الغزيّون يحتفلون بيوم المسرح العالميّ

لم يكن المسرح يومًا بعيدًا عن مشاهد حياة قطاع غزّة، خاصّة أنّ الكوميديا السّوداء تغلب على الواقع بفعل المقاومة التي يبذلها الغزيّون للتغلب على ضيق الحياة، تأثرًا بالاحتلال والحصار الإسرائيليّ عليه، حتى أنّه يمكنك اقتطاع مشهد واقعيّ، أيّ مشهد واقعيّ كان والضحك عليه لساعات، دون أن يُضطر للقيام بتمرينات معقدة لكي تصنع منه مشهدًا يليق بعملٍ مسرحيّ، في ظلّ أنّ الدّيكورات الواقعيّة تجيد التّعبير أكثر من غيرها. من هنا كانت القيمة الاعتباريّة لوجود مسرح يُحتفل بيومه العالميّ في مكان يعيش حياة معقدّة منذ أمد طويل، كغزّة، والتي  لها دورها الفاعل والحقيقيّ.

من هنا، تنويهًا لحاجة غزّة لمساحة جيّدة تُعبّر فيها عن حياتها من خلال بوابّة "أبو الفنون"، أحيا الاتحاد العام للفنانين التّعبيريين الفلسطينيّين بقطاع غزّة اليوم العالميّ للمسرح، بحضور لفيف من الكادر المسرحيّ الفلسطينيّ في مسرح سعيد المسحال.

رسائل ومقاطع مسرحيّة ودبكة

ألقى الممثل والمخرج الفلسطينيّ، علي أبو ياسين، كلمة المخرج الروسيّ، أناتولي فاسليف، والتي تساءل فيها قائلًا: "هل نحتاج للمسرح؟ ذلك هو السّؤال الذي سئم من طرحه، على أنفسهم ،الآلاف من المحترفين اليائسين في المسرح، والملايين العاديين ،ولأي شيء نحتاجه؟"، ربّما التّخفيف من ضغوطات الحياة اليوميّة هو سرّ الحاجة للفنّ، أيّ نوع من الفنون على الإطلاق، كما ردّد دائمًا المخرج السّينمائيّ، خليل المزيّن، قوله ذلك، وكما هو الدّور الأوّل للفن.

الكاتب والشّاعر الفلسطينيّ، توفيق الحاج، لم يُطل كثيرًا في كلمته عن تجربته المسرحيّة، والأجمل كان غناؤه لكلمات الأغنيّة:"يمّا مواويل الهوى.. يمّا مواويليا.. ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا"، وطلب من الحضور مشاركته بالغناء، وسط أجواء حميميّة جدًا،أضفت الكثير من الدفء.

الفقرات الأخرى تنوعت بين ستاند آب كوميديّ للممثل نبيل الخطيب. في وقفة تناولت موقف اللاجئين الفلسطينيّين من العودة إلى الوطن المنقسم على نفسه، ومنه أعاد الخطيب المشهد للجمهور، مشيرًا لحالة الصدمة التي يعيشها أولئك اللاجئون بين الواقع والمأمول. الخطيب، وفور انتهائه من وقفته المسرحيّة، كان على موعد مع إحدى وسائل الاعلام، لسؤاله حول آرائه المتعلقة بالمسرح الفلسطينيّ. الأهم من كل هذا، أنّ الممثل الخطيب بدا كأنّه يستكمل مقطعه المسرحيّ وإن كان بعيدًا عن خشبة المسرح.

كانت قد قدّمت نبيل الخطيب إلى المسرح، زوجته، عريفة الحفل، وسام ياسين، التي  شاركت وبعد غياب طويل عن خشبة المسرح في تمثيل مسرحية "خارج الصندوق"، هي ورفاقها يسري المغاري، محمد أبو كويك ورامي السالمي، حيث شارك العمل ضمن أيّام حملة مناهضة العنف ضد المرأة في آذار (مارس)  الماضي.

كانت قد شاركت وسام ياسين أيضًا الجمهور سعادتهم بفقرة الدبكة الشّعبيّة لنصف ساعة متواصلة، حين تمنت بالنيابة عنهم لو استمر الرّقص حتى الصباح، لكنّه وبالطبع سريعًا ما انتهى، لتبدأ الفقرة الختاميّة بتكريم جهود جمعيّة الشبّان المسيحيّة، باعتبارها حاضنة المسرح الفلسطينيّ في غزّة. حيث تمّ تكريم مدير الجمعيّة، موسى عيسى سابا، فيما جاء التّكريم الآخر لمؤسّسة سعيد المسحال لاحتضانها الفعاليات المسرحيّة في مقرّها، ممثلة بمديرها سمير المسحال.

بالنهاية "أي فعاليّة تُحيي المسرح هي جيّدة، بل رائعة"، كما أشار الممثل والمخرج المسرحيّ الفلسطينيّ، جمال الرُزّي، هو من أشار أيضًا إلى التّحسن في إنتاج المسرح الفلسطينيّ. ذلك أنّ مخرج "الأميرة النائمة":"يعمل بجد من خلال الاتحاد العام للمراكز الثّقافيّة، سعيًا لإنشاء جيل جديد يعي قيمة المسرح ودوره في التّعبير عن قضايا المجتمع"بحسب قوله، من هنا يُعوّل الرًزّي على بناء مسرح قوي، يُستند إليه في معالجة الهموم الشّعبيّة بشكلٍ  جيّد.

المشهد المسرحيّ في غزّة

الملفت في الموضوع أنّ غزّة شهدت عروضًا مسرحيّة عديدة خلال الفترة الماضيّة، أبرزها كانت  مسرحية "المصوّر" لكاتبها عاطف أبو سيف، حيث يُترجم العمل المعاناة الفلسطينيّة من خلال شخصية المصوّر، التي مثّلها وأخرجها الفنان علي أبو ياسين، حيث تنقلت العروض في كافة مناطق قطاع غزّة. من الجدير بالذكر أن أبو ياسين يستعد لإطلاق جولة عروض مسرحية "روميو وجولييت"مطلع نيسان (أبريل) القادم، وهو عمل مسرحيّ كتبه أيضًا الكاتب أبو سيف، وهو يدور حول قصة شاب وفتاة من عائلتين متخاصمتين منذ العام 1948. وكعادته يُحمّل أبو سيف نصوصه بدسمٍ تاريخيّ معتبر، يبتعد فيه عن المباشرة في التّعبير عن الأحداث الواقعيّة، في حين أنّ العمل في حقيقته يُشير بشكل بديهيّ للحزبين المتخاصمين فتح وحماس من خلال قصة رمزيّة، تُجرد الواقع من همومه الثّقيلة، وتحولّه إلى أجواءٍ رومانتيكيّة يندر حضورها في المشهد الفنّيّ الفلسطينيّ.