"تناطح كباش"... بين العشق والتحريم

القبائل الأمازيغية أو البربرية كانت قبل نحو 30 قرنا، حسب مصادر تاريخية، تتباهى بسلالات الكباش التي تمتلكها، في منافسات كبيرة.

قبل الأسابيع الثلاثة من قدوم عيد الأضحى، تتحول الساحات في بعض القرى والمدن الجزائرية إلى حلبات مبارزة لمناطحة الكباش، في منافسة تعود جذورها إلى آلاف السنين، إلا أنها رغم ذلك لازالت تثير الجدل ما بين هواة يتمسكون بها ويعتبرونها تجني لهم عائدا ماديا لا سيما في هذه الأوقات، وبين دعاة دين يحرمونها لما يرونه بأنها "تسيء للإسلام"، ما جعلها تتلاشى تدريجا في الجزائر العاصمة على عكس المناطق الغربية والشرقية.

ويمارس هواية "تناطح الكباش" آلاف الجزائريين في السر أحيانا وفي العلن أحيانا أخرى، وتنتشر في مواسم عيد الأضحى من كل عام، ويقول خبراء في التاريخ وعلم الاجتماع إنها عادة قديمة وهي جزء من الموروث الثقافي الأمازيغي.

ولهذه الهواية أماكن مخصصة تسمى حلبة المبارزة أو التناطح بين الكباش، وتصل مساحتها إلى 500 متر تقريبا ويتجمع المئات من المتفرجين حولها، فيما يقف في محيطها الحكم وبجانبه مالكا الكبشين، وهو الذي يقرر الفائز منهما.

وتكون أغلب الكباش المشاركة في هذه المسابقات من النوع العدواني، الذي يتراجع للخلف نحو عشرين مترا ثم ينطلق مسرعا لكي ينطح خصمه في مشهد ينتهي أحيانا بإصابة أحد الكبشين بالإغماء أو حتى الموت.

في قرية سيدي بن ثامري، القريبة من مدينة وهران في الغرب الجزائري، يلتقي محبي هواية تناطح الكباش في ساحة المبارزة، حيث يجلب كل منهم كبشا كبيرا ذا قرون طويلة، في منافسة تتواصل بين أسبوعين و3 أسابيع قبيل عيد الأضحى من كل عام.

ويقول مزيان شفيع، أحد ممارسي هذه الهواية في القرية، "كنا نمارسها قرب الأسواق الشعبية قبل سنوات إلا أن الأمن بدأ في منعنا من ممارستها، فقررنا نقلها إلى ساحة خارج القرية".

ومتفاخرا بحبه لهذه الهواية، أضاف "لقد مارسها والدي وجدي قبل عقود، ونحن من أسرة ريفية تمتلك أفضل سلالات الضأن المتخصص في التناطح، وقد أحرزنا بطولات عدة في سنوات ماضية".

ولشدة شغفهم بهذه الهواية، يطلق أصحاب الكباش في كثير من الأحيان على حيواناتهم أسماء لاعبي كرة القدم، مثل شفيع الذي أطلق على 3 من الكباش التي جلبها معه للمنافسة أسماء زلاتان، على اسم إبراهيموفيتش، لاعب نادي مانشيستر يونايتد الإنجليزي، واللاعب الدولي الجزائري وهداف المنتخب الجزائري الأول لكرة القدم هلال سوداني، الذي يلعب في نادي ديناموز زاغراب البلغاري، ولاعب برشلونة، لويس سواريز".

والكبش الفائز في منافسة هذا العام بالقرية والتي اختتمت الثلاثاء الماضي، يحمل رمزيا اسم باريقو، لقب يشير إلى الشجاعة، وهو اسم قديم لمدينة تقع على بعد 330 كلم غرب العاصمة الجزائرية، ويقول صاحبه بن مرين جيلالي، إن "بعض هواة تناطح الكباش عرضوا عليه مبلغ 5 آلاف دولار أميركي، لشرائه إلا أنه رفض"، لأنه يعتقد أن سعر كبشه الحقيقي يتعدى 10 آلاف دولار أميركي.

ويعتبر من أهم أسباب التمسك بهذه الهواية هو العائد المادي منها، كما يقول بلعباس قريصة أحد مربي المواشي ومن هواة تربية الكباش المتخصصة في التناطح من مدينة الجلفة 300 كلم جنوب العاصمة الجزائرية.

وأوضح قريصة أنه "قبل سنوات عديدة كانت هواية تناطح الكباش تتم بمقابل مالي، حيث يراهن أصحاب الكباش وهواة هذه الرياضة علنا على كل كبش، إلا أن رجال الدين والأئمة قاموا بدور كبير لتوعية الناس بحرمة ممارسة هذا النوع من القمار، وهو ما أدى إلى تراجع عمليات المراهنة إلا أنها لا تزال تتم في السر، حيث أن تناطح الكباش هو نشاط مربح للغاية بالنسبة لمالكيها لأن الكباش التي تدخل المنافسة وتنجوا من الموت يرتفع سعرها".

ويبلغ سعر الكبش في الجزائر في أفضل الحالات حوالي 600 دولار أميركي، إلا أنه عندما يشارك في دورة تناطح وينجوا من الموت يرتفع سعره إلى ألف دولار أميركي، لأنه يصبح مطلوبا من قبل مربي المواشي من أجل استغلاله في توليد السلالات الجيدة من الكباش، وفق قريصة.

ولفت قريصة، الذي ينتمي إلى قبيلة أولاد نايل المشهورة بتربية المواشي، وهي من أشهر القبائل العربية في الجزائر التي يسكنها الأمازيغ أيضا، إلى أنه "في أغلب دورات تناطح الكباش التي تتم في الغرب والشرق الجزائريين، يكون الهدف الأساسي ليس المنافسة بل استعراض السلالات النادرة من الكباش، ومحاولة بيعها حيث يحصل أصحابها وهم في العادة من كبار الفلاحين ومربي المواشي على عائد مادي كبير جدا، وهذا ما يشجع على استمرار هذا النوع من المنافسات في الجزائر".

وبينما تنتشر هواية تناطح الكباش، في مناطق عدة بالشرق والغرب الجزائريين، فإنها اختفت تقريبا في العاصمة الجزائرية، ويقول إمام مسجد عبد الرحمن بن عوف، في العاصمة الجزائرية، زاهي عمار، "لقد قام أئمة المساجد في العاصمة الجزائرية بدور كبير للقضاء على ظاهرة تناطح الكباش، ووقفها نهائيا، لأنها تسيء للإسلام والمسلمين في الجزائر".

وأضاف عمار "الحمد لله فإن ظاهرة تناطح الكباش اختفت أو كادت تختفي من العاصمة الجزائرية".

وفي هذا الاتجاه ذهب مربي مواشي من مدينة خميس مليانة، غرب العاصمة، بن عيسى سيد أحمد، قائلا إن "ظاهرة تناطح الكباش انتشرت بشكل لافت في العاصمة الجزائرية في العقود الأربعة الماضية قبل أن تختفي منذ سنوات قليلة عقب تحريمها".

وبيّن أن "منافسات تناطح الكباش في الجزائر تتزامن مع عيد الأضحى لسبب بسيط، هو أن أكبر أسواق المواشي في الجزائر يتم تنظيمها في الأسابيع التي تسبق هذه المناسبة، ويتباهى بعض الأشخاص بنوعية الكباش التي اشتروها، ثم تتحول عملية التباهي إلى منافسة".

من جهته، يقول مربي المواشي من مدينة البليدة، 40 كلم جنوب العاصمة الجزائرية، مجاهر إلياس، في هذا الشأن، إنه "قبل سنوات قليلة كانت منافسات تناطح الكباش تتم في أغلب الأحياء الشعبية في العاصمة وفي البليدة، إلا أن الظاهرة هذه اختفت تقريبا، وتتم الآن في السر وعلى أضيق نطاق، بسبب فتوى تحريمها التي صدرت قبل سنوات من عدة أئمة وعلماء الجزائر".

وأضاف إلياس "في السابق كان الآلاف من هواة تناطح الكباش يشاركون في المنافسة بنفس كبش العيد الذي قرروا التضحية به، إلا أن فتوى تحريم هذه الهواية قلصت من الظاهرة بشكل لافت".

أما عن تاريخ ظهور هذه الهواية، قال المتخصص في علم الاجتماع من جامعة وهران، الدكتور آيت حمو عبد الوهاب، إن أبحاث تاريخية كشفت أن عادة "تناطح الكباش" عرف بها الأمازيغ، السكان الأصليون لمنطقة المغرب العربي.

وأضاف أن القبائل الأمازيغية أو البربرية كانت قبل نحو 30 قرنا، حسب مصادر تاريخية، تتباهى بسلالات الكباش التي تمتلكها، في منافسات كبيرة.

وتابع في سرده لأصل الظاهرة، "ومع مجيء الإسلام إلى المنطقة، في سنة 670 ميلاديا، تراجعت هذه العادة إلا أنها لم تختفي تماما، وانتقلت من البربر أو الأمازيغ إلى العرب الذين استوطنوا منطقة المغرب العربي".

ولفت آيت حمو، إلى أن "هذه الظاهرة تنتشر في دول الغرب العربي الثلاثة، المغرب وتونس والجزائر، إلا أنها موجودة أكثر في الأخيرة، ولا أعتقد أنها ستختفي لأنها جزء من التراث غير المادي للشعب الجزائري".

أما أستاذ علم الاجتماع من جامعة تيارت غرب الجزائر، الدكتور بن واسط جمال، فاعتبر أن "ظاهرة تناطح الكباش بالرغم من أن لها أصول تاريخية إلا أنها عادة غير حميدة، فهي تتناقض ومبادئ الرفق بالحيوان ففي حالات كثيرة تموت الكباش التي تشارك في المنافسة بسبب التناطح العنيف جدا".

وما يثير الغرابة حسب ما قال بن واسط إن "موت الكبش يؤدي إلى احتفال مناصري الحيوان المنتصر في المنازلة".

وتحاول السلطات الجزائرية جاهدة، منع انتشار منافسات تناطح الكباش، تحت ضغط جمعيات الرفق بالحيوان الدولية، التي راسلت الحكومة الجزائرية في عام 2014، ووصفت المنافسات بين الحيوانات بأنها سوء معاملة وإساءة لحيوانات أليفة.

اقرأ/ي أيضًا | توصيات: التغذية الصحية في عيد الأضحى

ووضعت السلطات الجزائرية في سبيل ذلك قيود مشددة على مثل هذه المنافسات، حيث يشترط موافقة المحافظ أو الحاكم الإقليمي قبل تنظيمها، وفي أغلب الحالات ترفض الطلبات، وهو ما جعل أصحابها ينظمونها في مناطق معزولة بعيدا عن أعين الأمن.

التعليقات