يحتجّون: كيف تشكّل وفد غزّة إلى معرض الكتاب؟!

د. إيهاب بسيسو، وزير الثّقافة الفلسطينيّ

بدأ الأمر حين تلقّى بعض الكتّاب والشّعراء في غزّة دعوة رسميّة من وزير الثّقافة، الدّكتور ايهاب بسيسو، لحضور معرض فلسطين الدّوليّ للكتاب في دورته العاشرة، والمقام في مدينة رام الله ما بين السّابع وحتّى السّابع عشر من أيّار (مايو ) الحاليّ.

نجح وفد الكتّاب في اجتياز معبر بيت حانون الفاصل، ووصلوا ظهيرة يوم الجمعة مدينة رام الله، قبل يوم واحد من بدء فعاليّات المعرض. لم يرق الأمر لبعض الكتّاب الشّباب في غزّة، الّذين سرعان ما عبّروا عن صدمتهم من عدم اطّلاعهم على الأمر ورفضهم لما أسموه 'الواسطة' و'المحسوبيّة' في اختيار من له الأحقّيّة في حضور المعرض من غزّة، وحمّلوا وزير الثّقافة 'مسؤوليّة التّجاهل المتعمّد والإقصاء'، وهو ليس بالأمر الجديد عليهم، إذ يعاني قطاع غزّة بالمجمل من هذه المسالة، بل وصل الحال بالبعض للدّعوة إلى عقد اجتماع عاجل لمناقشة الأمر.

هنا بعض ما نشره كتّاب ومدوّنون حول القضيّة:

حسام معروف؛ كاتب ومنسّق الأنشطة في مجلّة 28 الثّقافيّة.

 

محمّد الزّقوق؛ شاعر وناشط ثقافيّ.

 

أنيس غنيمة؛ شاعر ومدوّن.

 

سحر موسى؛ كاتبة ومدوّنة وناشطة ثقافيّة.

بيان لم ير النّور

لقد قام بعض الكتّاب الشّباب بالدّعوة فعلًا لاجتماع في مقرّ مجلّة 28، والّتي تضمّ مجموعة كبيرة من الكتّاب والنّشطاء الشّباب في المشهد الثّقافيّ، كما صاغوا بيان اعتراض أُرسل لأكثر من أربعين كاتبًا وناشطًا في غزّة للحصول على تواقيعهم، وذلك في رسالة جماعيّة عبر موقع التّواصل الاجتماعيّ 'فيس بوك'، على أن يُرسل البيان بعدها، مصحوبًا بالتّواقيع، لوزير الثّقافة، ولإدارة معرض الكتاب في رام الله، ولأصحاب الاختصاص.

وفق بعض المصادر المطّلعة، وصل البيان الدّكتور بسيسو في رام الله قبل الحصول على التّواقيع، والّذي أحال الأمر إلى مدير مكتبه والشّخص المسؤول عن تنسيق وفد غزّة، اللّذين باشرا بدورهما الاتّصال بالشّباب أصحاب البيان وبعضًا ممّن كتبوا على صفحاتهم، وقد أبدوا عدم رضاهم عن البيان ورفضهم له، بل طالبوا بعدم الخوض في الموضوع وإغلاقه.

اعتراض على الاعتراض

في الرّسالة الجماعيّة الّتي أُرسلت عبر 'الفيس بوك'، والّتي طالب فيها أصحاب البيان الكتّاب بالتّوقيع عليه، حدثت مناوشات وطُرِحت آراء لم ترق للبعض، ما استدعاهم إلى مغادرة المحادثة. وقد تحدّثنا إلى أكثر من شخص ممّن شملتهم الرسالة، فقال كثيرٌ منهم إنّهم انسحبوا من المحادثة، فمنهم من لم تعجبه صيغة البيان، ومنهم من قال: عليكم أن تفرحوا يا أهل غزّة لأّن هناك من يمثلّكم في فعاليّات المعرض. وقال آخرون إنّه ما من أحد يمثّلنا ولا يوجد شيء اسمه 'مثقّفون'، فيما انغمس البعض في الرّدّ على اتّصالات قادمة من بعض أعضاء الوفد تطالبهم بالتّراجع عن الخطوة، لأنّها تحرجهم وتضعهم في موقف غير مريح.

تحدّث القائم على الوفد إلى أحد الشّباب المعترضين، قائلًا إنّه يعمل لصالح الشّباب وهو ممثّل عنهم هناك، وسيقوم بالحديث في موضوعهم، ووعد بأنّه سيحاول إخراجهم من غزّة في المستقبل لحضور فعاليّات ثقافيّة وأدبيّة، واكتفى بتحميل المسؤوليّة لدولة الاحتلال، وأنّهم كانوا سيرفضون وجود كتّاب شباب في الوفد!

لاحقًا، تفاجأ عدد من الشّباب بتقدّم الشّاعر محمود الشّاعر، وهو المدير التّنفيذيّ لمجلّة 28، باعتذار عن البيان على حسابه الشّخصيّ في 'فيس بوك'، وهذا نصّ ما كتب:

وكانت هناك في ذات الصّدد بعض الأصوات الّتي لم تعجبها صيغة البيان، عدا عن عدم رضاها عن سيرورة تشكيل وفد غزّة الّذي اتّجه لرام الله، وقد عبّرت عن موقفها بصراحة وعلانية، وهذا ما كتبه بعضها:

 

وسام عويضة؛ كاتب وشاعر وناشط ثقافيّ.

 

نضال الفقعاويّ؛ شاعر وناشط ثقافيّ.

من يملك الحقّ؟!

انتهى الأمر إلى هنا، وقد كان من الممكن أن يُحدث هذا الحراك النّقديّ ردّ فعل لدى وزير الثّقافة أو زوّار معرض الكتاب، أو حتّى لدى الوفد الّذي خرج من غزّة إلى رام الله، لكنّ ذلك لم يحصل، إذ سُرعان ما تفكّكت المطالب والمطالبون، ولم يستطيعوا أن يصمدوا لأكثر من يوم على رأيهم، إذ تلقّوا هجومًا من الدّاخل والخارج، الأمر الّذي بعثر قضيّتهم وأذهب نقدهم أدراج الرّياح.

كلّ إنسان في الحقيقة، مثقّفًا كان أو كاتبًا أو شاعرًا، أو حتّى شخصًا لا تنطبق عليه تلك الصّفات، له الحقّ في حضور معرض فلسطين للكتاب في رام الله، وما من ممثّلين عن أوساط ما، لأنّ من في الوسط الثّقافيّ أو الأدبيّ لم ينتخبوا أيّ ممثل عنهم، فيما يحلو للبعض التّحدّث باسم 'الجماعة' دون أدنى مسؤوليّة ووعي بمتطلّبات هذه الجماعة ووسطها، كما يمكننا القول إنّ ثقافة الانتقائيّة والمحسوبيّة تسود بلادنا للأسف، وفي كلّ القطاعات.

قضيّة عادلة.. لكن

النّاس محاصرون هنا، ليس فقط بالحدود والسّدود والمعابر المغلقة، بل أيضًا محاصرون بالخوف من الاعتراض، محاصرون بالقلق من لا شيء، محاصرون بالتّفكير خارج الصّندوق، أو حتّى داخله، ولا أحد يهتمّ لأمرهم، لا من داخل غزّة ولا خارجها، وهذا الأمر مقصود بالطّبع.

يريد الاحتلال، بالتّأكيد، أن يصوّر هذه البؤرة على أنّها عنوان لكلّ ما هو مخالف لقوانينه وشروطه، ليبرّر بذلك حصارها، لكن السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة أيضًا ليست معنيّة بقطاع غزّة، ولا بإعادة إعماره، أو الاهتمام به. الأمر يكاد يكون كارثيًّا، والنّاس على شفا بركان يتخبّطون دون أن يلتفت لهم أحد، بل يتمزّق الرّباط والوثاق المجتمعيّ بينهم، ويفقدون قيمة الأشياء مع مرور الوقت، وتزداد النّاس كآبة، ويزدادون رغبة بالموت للتّخلّص من 'جحيم' غزّة.

قال غسّان كنفاني يومًا، ما معناه: القضيّة عادلة لكنّ المدافعين عنها فاشلون. وهذا ما انطبق على حال الشّباب الّذين اعترضوا على أمر ما، فقامت الدّنيا ثمّ سرعان ما سكنت، كأنّ خيار التّسليم بالأمر الواقع وخيار المهادنة هو الأصلح والأنسب؛ فهل هكذا يريد المسؤولون الفلسطينيّون من الفلسطينيّين، وتحديدًا الشباب؟ الاستسلام وقبول الأمر الواقع؟! ربّما.

يُذكر أنّ مجلّة فُسْحَة تواصلت على مدار يومين مع وزارة الثّقافة الفلسطينيّة، محاولةً أن تحصل على تعليقٍ منها حول القضيّة، ورغم إبداء الرّغبة في الرّدّ والتّأكيد على ذلك، إلّا أنّ المجلّة لم تحصل عليه حتّى الآن، وستنشره في حال حصلت عليه.