في ثلاثينيّة أسره: مقابلة خاصّة مع الأسير وليد دقّة

يجري موقع عرب 48 مقابلة خاصّة ومطولة مع الأسير الفلسطيني وليد دقّة، لمناسبة مرور ثلاثين عامًا على اعتقاله، ولمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، ملخّصًا فيها ثلاثينيّة من الأسر والمعاناة وأمل بتحرّر قريب تارة، عند أي حديث عن صفقة تبادل أسرى.

في ثلاثينيّة أسره: مقابلة خاصّة مع الأسير وليد دقّة

يجري موقع عرب 48 مقابلة خاصّة ومطولة مع الأسير الفلسطيني وليد دقّة، لمناسبة مرور ثلاثين عامًا على اعتقاله، ولمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، ملخّصًا فيها ثلاثينيّة من الأسر والمعاناة وأمل بتحرّر قريب تارة، عند أي حديث عن صفقة تبادل أسرى، وخيبة أمل تختلج الصدور تارةً أخرى، عند اتضاح ملامح تلك الصفقة، أو عند السماع باتفاقية أوسلو، وغير ذلك من الأمور التي أبدى دقّة رأيه فيها، على الساحة الفلسطينيّة والعربية وعن رؤيته لحل الدولتين والدولة الواحدة والسلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير وبالطبع، عن حركة حماس وصفقات تبادل الأسرى، كذلك تطّق دقّة إلى خليفة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس وأمور عديدة أخرى.

والأسير دقّة من مواليد الأول من كانون الثاني/ يناير 1961، حيث ولد لأسرة من باقة الغربية تتكوّن من ستّة أشقّاء وثلاث شقيقات، دانته محكمة إسرائيلية بتشكيل خلية نفذت عملية أسر وقتل جندي إسرائيلي في الداخل عام 1986، وبحيازة أسلحة ومتفجّرات بطريقة غير قانونيّة بالإضافة إلى اتهمامه بالقيام بأعمال عسكريّة داخل الخط الأخضر، بالإضافة إلى خمسة أسرى حرّر عدد منهم، فيما بقي آخرون في الأسر.

ويتوجه موقع عرب 48 بجزيل الشكر للنائب باسل غطّاس على مجهوده في إيصال صوت ضمير حركتنا الوطنية، صوت الأسرى، وصوت أسير ومثقف من طراز خاص.

س1 – مضى ثلاثة عقود على اعتقالكم، ما هو شعورك بعد ثلاثين عامًا من الأسر؟

السجن مكان سيّئ، وهو أحقر اختراع صنعته الإنسانيّة لمعاقبة الإنسان. والسجن، كمؤسسة شموليّة، لا يستهدف السجين بصورة عامة، وإنما الإنسان الفرد، كتفاصيل حياة ومعالم ومميزات شخصيّة. والسجن، كنظام، يحاول منذ اللحظة الأولى التي تطأه قدمك أن يحوّلك إلى رقم، وأن يجهز على معالم الذات فيك، ليحولك لموضوع سجّانك، لهذا الغرض يهندس السجّان ليس المكان فحسب، وإنما الزمن، أيضًا، فيقسم وحداته لتتم إعادة صياغتك من جديد.

'بقينا في السجون وكأننا نصب تذكاري أقيم ليبقى شاهدًا على مرحلة'.

في هذا السياق، يصبح حواسك وعواطفك وذوقك الجمالي ومشاعرك الإنسانيّة، أدوات تعذيب. وتكتشف، بهذا المعنى، تدريجيًا، أن السجن ما هو إلا امتداد لحالة الوطن، وأنّكَ فيه لست سجينًا أكثر من شعبك، سكّان المنازل الفلسطينية، ونضالك امتداد لنضالهم. عندها، لا تشعر بأنك تواجه السجّان وحيدًا، بل أنّك جزء من شيء كبير وعظيم، أكبر من المعاناة والحرمان وأوسع من الزنزانة، وهو حريّة شعبك، الذي تستمد منه العزيمة والقوة والصمود.

س2 – وقعت أحداث كبرى في العالم وفي الإقليم وفي فلسطين وإسرائيل خلال العقود الثلاثة الماضية وأنت خلف القضبان، هل يمكن أن تذكرَ لنا ما تختزنه ذاكرتك لتلك الأحداث، وأن توضِحَ كيف تابعتها؟ وتحليلك لتلك الأحداث؟

نعم، أحداث كثيرة وتاريخيّة جرت... عندما أتأملها أشعر بعبء السنوات ووطأتها، لقد اعتقلت في فترة الحرب الباردة، وتغيّرت، منذ اعتقالي، خارطة العالم، التي كانت قد رسمتها نتائج الحرب العالمية الثانية؛ انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية وَنشأة دول جديدة، انهيار سور برلين وتوحّد ألمانيا، بدأت وانتهت حرب الخليج الأولى والثانية، بدأت وانتهت الانتفاضة الأولى والثانية، ومن يتذكّر وحدة اليمن؟ واليوم ها هو يُدمّر ويتفكّك! ثم جاءت مفاوضات مدريد وأوسلو... وفي هذه السنوات كنا نستقبل ونودّع آلاف الأسرى... كان كل شيء من حولنا يتحرك وينهار وتتم صياغته من جديد إلا نحن، فقد بقينا في السجون وكأننا نصب تذكاري أقيم ليبقى شاهدًا على مرحلة. والحقيقة أننا نصب تذكاري من نوع آخر، ليس لأننا لسنا 'مصنوعين' من مادّة صمّاء كسائر النُصُب، بل من دمٍ ولحم، وإنما لأننا أيضًا لا نشهد فقط على حدث مضى، كان وانقضى، وإنما ما زلنا نشهد ونشاهد ماضيًا مستمرًا حتى اللحظة، فأي الأحداث التي تريدني بسؤالك أن أتذكرها وأن أحللها! سنحتاج لهذا الغرض كتابة كتاب وليس لمقابلة، ومع ذلك أقول باختصار إن انهيار الاتحاد السوفييتي، مثّل، بالنسبة لي، انهيارًا أيديولوجيًا مؤلمًا ومربكًا، فقد كنا أيديولوجيين رومانسيين، ثم جاء الانهيار الثاني الذي مثّلته اتفاقية أوسلو، التي لم نكن بحاجة لعشرين عامًا لندرك أنها سيّئة، بل كنا نقول، ببساطة شديدة: إن اتفاقية لا يشترط توقيعها بتحرير جميع الأسرى، هي اتفاقية لن تقود لتحرير الوطن، بل قلنا، أيضًا، إن قيادة حركة التحرر التي توقع اتفاقية سلام، وتترك مناضليها في السجون، هي قيادة أقل ما يُقال عنها إنها فاشلة، وامتداد لعقلية قادة الأنظمة العربيّة، الذين لا يقيمون احترامًا لمواطنيهم، وللأسف، ما زالت هذه العقليّة تتحكّم بمصير شعوبنا العربية في فلسطين وفي سائر الأوطان العربية.

س3- ما هي أبرز التأثيرات التي أحدثها السجن في شخصيّتك؟ وكيف مضى كل هذا الوقت الهائل عليك؟

من الصّعب أن أقيّم أو أبيّن بماذا وكيف أثّر السجن على شخصيّتي، فأنا بحاجة لوحدة قياس، أو معيار من خارج سياق السجن لأتمكن فعلًا من تبيان ذلك التأثير الذي تسأل عنه، فأنا ما زلت أعيش الحالة ولم أعرف غير السجن منذ أن كنت ابن الخامسة والعشرين من العمر، فقد أمضيت في السجن أكثر مما أمضيتُ في الحياة، بالتالي، يبدو لي السؤال غريبًا، وكأنك تسألني كيف أثرت الحياة على شخصيّتك؟ وكيف أمضيت كل هذا الوقت الهائل في الحياة؟ ومع ذلك، لا أعتقد بأن السجن هو 'الحياة' وإنما حياة. لكنها حياة ركّزت في مكان محدود وكثّفت به، وسكبت به وحدات زمانية لا نهائيّة، سرقت من أعمار شبابنا وشاباتنا، ويبقى السؤال كيف تعاملت مع هذا التركيز الذي تشابهت به الأماكن والوحدات الزمنية، حتى أصبح أكثر من روتين، بل 'علكة بغل'، تجترها عشرات السنين؛ وهنا يأتي تأثير السجن، فإما، وبحكم تحديات وضرورات حياة السجن، أن تكتشف عقلك، فالعقل يخضع، أيضًا، لقانون التحدّي والاستجابة، أو أن تفقده، وفقدان العقل ليس بالضرورة الجنون بمعناه 'الكليني'، فالسجن ليس مكانًا فقط، وإنما حالة، والسجن، كحالةٍ، تأثيراته مدمّرة أكثر من السجن كمكان. فسجن الجهل والتخلّف يقود إلى الجنون، والجنون في هذا السياق لا يعني عدم المسؤوليّة، انظر إلى سجون الطوائف والمذاهب التي تقود للإبادة الجماعيّة. وانظر إلى المرأة سجينة العادات والتقاليد والنصوص البائدة. من يكرّس غزة كسجن غير جهلنا وتخلفنا؟! لا أبالغ إن قلت إنه، ورغم أن من يغلّق عليّ باب الزنزانة هو سجّان إسرائيلي، لكن الذي يصنع له مزيدًا من الأقفال هو الانقسام الفلسطيني. تأمل المسألة جيدًا، فهذه ليست بلاغة لغوية، وإنما هي حقيقة يجب أن نصرخها في وجه من ضلّوا الطريق نحو الحريّة، في زقاق ومزاريب سلطة وهميّة.

س4 – ما هي أهم الأشياء التي تفتقدها في السجن؟ ما الذي تشتاق إليه؟ ما الذي تتشوّق للقائه؟ ما الذي سكن في داخلك طوال هذه السنين؟

بالطبع أشتاق للأهل والبيت، لأمي الصابرة، الصامدة، والمناضلة الحاجة فريدة، ولأخي حسني البكر، الذي كان لي بمثابة الوالد والمربّي، ولزوجتي سناء، التي حملت معي همومي وهموم الأسرى وما زالت... أشياء كثيرة نفتقدها في السجن، منها المعنوي ومنها الماديّ. والأمور الماديّة التي أفتقدها هي بالمجمل أمور صغيرة وبسيطة لا يعيرها الناس، في صخب الحياة اليومية، خارج الأسوار، اهتمامًا. لكنها، في السجن، تكتسب معانيَ عميقة. أشتاق، مثلًا، للسير حافيًا على تراب الأرض، ولا أقصد بـ 'تراب الأرض' ذلك المعنى المشحون وطنيًا وأيديولوجيًا. وإنما المعنى الحرفيّ والرغبة البسيطة والإنسانيّة للكلمة، فخلال الثلاثين عامًا الماضية، لم تطأ قدميّ في السجون سوى أرضيّة 'الباطون'.

والسجن، عمومًا، يفرز طبيعة تشبهه، فكما لا توجد منطقة وسطى بين 'هم' و'نحن'، بين السجّان والسجين، بين من هم خلف الأبواب وبين من يوصدونها. وهي، بالمناسبة، مناطق تكتسب جمالية وتثير التساؤل والاهتمام لطبيعتها المركّبة، فلا توجد في السجن، أيضًا، فصول وسطية، الخريف والربيع، فإما صيف حار أو شتاء بارد، فإما نحن أو هم، فلا لوز يزهر ليعلن الربيع، ولا تين تتساقط أوراقه ليعلن الخريف، وأنا أقسّم الفصول لفصول الإجابات وفصول الأسئلة.

'نحن قبائل سياسية، وهذا الاستنتاج توصلت إليه منذ سنوات طويلة، فلا أتوقع من القبائل السياسية غير السلوك القبلي'. 

الصيف والشتاء فصلا الإجابات، أما الربيع والخريف، فهما فصلا الأسئلة، والسجن يحاول تسطيح وعيك تمامًا، كما يسطّح المكان والطبيعة، بهذا المعنى، يكتسب نضالك ضد السجن عمقًا وبعدًا آخر. فكنتُ دومًا أرفض الانصياع للإجابات والخانات الجاهزة، وأتمسك بفصول الأسئلة. وفي هذا النضال العقلي، أنت بحاجةٍ لمخيلتك لتستحضر ربيعك أو إن شئتَ خريفك، أو بمعنىً آخر، أن تستحضرَ المنطقة الوسطى التي يحاول السجن أن يصادرها منك، وأن تطرح على نفسك الأسئلة الصعبة لتبقى، أخلاقيًا وقيميًا وإنسانيًا ووطنيًا، قلقًا حتى لا تنام على حرير الإجابات اليقينيّة، فهذا هو السبيل الوحيد كي تتخلّصَ مما قد يعلق بروحك وتفكيرك في حياة السجن من تعب وترهلٍ قيميّ، فتجدّد شباب عقلك. تمامًا كما تمارس الفصول الوسطية أسئلتها، فتتخلص في خريفها من الورق الذي شاخ، لتتيحَ، في ربيعها، ظهور براعم جديدة، هذا ما يحول دون فقدانك البوصلة، رغم هول ما تراه من عدوّك من ممارسات قمعية.

من مجموعة لوحات رسمها الأسير وليد دقة في زنزانة الأسر

س5 – ما الذي تعلّمته في السجن؟ ما هي أهم الكتب التي قرأتها وأثرت في ثقافتك وفكرك؟ وما هي أبرز التغيرات الفكرية التي طرأت عليك؟

أنهيت دراستي الجامعية في السجن، وحصلت على درجة الماجستير في الديمقراطية السياسيّة، لكن الوعي والتأثير الفكري تصنعه أطر أوسع من الجامعة أو المدرسة والأسرة، و'الوعي اجتماعي' ليس بالنسبة لي مجرّدَ مقولة، إنما إدراك عميق بأن ما تملكه من معارف في غالبيتها ملك الناس، لأنهم شركاء في صنعه، حتى السجّان بات جزءًا من تشكّل وعيك وإدراكك لذاتك وهويتك، فالإنسان منا كما لو أنه مرآة، لكنها مرآة واعية مدركة لذاتها، تلتقط محيطها وتختزنه ثم تعيد إنتاجه وعيًا جديدًا، وكلما كانت مرآتك مصقولة بالقراءة والتعليم والقيم الوطنية والإنسانية، كلما كنت متصالحًا، متوازنًا مع ذاتك ومحيطك، مهما كان هذا المحيط قاسيًا وشريرًا بهذ المعنى، التعليم والثقافة هي ضرورة كأداة صمود، والوعي في السجن الذي يتحقق بفعل هذا الاحتكاك الاجتماعي المكثّف، ينزل الأيديولوجيا والأفكار المجردة، التي تقرأها في الكتب، من عليائها النظري إلى الواقع الحسيّ، المجسّد لرجال ومواقف ومعضلات سياسية وأخلاقية، وهذا الحوار الدائم بين ما أقرأه مجردًا وما أعيشه مجسدًا بأسماء وأشخاص من دم ولحم، يمنحني فرصة تدقيق قناعاتي الفكرية ويملكني، بنفس الآن، أدوات أفضل للتعامل مع الواقع. بحيث لا تصبح مثقفًا محلقًا نظريًا بعيدًا عن هموم الناس وقضاياهم، ولا أسيرًا غارقًا أو مستغرقًا في تفاصيل وهموم السجن، التي قد تدفنك تحت ركامها.

تتغيّر، بفعل ذلك، نظرتك للحياة والسياسة، وتجري فيكَ تحولات فكرية، فلم تعد بوصلتي أيديولوجيّة، وإنما قيمية أخلاقية. وهناك فارق، حتى لو ادّعى الأيديولوجيون والعقائديون بأنم قيميون وأخلاقيون، فالأولى وباسم امتلاكها الحقيقة المطلقة، الحقيقة العلمية أو الدينية، تعدّت على الحريات وقيم الأفراد والجماعات، وأوهمتنا بأنها تدافع عن الجماعة ومصالحها. فيما تبيّن بأن هذا الادعاء ما هو إلا غطاء لأحزاب وأنظمة أنتجت تسلطية أقنعتنا وأقنعت شعوبها في المنطقة العربية، ولفترة طويلة، بأنها لا تصادر الحريّات والتنمية إلا للضرورات القومية وتحرير فلسطين!! فتبيّن بأنها كانت تحوّل الأوطان العربيّة لعزبٍ خاصّة.

س6- من خلال هذه السنوات الطويلة، التقيتَ بعشرات آلاف المناضلين، من هم الأسرى الذين تأثرت بهم،  ومَنْ مِنْ بينهم أصدقاؤك بحق؟

تأثرتُ بالكثيرين من الأسرى وبحكاياتهم وبظروفهم الاجتماعيّة، وباستعداديّتهم النضالية. بل كان لأسرهم وتضحياتهم الأثر العظيم على تجربتي النضالية والإنسانيّة. كما أثرت بي، كثيرًا، تجارب الأسرى من صغار السن والأطفال، الذين التقيت بعضهم في مراحل مختلفة من سنوات اعتقالي. تمامًا، كما أثرت بي تجارب القادة والأسرى البالغين، الذين التقيت الكثيرين منهم وتقاسمنا الآلام والآمال، ففي سنوات اعتقالي الأولى، التقيت بالرفيق الشهيد عمر القاسم، الذي جسّد في أصغر سلوك له، كما في أكبر موقف اتخذه، مثالَ الثائر المناضل الملتزم بقضايا شعبه، دون أن يحيد عن قيمه ومثله الإنسانيّة. لقد كان الرفيق عمر ذا ثقافة واسعة. تعلمت منه كيف استغل زمن السجن، حتى لا يتحوّل إلى زمن مهدور، لقد التقيت بالشهيد فتحي الشقاقي، وعايشت لمدة عامين الشيخ أحمد مهنّا، شريكَه في تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، كما عشت، لبضع سنوات، في سجن عسقلان مع الشهيد صلاح شحادة، والشهيد إسماعيل أبو شنب، وعملت في إطار اللجنة الوطنية مع الشهيد أحمد الجعبري، وفي السنوات الأخيرة التقيت مع القادة والمناضلين، الرفيق الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، والآخ المناضل مروان البرغوثي، اللذين أكن لهما التقدير والاحترام، الحقيقة أن لي أصدقاء كثر، وهم أصدقاء بحق، وليس من المنصف أن أنسى ذكر أحدهم، لذلك أفضل أن لا أذكر أحدًا.

س7- عندما دخلت السجن، كانت الحركة الأسيرة متماسكة وقوية وموحدة، كما كان الواقع مختلفًا، ما هي أبرز التغيّرات التي طرأت على الحركة الأسيرة؟

الحركة الوطنية الأسيرة هي امتداد وانعكاس للحركة الوطنية خارج السجون، وعندما تكون الحركة الوطنية متماسكة موحدة، فإن الأسرى بالتأكيد سيكونون موحدين... نعم صحّة وعافية الأسرى كجسم منتظم هي من صحّة وعافية الحركة الوطنية المنظمة. ولمّا كانت حركة التحرر قد غابت وخطابها، وتحولنا من مقاومة إلى فصائل تتبنى ما يشبه خطاب المقاومة، فإن الحركة الوطنية الأسيرة استبدلت تدريجيًا صفة 'الحركة' في سلوكها، التي تمثل العمل الجماعي المنظم. وحلت مكانها، عمليًا، الفصائل الأسيرة، لتقوم بما يشبه نضال الحركة الوطنية الأسيرة. لهذا تجد الإضرابات الفصائلية والنضال الفصائلي، ولما لم تستطع الفصائل أن تنهض بأعباء الواقع الاعتقالي منفردة وأن تواجه السجّان بقواها الذاتية، تحول النضال والهم الاعتقالي إلى هم فردي. لهذا كثرت الإضرابات والفردية، مما أنهك التضامن واستهلك طاقة البقية الباقية من المخلصين، ممّن يهبّون للتضامن مع الأسرى.

إن اتفاقية لا يشترط توقيعها بتحرير جميع الأسرى، هي اتفاقية لن تقود لتحرير الوطن

على كل الأحوال، أنا لا أحمّل الإضرابات والنضالات الفردية مسؤولية الوضع، وإنما أحاول تشخيص الحالة التي قادتنا إليها الفصائل الفلسطينية، بتغييبها حركة التحرر الوطني خطابًا وإطارًا جامعًا. وللموضوعية، رافق هذا التحول، تحول كوني بالقيم، أكبر من الفصائل التي تأثرت به، أيضًا، وهو على علاقة وطيدة بالتطورات المادية والتكنولوجية، التي عزّزت قيم الفرد في مقابل قيم الجماعة، وهذا التطور ليس سيئًا بحد ذاته، فالفردانية تتحول إلى ذاتية مغرقة في المظاهر والاستهلاك، عندما تغيب الأطر الوطنية الديمقراطية الجامعة، التي بمقدورها تحويل الفردانية إلى قوة دافعة وتعدّدية غنية، بدل أن تذررنا أو تشظينا، كما هو حاصل اليوم.

س8- عندما دخلت السجن، كانت الحركة الأسيرة مكونة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) فقط، وبعد اندلاع الانتفاضة الأولى، انضم أسرى حماس والجهاد. كيف تم التعامل مع أسرى الفصيلين؟ وكيف تأثرت الحركة الأسيرة بهذا التغيير؟

لم تستوعب قيادات م.ت.ف داخل السجون القوى الإسلامية الصاعدة والشريكة لها في النضال بسهولة وسلاسة، فقد رافق هذه المرحلة جدل ونقاش حاد في الكثير من مواقع الاعتقال، لا سيّما عسقلان ونفحة. وسرعان ما حسمت قواعد الفصائل الوطنية النقاش، لا سيّما قاعدة فتح، التي تشكل القاعدة الأوسع، وفرضت فهمها الوطني بالشراكة، على قيادتها، التي سعت جاهدة لأن تبقى الاعتقالية خالية من الفصائل الإسلامية، وقبلت بأن يقام، على أكثر تعديل، إطار تنسيقي بين فصائل م.ت.ف والفصائل الإسلامية، وقد جسّدت الحركة الوطنية الأسيرة وحدتها في الإضراب عن الطعام عام 1992، والذي يعتبر أهم وأنجح إضراب خاضته الحركة الأسيرة، وهذا دليل آخر، لمن يحتاج اليوم لدليل على أن الوحدة الوطنية هي الأداة الأنجع والأهم في مواجهة الاحتلال والسجّان. وأنا على قناعة تامّة بأنه، آجلًا أم عاجلًا، سيُفرض الإطار الوطني الجامع، ويتم إنهاء الإنقسام من أسفل، من خلال الجماهير والأجيال الشابّة، كما فرضته قواعد الفصائل على فصائلها داخل السجون، وأقول ذلك لأن التكوين الثقافي للفصائل وقيادتها غير ديمقراطي، ولا تحتمل الشراكة. ولها مصالح فصائلية وذاتية ضيّقة، بينما الجماهير أكثر قبولًا للتعددية السياسية، وتقتضي مصلحتها إنجاز مثل هذه الوحدة.

كما تعلمون، انعزل، في السنوات الأخيرة، الجسمان الأكبران في الفصائل الأسيرة، فتح وحماس، منذ الانقسام في أقسام خاصة داخل السجون. وقد بذلت جهود جديّة لإنهاء هذا الانقسام في صفوف الحركة الأسيرة. إلا أن هذه الجهود قوبلت بالبرود وعدم الاكتراث، وفي أحيان كثيرة، لا سيّما من حركة حماس، (قوبلت) بالسعي لتوسيع دائرة العيش بأقسام معزولة في سجون الشمال، التي بقيت في البداية، ولبضع سنوات، خارج هذا الانقسام. عاودت وللأسباب الأمنية والإدارية، لتحاول اليوم فرض العيش المشترك على الفصيلين، لكن وبكل حزن وأسف ما زالت بعض قيادات حماس ترفض ذلك، وتستسهل العيش المنفصل، والبعض الآخر من القيادات يتكاسل في بذل الجهد لإنهاء هذا المشهد المؤذي. نعم هذا مشهد مؤذٍ جدًا، فالإصرار على الانقسام في واقع مغلق، كالسجون، من السهل أن يتحوّل من واقع انقسام إلى ثقافة انقسام، تشكل مكونًا لهوية أو هويّات.

من مجموعة لوحات رسمها الأسير وليد دقة في زنزانة الأسر

س9- كيف استقبلت اندلاع الانتفاضة الأولى؟ وما هي ردّة فعل الأسرى على هذا الحدث الكبير؟

الانتفاضة الأولى أمدتنا بالقوة والعزيمة، وحوّلت السجون إلى ورش عمل لرفدها بالدعم بأشكال عدّة، منها المادي ومنها المعنوي... نعم، استطاع الأسرى بإمكانيّاتهم المتواضعة ومعارفهم، خارج السجون، توفير الدعم المالي، كما تم تزويد المناضلين ومجموعات العمل الانتفاضي بالمادة المكتوبة والنشرات المختلفة، منها الأمني والثقافي العام والسياسي والتوجيهي القيميّ، كما تم إصدار مجلات شهرية وزّعت على المواقع المختلفة في الضفة والقطاع، لقد منحت الانتفاضة، كنضال شعبي، الأسرى آفاق عمل جديدة، وأشعرتهم بكيانهم من خلال هذا العمل الإنتاجي، الذي إلى جانب تطويره إمكانيّاتهم الإبداعية، كان له الأثر العظيم على نفسية الأسير، بأن السجن ليس نهاية المطاف. الشعور وأنت داخل زنزانتك الضيقة بأنك جزء من حدثٍ عظيم يحولها إلى ميدان واسع، يحتشد معك فيه الآلاف وعشرات الآلاف من أبناء شعبك والمناضلين والثوار من جميع أنحاء العالم.

أعتقد أن هذه التجربة لم تنل حقَّها من الدراسة، لا سيّما دور المرأة، التي شكّلت المحور المركزي في إنجاحها، هناك نماذج بطولية وإنسانية لأمهات وزوجات الأسرى، التي تستحق التوثيق السينمائي والمسرحي، فعندما تقرأ 'الأم' كرائعة من روائع الأدب العالمي، وتتأمل التجربة الفلسطينية، تجد أن المخزون الواقعي، لمثل هذه التجارب يفوق هذه الرائعة، نكتبها، وللأسف مهملة.

س10 – هل لك أن تحدّثنا عن لحظة سماعك باتفاق أوسلو؟ هل شعرت أن الحرية وشيكة؟ وكيف تصرفت وكيف تصرّف الأسرى حينَها؟ وما هي ردّة الفعل الأولى؟

عندما تم الإعلان عن اتفاق المبادئ في أوسلو كنت في سجن بئر السبع، ودرست في هذه الفترة بالجامعة المفتوحة (الإسرائيلية)، مادّة العلاقات الدولية، فأرسل لنا أستاذ المادة نص الاتفاقية باللغة العبرية، كجزء من مادة الدراسة، تخيّل بأن النص الوحيد الذي أطلعنا عليه في حينه، هو نص عبري، ولم تجد فصائلنا المعارضة والمؤيدة للاتفاقية، أن توفر لنا نصًا للاتفاق بالعربية، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على قيمة الإنسان المناضل في نظر قيادات الفصائل.

'ما زلت أعيش الحالة ولم أعرف غير السجن منذ أن كنت ابن الخامسة والعشرين من العمر'. 

على كل الأحوال، ردّة الفعل الأولى تراوحت بين تشكيك وحذر ونقد للاتفاق، وبين مواقف مهللة محتفلة به، لدرجة أن أحدهم طلب من إدارة السجن إجراء احتفال في باحة السجن، احتفاءً بالاتفاقية والسلام الموعود.

بالطبع، إدارة السجن، لحسن الحظ، رفضت الطلب وجنبتنا بذلك صدامًا أو انقسامًا مبكرًا ومحتومًا بين الأسرى. في الحقيقة، لم نكن قادرين على تخيل ما ستقودنا إليه اتفاقية أوسلو سياسيًا، لهذا كان النقاشُ يعود وينحصر بقضيّة الإفراج عن الأسرى. وخلال أشهر قليلة، حتى عام تقريبًا، بدأت تتضح لنا معالم الاتفاق بما فيه الأسرى. وقد أفرج عن ما لا يقل عن 9 آلاف أسير، حيث وصل عدد الأسرى في السجون في حينه ما يقارب 14 ألفَ أسير.

تسألني عن شعوري فيما الآلاف من الأسرى يطلق سراحهم، أما أنا وأقراني باقون في السجون... والسؤال يجب أن يكون عمليًا، ما هو شعورك وحركة التحرر، التي ناضلت في صفوفها، تدير لك ظهرَها وتعقد اتفاقية سلام دون أن تأتي على ذكرك، إلا لاحقًا كعنوان وكموضوع عام، تاركةً لإسرائيل أن تقرّر التفاصيل والأسماء. فهذه الاتفاقية، كما جزأتنا كشعب، جزّأتنا كأسرى. أسرى داخل وأسرى خارج، أسرى على 'أيديهم دم'، وأسرى لا أعرف ماذا يوجد على أيديهم!! ما معنى أن يتم إفراغ سجن عسقلان مرتين ليبقى، من أصل 620 سجينًا، بضع عشرات؟ أنت بحاجة لطاقة نفسيّة وعصبية هائلة، كي تحافظ على نفسك وعلى أصدقائك من الأسرى الذين لم يتحرّروا، وأن تشدّ من عزيمتهم وأن تبقى متماسكًا كقيمة وطنيّة وإنسانية.

لقد فرحت لأصدقائي الذين أفرج عنهم بقدر ما حزنتُ على إبقائنا داخل السجن، وأنا على يقين بأنهم حزنوا وتأثروا لبقائنا، بقدر فرحتهم بالإفراج. وأنا أؤكد على 'الإفراج' وليس 'الحرية'. لأن الحرية لا تكون إلا مرافقة لحريّة الشعب والوطن.

'سجن الجهل والتخلّف يقود إلى الجنون، والجنون في هذا السياق لا يعني عدم المسؤوليّة، انظر إلى سجون الطوائف والمذاهب التي تقود للإبادة الجماعيّة'.

السخرية هي أن قيادات فصائل معارضة، ممن كانت ترفع شعار 'إسقاط أوسلو'، تعود إلى الوطن في إطاره وشروطه، وكانت قد عمّمت قرارًا حزبيًا على أعضائها بأن لا يشاركوا في الاعتصامات أمام مقار الصليب الأحمر، والمطالبة بالإفراج عن الأسرى، بدعوى أن هذه الفعاليات تمنح الشرعية لاتفاق أوسلو!!

س11- من يتحمل مسؤولية وجودك ثلاثين عامًا في السجون؟ لماذا لم يسعَ ياسر عرفات للإفراج عنكم؟ وهل توقعت أن تبقى بالسجن بعد عودته وعودة قيادات م.ت.ف إلى الضفة الغربية وغزّة؟

الذي يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى، هو الذي عقد ووافق على هذه الاتفاقية، لكن ذلك لا يعفي من عارضها، لا سيّما وأنه عاد وتوظّف وترشّح وخاض الانتخابات ومنح هذه الاتفاقية الشرعية، بينما تجاهل الأسرى وقضيّتهم. وأشبعنا شعارات وخطب.

'من يغلّق عليّ باب الزنزانة هو سجّان إسرائيلي، لكن الذي يصنع له مزيدًا من الأقفال هو الانقسام الفلسطيني'. 

وياسر عرفات، كمن وافق على أوسلو، يتحمل مسؤولية بقائنا في السجون، فهو لم يشترط الإفراج عن الأسرى، لأنه امتداد لعقلية وثقافة النظام العربي، الذي لا يقيم وزنًا للإنسان، وهذا، بالمناسبة، لا ينتقص من رمزيته، كما أن دكتاتوريّة النظام الناصري لم تنتقص من رمزيته كقائد عربي. عرفات لم يجد تعارضًا أو حرجًا بين عودته وبقاء الآلاف من المناضلين في السجون الإسرائيلية. فلماذا يحرج أبو مازن اليوم من الاستمرار بالتفاوض أو العودة إليها دون اشتراطها بالإفراج عن جميع الأسرى! كيف لهذه القيادة أن تحرج في موضوع الأسرى، وهي تمر يوميًا على الحواجز الإسرائيلية بتصاريح VIP بلا حرج من مشهد شعبها العالق هناك، فيما المجندين والمجندات ينكلون بهم. لماذا أصلًا عليهم أن يخرجوا وبعض الأسرى ينشرون كتب تجديد الدعم والولاء للقيادة!! ولا أعرف إن كانوا يضيفون صفة 'الحكيمة' للقيادة كما يليق بقائد عربي.

من مجموعة لوحات رسمها الأسير وليد دقة في زنزانة الأسر

س12 – هل تعتقد أن قيادة م.ت.ف الرسمية ارتكبت خيانة  بحق الأسرى وأنها خانت العهد للمناضلين؟ وكيف تشعر بعد مرور ربع قرن على التفاوض وأنت لا زلت أسيرًا؟

أنا لا أستخدم مثل هذه المصطلحات، رغم استسهال بعض القادة الفلسطينيين تخوين بعضهم البعض. أنا أؤمن بأن للكلمات قوّة وتأثيرًا. وعندما تستخدمها فأنت تعي ما تقول ويترتب عليها مواقف وسلوك، وإلا فلا معنى لما تقول. لهذا، لا أفهم أولئك الذين يخوّنون بعضهم البعض، ثم يعاودون الجلوس على طاولة واحدة والتفاوض على 'الشراكة' و'الوحدة الوطنية' و'المصالحة'. فإما أنهم يكذبون على شعبهم وعلى أنفسهن عندما خوّنوا، وإما يكذبون علينا اليوم في موضوع الوحدة وإنهاء الانقسام. أنا لا أنتمي، لا لأولئك الذين يصفون القيادة بـ'القيادة الحكيمة'، ولا لأولئك الذين يرونها خائنة. نعم، هي قيادة فاشلة وضعيفة ومتكلسة، وتجاوزها الواقع، لكنها ليست قيادة عميلة، ما دامت تمثّل حتى ولو واحدًا بالمئة من الشعب الفلسطيني، فهل يُعقَل أن نخوّن جزءًا من شعبنا؟ هذا النوع من النقاش لا يخدم قضيّة الأسرى ولا القضية الوطنية.

على كل الأحوال، لدينا ميول غير صحيّة في التعامل مع القادة والأحزاب بعواطف سلبية وإيجابية مشحونة، وهي نابعة من علاقات التراحم الأبوي وتحويل الفصائل لامتداد لحمائلنا وعشائرنا، وهذا النوع من العلاقة يخلق توقعات وآمالًا كبيرة وخيبات أمل بقدرها. وينقلك، بسهولة، من وصف القيادة بـ'الحكيمة' لوصفها بأنها 'خائنة'. وأنا لا أنتظر لا من قيادة غزّة ولا من قيادة رام الله أي شيء. فهم المشكلة والعقبة وليس الحل، رهاني على شعبنا في نضال طويل الأمد، قوامه الصمود على الأرض، رهاني على الأجيال الشابة من الصبايا والشباب، من الطلبة الجامعيين، رهاني على الأمهات والآباء، الذين يكدّون ليل نهار، ليمنحوا أطفالهم أفضل تعليم فهم المستقبل. والثقافة والتعليم هي عوامل الصمود الأهم. فهذا الجيل سيهضم تجارب الماضي وسيصيغ تجربته الخاصة وسيقودنا، بالتأكيد، نحو مقاومة فعالة، نحو الحرية والاستقلال والسلام العادل.

س13- كيف تفسر تجاهل حماس للأسرى القدامى في صفقة شاليط؟ وهل تعتقد أن الحسابات الفئوية غلبت الحسابات الوطنية؟ وهل توقعت أن تتصرّف قيادة حماس على هذا النحو بالإفراج عن أسرى قضوا فترات قصيرة وتبقي على من قضوا ثلاثين عامًا؟

المنطق الوطني، منطق حركات التحرر، يقتضي بأن يتم الإفراج عن أسرى المؤبدات والأحكام العالية وفقًا لمبدأ الأقدمية في الأسر. ومن يعرف الأرقام وعدد الأسرى القدامى من الفصائل الوطنية والإسلامية، يعلم جيدًا أن العمل وفقًا لهذا المبدأ، يعني بأن حماس، كفصيل، لن يحظى بالعدد الأكبر من بين المفرج عنهم. ما جرى أن حماس تجاوزت هذا المبدأ، وأكملت العدد من أسراها ممن تبقت لهم أحكام خفيفة جدًا، بضعة أشهر أو سنوات، واستثنت قدامى الأسرى الذين بقوا داخل السجون حتى اليوم... هل هذه فئوية وحسابات ضيقة؟ ليحكم الناس على حماس، نحن قبائل سياسية، وهذا الاستنتاج توصلت إليه منذ سنوات طويلة، فلا أتوقع من القبائل السياسية غير السلوك القبلي. إن كان في موضوع الإفراجات أو في غيره، لهذا لن أعقد آمالًا كبيرة على الصفقة. خصوصًا وأن أحد قادة أسرى حماس، نصحني أن أكتب لقيادتهم أشرح لها ملف أسرى الداخل 48، فهم، كما قال 'يجهلون قضيتكم وتفاصيلها'. وأضاف بأن هنالك مؤشرات لاستثنائكم من الصفقة، شعرتُ بالاختناق، فعمري الاعتقالي أكبر من عمر حماس التنظيمي، فإذا كانت قضيتنا مجهولة بالنسبة لهم، فما هو المعلوم بقضيّة الأسرى!!

في اتصال هاتفي قبل الصفقة من السجن (هاتف مهرّب)، بين أحد قدامى الأسرى من الداخل 48، مع قائد بارز في حماس، سأل الأخير باستغراب هل هنالك أسرى من الداخل 48؟

س14- تحرّك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس أبو مازن بعد الإحراج الذي سببته صفقة شاليط للإفراج عن الأسرى القدامى، ومع ذلك لم يتم الإفراج عنكم، كيف تفسّر ذلك؟

التمسك بملف الأسرى المئة من القدامى، لم يكن بفعل مراجعة للذات والسياسات التي أبقتنا ثلاثين عامًا في السجون، وإنما كانت غطاءً، أو أحد الأغطية للعودة للمفاوضات العبثية، وقد نشأت أجواء بعد صفقة شاليط حولتنا لأداة مناكفة مع حماس. هذا هو السياق الذي طرح به ملف الأسرى ما قبل أوسلو. نحن، بالتالي، لسنا أمام صحوة ضمير ولا مراجعة سياسية. بدليل أن هذه القيادة التي تركت لإسرائيل أن تحدّد الأرقام والأسماء وتفاصيل دفعات الأفراج في أوسلو، هي ذات القيادة التي نبهناها بأنه لا يجب تقسيم الأسرى المئة لأربع دفعات، وأنه، وإن كان ولا بد من هذا التقسيم، فعليكم أن لا تتركوا تحديد الأسماء لإسرائيل؛ لأنه لا يعقل إبقاء أقدم أسير فلسطيني (الأسير كريم يونس) مثلًا، للدفعة الرابعة والأخيرة، وأن إسرائيل ستحاول التنصل من التزامها بالإفراج عن هذه الدفعة التي في غالبيتها من أسرى الداخل – 48، والنتيجة معروفة، فما نبهنا منه، قد حصل.

'أشتاق للأهل والبيت، لأمي الصابرة، الصامدة، والمناضلة الحاجة فريدة، ولأخي حسني البكر، ولزوجتي سناء'.

وهذا دليل آخر بأن القيادة الفلسطينية لم تستفد من دروس وأخطاء الماضي، بل ولا تريد أن تستفيد. أما الادّعاء بأن إسرائيل لم تلتزم وإنها تنصّلت من الاتفاق، فما هي إلا تفاصيل وحجج لا معنى لها عندما تسلم بيديك لإسرائيل أن تقرّر التفاصيل.

س15 – ما هو مصير الآلاف في السجون، حيث قضى أكثر من 1500 أسير حتى الآن أكثر من عشر سنوات؟ وهل على الأسير أن ينتظر ثلاثين سنة حتى يتم الإفراج عنه؟

تسأل وكأنه تم الإفراج عنا... ها نحن قد أمضينا في السجون ثلاثين سنة، فهل أفرجَ عنّا؟! أخشى أن عدد الأسرى الذين سيمضون فترات طويلة سيزداد، وسيتجاوز أرقام الماضي.

فالخلل أكبر بكثير من أن يتم تجاوزه في السنوات القريبة، وسيحتاج لوقت طويل، سيدفع ثمنه شعبنا، لا سيّما الأسرى، وأعني بالتحديد استعادة خطاب حركة التحرّر والإطار الوطني الجامع لكافة القوى، لأنه، بدون هذا الإطار والخطاب الجامع، قد يُفرَج عن أسرى، لكن بنفس معايير القبائل السياسية كما في الماضي، وستبقى العوامل التي تعيد إنتاج الأزمة قائمة، إن كان في موضوع الأسرى أو في غيره من القضايا الوطنية. الأمل بالإفراج يجب أن يبقى قائمًا دائمًا، ولكن يجب أن يرافقه عمل، وعنوان العمل في السجون، في هذه المرحلة، هو استعادة فكرة العمل الجماعي والنضال المشترك والتضامن، وعزل الخلافات والانقسام في الخارج عن نضالات الأسرى، بحيث تمثّل الحركة الأسيرة ضمير الناس وبوصلتهم الأخلاقية، ليس فيما يتعلق بقضية تحررهم فحسب، وإنما في قضايا الناس وهمومهم اليومية والمطلبية. على الأقل أن يصدر عنهم موقف يقول كلمة حق، أنا أنتمي لجيل كان يخوض إضرابات تضامنية مع أسرى ومناضلين أمميّين: تضامنًا مع إضراب الأسرى الأيرلنديين، ومع الأكراد في السجون التركية، ومع نيلسون مانديلا في سجون الأبرتهايد، وأدرك بأن هذه الثقافة السياسية أصبحت لدى قطاعات واسعة جزءًا من الماضي، ولا أطالب، الآن، بإدراج الأسرى السياسيين في السجون العربية على أجندة الحركة الأسيرة، لكن هل يعقل أن لا نقول كلمة حق ونتخذ موقفًا مبدئيًا من الاعتقالات السياسية في الضفّة وغزّة، أو من انتهاكات حقوق الإنسان والاعتداء على الحريّات... كيف لنا أن نجنّد قطاع المعلمين لنضالات الحركة الأسيرة ولا نسمع صوتًا في إضرابهم ومطالبهم العادلة.

س16 – في ضوء فشل عملية المفاوضات وفي ظل تصاعد وتوسع الاستيطان والتهويد للقدس والضفة، ومخاطر فشل حل الدولتين، ما هو برأيك المخرج؟ وهل تعتقد أن حل الدولتين لا زال خيارًا واقعيًا؟ هل تؤيد حلَّ السلطة الفلسطينية؟

قبل أن نتحدّث عن فشل حل الدولتين كهدف، علينا أن نقف عند كلمة 'فشل' في سؤالك. فهي حيادية لا تحمّل أحدًا المسؤولية، مثل كلمة 'إفشال'. وكأن هذا الفشل قضاء وقدر، أو كارثة بيئية لا رادَّ لها، أو كأنه ليس هناك قوى سياسية مسؤولة عن هذا الفشل.

إن الذي يفشل هو الإستراتيجية، أو في حالتنا الإستراتيجيّات. فالأهداف لا تفشل من تلقاء ذاتها، وإنما الذي يفشل الإستراتيجية هو تحقيقها، 'أمّة الوسط' لم تختر فصائلها الوسط، وإنما ذهبت نحو شكلين من النخبوية، فإما نخبوية طاولة المفاوضات، وإما نخبوية 'العمل المسلّح'، رغم أن الجميع متفق بهذا القدر أو ذاك على هدف حل الدولتين. إلا أنهم ذهبوا، في ظل غياب الإطار الوطني الجامع، إما للعمل السياسي دون مقاومة، أو للمقاومة دون عمل سياسي، فاختزل الأول النضال بالديبلوماسيّة، واختزل الثاني المقاومة بالكفاح المسلّح. والنتيجة أن الطرفين تخليا عن أهم مركبات القوة-القدرة، فاعتمد الأول على القانون الدولي والديبلوماسية الرسمية مع الدول والأنظمة، أما الثاني فاعتمد القوة العسكرية الضيقة، فأخرجوا من معادلة استجماع القوى، العلاقةَ مع الشعوب ومجتمعاتها المدنية، لا سيّما الفصائل التي لم تستوعب تداعيات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر على مشروعية الكفاح المسلّح، وما زالت متردّدة في وضع الفواصل الواضحة بينها وبين القاعدة وداعش ومجمل الحركات التكفيريّة.

'لا أنتظر لا من قيادة غزّة ولا من قيادة رام الله أي شيء'.

والنتيجة أن الشعب الفلسطيني أصبح مكشوفًا بين الإستراتيجيّتين، ولم يكن جزءًا من مركبات القوة-القدرة، بعد أن عزل عن شكلي الحراك النخبوي، وقد أنهكته نتائجها السياسية والإنسانية المدمرة، فيما يهدد من جهة أخرى، استمرار الانقسام السياسي، الذي يبدو، في الظاهر، صراعًا على الإستراتيجيات، بينما هو، في الواقع، أصبح صراعًا على سلطة وهميّة، بأن يتحوّل إلى ثقافة وهويّة. الفصائل بسياستها وإستراتيجيّتها اليوم لا تستجمع القوة-القدرة في مواجهة المشروع الصهيوني، وإنما تشتّت وتبدّد الطاقات الوطنية والشعبية الهائلة، التي يمكن الاستفادة منها في النضال. فمشروع حل الدولتين  وأوسلو أخرج قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني من الحل: 'اللاجئون وفلسطينيو الداخل – 48'، وحل الدولتين الذي جاء باسم الواقعية ونتاج ميزان القوى المختل لصالح الصهيونيّة، تحوّل، جرّاء تعميق الخلل في ميزان القوى إلى حل أقل من دولة على حدود 67، ولا نعرف إلى أين ستقودنا هذه الواقعية. والواقعية كما أفهمها، لا يجب أن تعني التسليم بالواقعية (الموجود على أرض الواقع)، إنما توفير عوامل النهوض بها. ما جرى خلال كل هذه العقود الماضية، بأن الفصائل كانت تتخلّى عن حل الدولة الديمقراطية الواحدة، أو الأدق عن 'حل الوطن'. وبذلك كانت تتنازل عن المزيد من مركبات القوّة، وبالتالي، لم يعد بمقدورها حتى تحقيق الدولة على 23% من الوطن.

حل الدولتين ليس حلًا، ليس لأن الاستيطان أفشله فحسب، إنما لأنه لا يستجيب لقضية العودة واللاجئين، وفي صيغته الحالية، يمزّق الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية، ويخرج الداخل من تعريف الفلسطيني لهويته، بل ويضرب، في الصميم، الرواية الفلسطينية، نحن نريد فلسطين  الوطن أن تتطابق مع فلسطين الهوية الجامعة. علينا أن نعود وننطلق في صياغتنا للمشروع الوطني الفلسطيني من جديد، من المكونات والمفردات الأساسية للصراع مع الصهيونية، بصفتها حركة عنصرية كولونيالية، لكن دون أن نتجاهل ما نشأ على الأرض من حقائق، ومشروع الوطن الواحد الذي يجمع كلا الشعبين يمكن أن يؤسّس، سياسيًا، على حل الدولة الواحدة أو الدولتين في إطاره، وعلى أساس يجمع بين شكلين من السيادة، مناطق سيادة كاملة (سياديّة) ومناطق سيادة وظيفية. وباعتقادي، يجب ألا تشغلنا، كفصائل، في هذه المرحلة حدود السيادة وإنما حدود الوطن. والوطن الذي يمكن للفلسطيني أن يتحرك به، وأن ينتج ويبدع في إطاره، يجب أن يتطابق وحدود الهويّة، بغض النظر عن أشكال السيادة. وهذا الحل يمكنه أن يجمعَ بين حل الدولة والدولتين، بين ما ناشئ على الأرض من سلطة وطنية معترف بها دوليًا و'دولة' عضو في الأمم المتحدة، وبين الوطن التاريخي. وبالتالي، يجمع كحل بين الدولة والهوية في إطار وطن مفتوح.

بكلمات أخرى، لا يجب تقسيم الجسد-الوطن، وإنما الوظائف – السيادة. في مخيّلتي مولود بدورة دموية واحدة وقلب واحد وبرأسين، فصلهما يعني موت أحد المولودين ولا أعتقد بأن الذي سيبقى على قيد الحياة سيكون قادرًا على حمل جثّة الآخر، الذي سيعيق نموه وتطوره. قد نحب أو نكره هذا التشبيه، لكنه الواقع الذي علينا التعامل معه.

إلى جانب هذا، علينا التمسك بالخطاب الكولوينيالي ومعاداة الصهيونيّة. وبفعل التشابك الحاصل تاريخيًا بين المسألة اليهودية والمسألة الفلسطينية، لا بد من تطوير خطابنا الوطني الديمقراطي، بحيث يكون بمقدوره تقديم حل للمسألة اليهودية في فلسطين، فالمشروع الوحيد، الآن، هو المشروع الصهيوني، وهو مشروع أشكينازي غربي، بدأت بعض النخب اليهودية الشرقية تدرك بأنه مشروع الرجل الأبيض ليهود الشرق، الذين يرون أنفسهم جزءًا من الثقافة والفضاء العربي الشرقي.

أنا لا أعتقد بأن حل السلطة هو الحل، والمشكلة ليست في وجود سلطة، وإنما في سياستها والاتفاقات التي كبّلت نفسها بها، لا سيّما الاتفاقية الأمنية والاقتصادية ، والناس ارتبطت حياتهم ومصالحهم بالسلطة وأصبحت جزءًا من واقع إشكالي، لا يجب التعامل معه بإلغائه، وإنما بتصحيحه وتعزيز دوره في توفير عوامل الصمود لشعبنا. حل السلطة في ظل غياب بديل يعني فتحَ الباب على مصراعيه لصراعات لا نعرف إلى أين ستؤدي بنا. وجود السلطة، رغم ضعفها، يمثّل إمكانية من إمكانيات تعزيز قدرات الشعب الفلسطيني وصموده. السؤال كيف نستخدمها ونوظفها في إطار إعادة صياغة المشروع وبناء حركة التحرر الوطني الفلسطيني.

س17: هل تعتقد أن القيادة الرسمية الفلسطينية قادرة على الخروج من الأزمة التي يعيشها المشروع الوطني الفلسطيني؟ ما هو الحل لحالة الانقسام الفلسطيني؟

القيادة الفلسطينية، ومعها الفصائل، جزء من الأزمة وليسوا جزءًا من الحل، بل هذه القيادة أصبحت عقبة أمام الإرادة الشعبية في إنهاء الانقسام، والأزمة تبدأ في الوضع الداخلي للفصائل، التي تحول دون تجديد كوادرها واستيعاب القطاع الشبابي في صفوفها القيادية، وتستخدم لهذا الغرض تأجيل المؤتمرات وتهندس نظمها الداخلية، لإبقاء الوضع القيادي عليه، وهذه السمة، بالمناسبة، هي امتداد لعقلية النظام العربي والحزبي في البلدان العربية، والنتيجة أن هذه القيادة عطّلت داخليًا إمكانية تجديد الخطاب عبر مراجعة المواقف ونقدها، وعطلت الإرادة الشعبية، وبالتالي، غيّبت المؤسسة الوطنية. لهذا لا أرى أن الفصائلَ والقيادة الفلسطينية يمثلون عنوان التغيير والخروج من الأزمة، وعلينا أن نلاحظ أن ثقل التحرك الشعبي والوطني في غالبيته اليوم، شعبي أو حتى فردي، والفصائل والقيادة، عمومًا، اختزلت دورها في القيام ببعض ردود الأفعال على هذا التحرك الجماعي، بكلمات أخرى، هذه الأدوات النضالية، التي أدت دورًا تاريخيًا منذ ستينيات القرن الماضي انتهى دورها التاريخي بصيغتها التنظيمية والسياسية القديمة، وتكلسها وتعطيل قدرتها على التجدد، حولها إلى أجسام ليست ذات صلة بهموم وقضايا شعبنا الفعلية.

هناك سبيلان للخروج من أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، تغيير 'رأسي' من داخل الفصائل وعبر حوار وطني، أو تغيير 'قاعدي' من أسفل عبر قوى ونضالات شعبية ناشئة، تتجاوز الأطر والفصائل. كما ذكرت، الخيار الأول هو عقبة أكثر منه خيار، أما الخيار الثاني فيتكون في أحشاء العمل الشعبي ويشق طريقه بالتدريج من خلال إبقاء المواجهة اليومية مع الصهيونية مفتوح، وهذا من شأنه، أولًا، إعادة الاعتبار للنضال الوطني المشترك بقيمه الجامعة ميدانيًا، خذ مثلًا إضراب المعلمين، هو إضراب مطلبي، لكنه في إطار هذا التحرك الذي شاركت به القوى والمشارب السياسية المختلفة على الساحة الفلسطينية، بشكل غير رسمي وعلى نحو فردي وفي إطار العمل النقابي، تم تداول مفاهيم مثل الانتخابات، حرية التعبير والتنظيم النقابي والسياسي والأطر التمثيلية الجامعة، وهذا يعيد الثقة للعمل الوطني الجماعي، بعد أن كاد الانقسام وتغييب المؤسسة الحزبية والوطنية أن يجهز كليًا على هذه القيم.

س18: في حال جرت الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، هل تظن أن مروان البرغوثي سيرشح نفسه؟ وهل تعتقد انه مؤهل ليكون رئيسًا للشعب الفلسطيني؟ وهل تؤيد ترشيحه من السجن؟

 أعتقد أن البرغوثي سيرشح نفسه وأنا هنا أستند في اعتقادي إلى ما هو أكثر من التحليل، والسؤال هل يمكن للانتخابات أن تشكل فرصة للخروج من الأزمة، أم أنها محطة أخرى لإعادة إنتاجها؟ هو السؤال الذي يجب أن يشغلنا، وعليه نبني موقفًا من الانتخابات ومرشحيها، فشعبنا والمأزق الوطني الذي نعيشه لا يحتمل دخولنا في نفق أزمات ومناكفات جديدة عادة ما تنتجها الانتخابات، خاصة إذا قدمت الكتلتين الأكبر على الساحة الفلسطينية، فتح وحماس، مرشحين عنهما.

بهذه الحالة، المرشح المنتصر في الانتخابات سيكون منتصرًا ليس بشعبه وإنما على شعبه، وسنبقى في نفس دائرة الانقسام والأزمة، لا سيما وأن ثلث، إن لم يكن أكثر، من الشعب الفلسطيني لن يشارك في انتخابات تعيد إنتاج الأزمة، فالانتخابات، إن جرت، يجب أن تشكل الخطوة الأولى نحو تهيئة الأجواء للخروج من الأزمة، ولكي تكون كذلك، يجب أن لا يكون مرشح الرئاسة مرشح فصيل، وإن كان منتميًا لفصيل ولم تلوثه التقطّبات خلال سنوات الانقسام، وإن يمتلك رصيدًا نضاليًا قادرًا من خلاله على مخاطبة الأطراف جميعها.

'عمري الاعتقالي أكبر من عمر حماس التنظيمي، فإذا كانت قضيتنا مجهولة بالنسبة لهم، فما هو المعلوم بقضيّة الأسرى!!'

والبرغوثي، باعتقادي، يحظى في هذه المرحلة باحترام وتقدير كبيرين في أوساط الفصيلين، ولو كنت مكان حماس لتوافقت مع فتح أو مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، على الأقل، على دعمه كمرشح، ولو كنت مكان فتح لأبعدت شبح الصراعات الداخلية وبورصة الأسماء المقلقة المرشحة للرئاسة، ولدعمت البرغوثي كمرشح توافقي مع الفصائل عبر إعلانها خطوة إعادة اللحمة الفلسطينية في الطريق للخروج من الأزمة، هكذا تمنح الفصائل شعبنا فرصة إعادة ترتيب ما دمره الانقسام، وتقينا شر الفوضى وفوضى السلاح الذي قد تدفع به إسرائيل، حتى يقبل الشارع الفلسطيني بأسماء مرفوضة اليوم، لكنها ستصبح، في ظل الغموض، خيار أهون الشرين، وخيار أهون الشرين يعمل اليوم في عالمنا العربي بنجاح كبير.

لقد سعت الحكومة الإسرائيلية، على الدوام، لإبقاء الأراضي المحتلة أقل من سيادة وفوق الفوضى التي تهدد أمنها ومستوطنيها، ولكن الفوضى المضبوطة والمسيطر عليها، شكلت لها مناخًا خصبًا لإعادة تشكيل الواقع وتصميمه على مقاساتها السياسية والأمنية.

اقرأ/ي أيضًا | الأسير وليد دقة من باقة الغربية يدخل عامه الـ31 في الأسر

صيغة المرشح التوافقي، أو إن شئتم مرشح الإنقاذ الوطني، مهمتها ليس التفاوض مع إسرائيل أو تقديم رؤى وحلول لإحياء العملية السياسية، وإنما إعادة ترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي والخروج من الأزمة وبناء المؤسسات على أساس صيغة حركة التحرر الوطني.

التعليقات