13/06/2019 - 05:47

واجب المرأة القومي | بقلم فائزة عبد المجيد

واجب المرأة القومي | بقلم فائزة عبد المجيد

 

المصدر: الوحدة -  جريدة عربيّة سياسيّة أدبيّة اجتماعيّة مصوّرة.

موعد النشر: السبت، 2 شباط 1946.

موقع النشر: جرايد.

 

في عالم المرأة

واجب المرأة القومي

 

بقلم الآنسة الأديبة فائزة عبد المجيد

 

"بفضل الجماعات وحدها ظهرت أعظم الدول وتمّ سلطانها، وبما في الجماعات من بطولة وإخلاص وفضائل أخرى، تعيش الحضارات". (غوستاف لوبون)

تسير الشعوب لتحقيق آمالها العظام بقوّة الإيمان، وإذا فقدت الإيمان فقدت تلك القوى الخفيّة الّتي تعمر القلوب بذلك الشعاع الأزليّ الّذي يهدي إلى الحقّ والفناء فيه.

وترتكز الأمم في نضالها المقدّس على الإرادة والتضامن والأخلاق؛ فالإرادة الصادقة هي الّتي تنشئ وتبدع أسمى ما تعتزّ به الحضارات من علوم وفنون واكتشافات واختراعات. والتضامن سلاح الأمّة الظافر لصون حقوقها وتوحيد قواها ودفع الأخطار الّتي تهدّد كيانها، وبالأخلاق، تحيى الأمم وتبقى وتسود.

والنضال القوميّ روعة وقداسة إذ تقبس آياتها البالغات من جلال الحقّ، وإنّ الحقّ لعزّة ما تفتأ تنفذ إلى قرارة القلوب المؤمنة بالثقة والرجاء واليقين.

ولقد تجلّى هذا الحقّ في بيان اللجنة العربيّة العليا حول المقاطعة قويًّا مبينًا، ذلك البيان البليغ المركّز الّذي يخاطب العقل والشعور معًا، ويناشد الضمير الحيّ الّذي يسطع في ظلمات الخطوب نورًا يهدي ونارًا تذكي الهمم، ذلك الضمير الّذي يهبّ ويحاسب ويستيقظ في النازلات كريمًا جليلًا رائعًا.

 

 

فما هو واجب المرأة في هذا السبيل، وقد لمست فيها شعورًا خالصًا يتدفّق، ووطنيّة تتألّق وتسمو حتّى لتبلغ حدّ التضحية؟

قالت إحدى العقائل، وهي ذات فضل وبصر وبيان: "أجل، نحن ندرك واجبنا القوميّ كلّ الإدراك، وسنسير على هداه، وسنصدق في القول والعمل، وسندعم صرحنا الاقتصاديّ العربيّ بكلّ ما نملك من عزيمة ومشيئة. ولكن، ترى أيكون الجزاء أن نُسْتَغَلَّ استغلالًا جائرًا ننوء به، فلا نصيب ما نحن في حاجة إليه إلّا بأضعاف الثمن؟! في مثل هذا الحال يتحتّم علينا أن نقاطع أيضًا – وبكلّ أسف – أولئك الّذين يستهينون بكرامة الأمّة وإرادتها!"

قلت: حسبك سيّدتي، إنّ لَفي مثل هذا الشعور الصادق الخير كلّ الخير؛ فالمرأة الملهمة لمعالي الأمور وجليل الغايات، النافثة بلغة القلب والمشاعر والوجدان آيات المحبّة والوطنيّة والوفاء في صدور الآباء والأبناء، لهي مقياس الشعور العامّ في كلّ زمان ومكان.

هناك في رحاب البيت حيث تنمو كريم العواطف، توجِد المرأة – كأمّ وزوج وأخت – الشعور القوميّ، فيزكو ويسمو به، فمَنْ الّذي جدّد صوادق العزم في الرسول العربيّ حينما أُمِرَ ليبلغ رسالة ربّه وقد مسّه الضرّ، وكاد يوهنه اليأس؟ أليست خديجة بنت خويلد؟

قال شيانج كاي شيك، زعيم الصين: "أخبرتني أمّي أنّ الحظّ السيّء والخطر والألم، أشياء تحدث يوميًّا في كلّ زاوية من هذا العالم، ولكن الرجل الّذي يعتمد على نفسه في الحياة هو الّذي ينجح ويفوز" – الصين في ماضيها وحاضرها.

هذه أمّ وجّهت رجلًا في الحياة، فوجّه أمّة نحو المجد.

وهناك أخرى في جزيرة ألبا، حينما استقرّ ذلك الإمبراطور العظيم، نابليون، منفيًّا مقهورًا، تطلّعت نفسه للملك والوطن والمجد من جديد، والتمع في قلبه الأمل والضياء والنصر، ولكن، إلام يعتمد؟ ومَنْ سيذكي في قلبه الطموح لتلك الأماني الغاليات؟ ليس هناك غير أمّه الذكيّة ليتيسيا، فانثنى إليها قائلًا: "سأخبرك بكلّ شيء، ولا أحبّ أحدًا سواك أن يعرف ما هو حتّى بولين - شقيقته - سأسافر في الغد إلى باريس، وإنّني لأستجيب لنصحك، فماذا ترين؟". ووجمت الأمّ وجزعت، وإنّها لتدرك أن ليس هناك إلّا الهزيمة والموت، ولكن أتستطيع أن تثنيه عن عزمه وهي الّتي لطالما حبته بذلك المدد الروحيّ الّذي يعينه ويهديه؟ كلّا. لقد باركته وسدّدت خطاه، وبثّت في قلبه الإيمان القويّ ليعود إلى باريس ثانية ظافرًا متوّجًا لوقت ما.

ولقد صنعت إليانور روزفلت بذكائها ووفائها المعجزات، فهناك رجل عظيم النفس سَنِيّ المواهب، فَجَأَتْه العلّة وأوشكت أن تهوي به من عَلٍ وتحطّم أمانيه، فما وهنت ولا تخاذلت، بل حملت رسالته يؤيّدها عقل حصيف منير وقلب شجاع موسوم بالصدق والإيثار، فسكبت من حنانها وثباتها في تلك الأعصاب الواهنة والقلب الكبير القوّة والرجاء، فإذا المريض المشلول يتحكّم في مصير العالم في يوم ما، ويحفّ به المجد ويسير في ركابه الزمن.

تلك صورة خالد للمرأة وإيحائها وأثرها البعيد في تنشئة الشعوب، فهل تتوانى المرأة العربيّة عن ترسّم تلك الخطى، وهي الّتي لا تزال تجري في أعراقها روح العربيّة الأولى الّتي لها في سجلّات التاريخ صحائف مشرقات. فإذا المرأة صدقت في التوجيه القوميّ، وهي نصف الأمّة والدعامة الأساسيّة في بنائها الراسخ، فستسير القافلة في طريقها القاصد حتّى ينبلج من جوانب الطريق شعاع الحقّ وبيّنات الهدى.

فيا أيّتها المرأة العربيّة، إنّ الوطن ليدعوك وقد ألمّت به الأحداث وتناهبته المطامع، فاستجيبي وكوني له دليل الخير ورائد الحقّ والعون الّذي يخفّ عند الشدائد.

 

 

عَمار: رحلة دائمة تقدّمها فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، ليقفوا على الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين قبل نكبة عام 1948، وليكتشفوا تفاصيلها؛ وذلك من خلال الصحف والمجلّات والنشرات الّتي وصلت إلينا من تلك الفترة المطموسة والمسلوبة، والمتوفّرة في مختلف الأرشيفات المتاحة. ستنشر فُسْحَة، وعلى نحو دوريّ، موادّ مختارة من الصحافة الفلسطينيّة قبل النكبة، ولا سيّما الثقافيّة؛ لنذكر، ونشتاق، ونعود.

 

 

التعليقات