ماذا يحدث كلّ خميس؟!

الفنّانة روضة سليمان

من أحد مقاهي العاصمة الإنجليزيّة، حيث يعمل أستاذًا زائرًا في جامعة لندن، أرسل الشّاعر والأكاديميّ، د. أيمن إغباريّة، دعوة لحضور عرضي مسرحيّة ألّفها حديثًا بعنوان 'يحدث كلّ خميس'، وذلك في الثّالث من آب (أغسطس) في مدينة أمّ الفحم، والخامس من آب (أغسطس) في حيفا.

يضمّ طاقم المسرحيّة، والّتي أنتجها مسرح وسينماتيك أمّ الفحم، نخبة من الفنّانين والمختصّين الفلسطينيّين؛ منير بكري (إخراج)، روضة سليمان وميلاد غالب (تمثيل)، أشرف حنّا (سينوغرافيا وملابس وإكسسوارات)، فراس روبي (إضاءة)، وأكرم حدّاد (موسيقى)، ونرمين بشارات (مساعدة إخراج)، سماح محمود (حركة)، نائل محاميد (إدارة وإنتاج)، أمّا الدّيكور فهو من تنفيذ 'توب غراف'.

أيمن إغباريّة

تعالج المسرحيّة مفهوم الجدران والحواجز الاحتلاليّة والاجتماعيّة في الواقع الفلسطينيّ، وما يترتّب على وجودها من آثار في وعي الإنسان ونفسيّته ومسارات حياته وخياراته.

بلغة سرديّة عذبة، لا تخلو من الشّعريّة التّصويريّة، كتب إغباريّة توطئة للمسرحيّة، تسمح لنا بالوقوف على أهمّ مضامينها وأسئلتها، جاء فيها:

ماذا يحدث كلّ خميس؟ بعضنا يستعدّ لعطلة الأسبوع، يستسلم لزحمة السّير، يذهب للأعراس أو للأسواق، يشتري الهدايا لمن يحبّ، ويطيل السّهر للألفة والحبّ. بعضنا الآخر يصوم، يقرأ ويتهجّد، ويقوم الّليل. بعضنا يدمع ويتذكّر، يزرع وردًا أو يسقيه، يترحّم ويقوم بواجب 'زيارة الخميس' لقريب أو حبيب. بعضنا الآخر يقف على الحواجز في طريقه لقريته أو مدينته، يفتّشه الجنود ويستبيحون جسده، يحقّقون معه بمهانة وعنصريّة، يعتقلونه أو يحتجزونه أو يؤخّرونه. بعضنا يغضب ويثور ويقاوم، وبعضنا الآخر يستسلم ويهادن ويستكين. بعضنا أطفال ونساء تتسوّل على مفترقات الطّرق، بعضنا الآخر يتصدّق أو يتعامى. بعضنا يحيا وبعضنا يموت. بعضنا من بعضنا. بعضنا 'عطاف' وبعضنا الآخر 'ربيع'. هذا بعض ما يحدث كلّ خميس.

'يحدث كلّ خميس' مسرحيّة عن عطاف وربيع. عطاف امرأة من الدّاخل الفلسطينيّ، في العقد الرّابع من عمرها. امرأة عزباء، بسيطة لا يراها أحد، لا تنتظر شيئًا مهمًّا ولا شيء مهمّ ينتظرها. لكنّها تضجّ بأحلام الحبّ والولادة والانعتاق. ربيع شابّ من مناطق 1967، في العقد الثّاني من عمره. شابّ مارس التّسوّل على الإشارات الضّوئيّة في الماضي القريب، جاع وتشرّد، أذلّته الدّنيا ودعكته بالتّجارب المرّة. لكنّه ما زال قادرًا على الحياة بكامل إنسانيّته: صادقًا - كاذبًا، خائفًا - شجاعًا، ومنعزلًا - متواصلًا. عطاف وربيع يلتقيان كلّ خميس عند السّياج، ليكملا قصّة حبّهما الممنوع والمبتور. تعدّدت الأسباب الّتي تقف ضدّ أن يكتمل هذا الحبّ حالة ووطنًا: الاحتلال وحضوره جندًا ورقابةً ومنطقًا يقوم على الإزالة والمحو، التّجزئة بين 1948 و1967 وتبعاتها المجتمعيّة، فارق السّنّ والتّجربة بين عطاف وربيع، ماضيهما الشّخصيّ ودوافعهما المختلفة، هي كلّها أسباب تقف بينهما كجدار الفصل العنصريّ حدًّا ليس بعده إلّا الموت أو الانبعاث من جديد. لكن، يقف بينهما أيضًا فتحي؛ الغائب الحاضر والشّهيد الحيّ.

من هو فتحي ومن قتله؟  كيف كبر الحبّ بين ربيع وعطاف، وماذا كانت دوافعه؟ كيف قوبل هذا الحبّ؟ لماذا يلتقيان عند السّياج؟ هل حقًّا سينتقمان ممّن قمعوهما؟ هذه الأسئلة لن نجيب عليها هنا، بل في المسرحيّة، كي لا نفسد متعة الفرجة والمتابعة. لكن تظلّ أسئلة أخرى مفتوحة. هل ما زلنا قادرين على الحبّ والمقاومة والخروج من خانة الضّحيّة؟ هل ما زال بإمكاننا أن نقف على حافّة بيتنا أو أرضنا أو روحنا لنصرخ: كفى تهميشًا وقمعًا واحتلالًا؟ هل سيسمعنا أحد؟

روضة سليمان وميلاد غالب

'يحدث كلّ خميس'، مسرحيّة الحدث الأهمّ فيها جدار/ سياج حدوديّ يفصل بين مناطق 1948 ومناطق 1967 في فلسطين. هذاالجدار/ السّياج  العنصريّ يقف على حوافّ هذه المناطق خالقًا بنفسه حيّزًا جديدًا تلتقي فيه البدايات بالنّهايات لتختلط وتتشكّل عنده من جديد. على جانبي الجدار يجتمع اليأس والأمل، ويتكاتب شغب الرّغبة مع رتابة العجز. بهذا يصبح الجدار حاجزًا، ليس فقط بين مناطق الـ 48 ومناطق الـ 67، بل أيضًا حاجزًا ضمن العوالم الدّاخليّة للشّخصيّات المسرحيّة، بين حاضرها وماضيها، حاجاتها ورغباتها، وهويّاتها المتناقضة والمشوّهة. يحضر الجدار/ السّياج في العمل سياقًا يبتر فيه المكان الفلسطينيّ ويُجزّأ إلى غيتوات وأقفاص بشريّة، ومحاولة مستمرّة لهزيمة الإنسان الفلسطينيّ وتجريف وعيه بفلسطين وطنًا واحدًا ومخيّلة مشتركة.

من قتل فتحي؟ لستم أنتم، هذا أكيد! لكن، أخشى أنّكم أيضًا رأيتموه ولم تساعدوه، أخشى أنّكم  دللتم الجنود إلى مكانه من حيث لا تشعرون! أخشى أنّه رآكم!