكال مختلفة.

اختناق

لم تعلّق فرقة 'سيما' حتّى الآن على الحادث، لكنّ كثرًا كتبوا نصوصًا ينعون فيها حسن، ويعّزون عائلته وأصدقاءه وأحبّاءه، وقد أرفقوها بصور له وفيديوهات لرقصاته. وثمّة من حاول تفسير الّذي حصل، مسلّطًا الضّوء على أوضاع اللّاجئين السّوريّين في العالم، وتحديدًا في لبنان، حيث يواجهون ظروف حياة قاسية بسبب السّياسات المتّبعة تجاههم.

كتبت الصّحافيّة السّوريّة ديمة ونّوس عبر صفحاتها على فيسبوك: 'حسن رابح رحل عن هذا العالم ممسكًا بلحظة موته.. وموتنا نحن العاجزون عن احتضان هموم باقي السوريين في الخارج.. هذا الاختناق الذي دفعه إلى شرفة الطابق السابع ليرمي جسده الراقص باحتراف ومرونة، هو اختناقنا أيضًا في لا مبالاتنا أمام أوضاع معظم السوريين الضائعين خارج الحدود بلا أوراق ثبوتية ولا أمل ولا دخل ثابت ولا عمل ولا قدرة على القفز نحو عالم أفضل، فيصبح الموت هو العالم الأفضل الوحيد المتاح.. فقط ٢٥ سنة، جعلت حسن رابح مثقلًا بالهموم والإحباطات.. أو ربما فقط خمس سنوات من عمر الثورة أضيفت إلى سنواته العشرين فاختار موته بعد أن اختاره إهمالنا وإهمال الجهات اللبنانية المختصة بتسهيل أوضاع السوريين وبتنظيم وجودهم بشكل قانوني.. حسن حاول أن يبقى بالقانون لكن لا قانون يبقيه هنا.. لروحك النقية يا حسن لا يكفي الاعتذار.. لتعثر هناك على بعض الطمأنينة..'

'قول للي بتحبهم إنّك بتحبهم'

حاول أصدقاء حسن في كتاباتهم أن يجدوا ولو شيئًا واحدًا يعطي للحياة طعمًا آخر في ظلّ الدّمار المحيط. يمكن، ربّما، تلخيص ما قالوه بالجملة الّتي كتبها مغنّي الرّاب السّوريّ، هاني السّواح (الدّرويش): 'قول للي بتحبهم إنّك بتحبهم... يمكن بكرا يا تموت يا يموتوا.'  هذه الجملة هي جزء من المنشور الّذي كتبه 'الدّرويش'، قائلًا:

'هلق منصير كلنا نحبّه، وكلنا نحكي عنه بالخير

يمكن لو عرف انه كلّنا منحبه ما كان وصل لهون..

قول للي بتحبهم انّك بتحبهم... يمكن بكرا يا تموت يا يموتوا

ويمكن كلمة بسيطة متل بحبك تعمل كتير فرق

ويمكن متل ما قال صاحبي اليوم... شكلنا كلنا عم نجن.'

'صار فينا نحكي للأمن عن فلسطين؟'

عبر صفحته، كتب الكاتب ومغنّي الرّاب اللبنانيّ، مازن السّيّد (الرّاس)'رح ضلني اذكرك وانت عم ترقص بين قنابل الغاز وانت عم تسعف عشرات المصابين. رح ضلني اذكر لما طلعنا مكسرين بعد 22 اب واول ما طلعنا عالبيت، قلتلي فيني اسالك سؤال؟ ايه اكيد حب. السؤال: صار فينا نحكي للامن عن فلسطين؟ فينا نقلهم انه هني اسرائيل؟ رح ضلني اذكر كيف شر العالم كله كان قاعد فوق راسك كل يوم. وانت هش رموك ولاد الكلب بهالمدينة البلا قلب. رح ضلني ذاكر انك جزء من موسيقتنا من كل حفلة ببيروت، بدون اذن، بتجي بتوقف وبتسلم جسمك للموسيقى لكل كلمة. رح ضلني ذاكر احساسك الدايم بالذنب. تضلك ترجع تقلي: سامحني يا خال. وانا قلك: عشو يا حسن؟ بس روقها يا حسن. طول بالك عحالك.

سامحنا يا حسن. ما عرفنا نلقطك. سامحنا يا خال. اوجاعنا شغلتنا عنك وما شفنا الموت معربش عليك.

سامحنا يا حسن.'

الرّابح حسن

كما أطلق مغنّي الرّاب اللّبنانيّ، 'الأصلي'، أغنية بعنوان 'الرّابح حسن'، يرثي فيها حسن رابح؛ كلماتها:

شاف بالحركة حرّيّة، يقظة

شوارع السّويد ومسارحه، رفضها

فضّل لبنان على مضضها

والغصّة ما بلعها بسّ مضغها

كان يرقص على موسيقتي صدقة

شاهد على نبوّتي نطقها

زعلان بكى ع تابوتي بكلمات

وآيات بجوارحي خرقها

كيف فرضها؟

قنابلهم برجلوا شاطها

قواعد اشتباك ونقاطها

درع من رصاصة مطّاطة

بأرض منها أرضه

بس أهله ناسها

وشرب كاسها مليون مرّة

رقّص الجمّيزة وحمرا وصبرا

وهو ابن الشّام

بسّ مات طير ما مات غرقًا