شاعريّة الظّلم – ليطلق سراح دارين طاطور

بلغ الأمر بالنيابة أن تطالب باحتجاز دارين في بيت منعزل مقطوع عن الإنترنت بعيدًا عن محيطها وتحت حراسة مشدّدة يتطوّع بالقيام بها حارسان يلتزمان بمراقبتها طيلة 24 ساعة يوميًا

شاعريّة الظّلم – ليطلق سراح دارين طاطور

في الساعة 03:00، قبل فجر يوم 10.10.2015، قدمت سيارات دورية شرطة الناصرة، برفقة 'حرس الحدود' – تلك الوحدة الإسرائيلية سيئة السمعة. طوّقت القوّة الأمنية منزلاً هادئًا في قرية الرينة، القريبة من الناصرة؛ اقتحموا المنزل وأفزعوا العائلة من نومها. لقد كان هدفهم دارين طاطور، 33 عامًا، شاعرة فلسطينية ومصوّرة وناشطة سياسية. لم يكن بحوزتهم إذن تفتيش، ولا مذكّرة اعتقال، ولكنّهم مع ذلك أخذوا معهم دارين، وسط دهشتها.

من هو شهيد؟

لقد شهد تشرين الأوّل 2015 موجة من الكفاح الجماهيري الفلسطيني، انطلق من مركزه في القدس، كردّ على الاستفزازات الإسرائيلية في المسجد الأقصى؛ وما لبث أن امتدّ إلى غزة والضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 48. ولكن دارين لم تتوقّع أن يجري اعتقالها؛ فهي لم تشارك في المظاهرات، هذه المرّة. لقد كانت حاضرة من قبل في المظاهرات كمشاركة، وكمصوّرة أيضًا؛ وقد لاحقتها الشرطة كمصوّرة – جُرحت دارين في 2008، عندما هاجم مستوطنون وقوّات الشرطة مسيرة العودة في صفورية. ولكن لماذا يلاحقونها الآن؟

يوآف حيفاوي

يبدو أنّ السبب المباشر لاعتقال دارين هو 'ستاتوس' نشرته على فيسبوك. في 9 تشرين الأوّل، أطلق جنود إسرائيليون النار على امرأة فلسطينية (إسراء عابد، أمّ لثلاثة أطفال، تدرس الهندسة الوراثية). كان ذلك في محطة الباصات المركزية في العفولة، حيث انتظرت لتعود من الكلّية إلى بيتها. الجمهور العربي أصيب بالصّدمة عندما نُشرت الأشرطة التي تصوّر كيف أطلق عدد من الجنود الإسرائيليين النار عليها بدم بارد. وفقًا لما تقول شرطة إسرائيل، نشرت دارين صورة إسراء، وكتبت تحتها: 'سأكون أنا الشهيدة القادمة'.

النظام الإسرائيلي العنصري، كما إعلامه وجمهوره، يعرّفون كلّ فلسطيني يطلق عليه الإسرائيليون النار على أنّه 'مخرّب'. وفي العبرية هو 'مِحَبل' – تعبير تمّ اختراعه خصّيصًا لنزع الصفة الإنسانيّة عن مناضلي المقاومة الفلسطينية؛ فهؤلاء وفقًا لذلك، ليسوا حتى 'إرهابيّين' عاديّين. وبينما رأى كلّ عربيّ بأمّ عينيه – في الشريط المصوّر – أنّ إسراء لم تعتدِ على أحد، واستنتج وفقًا لذلك أنّ أيّ شخص عربيّ قد أصبح الآن عُرضة لإطلاق الرصاص عليه دون سبب؛ فإنّ الإعلام الإسرائيلي - بهستيريّته المعهودة - قد فسّر الحدث نفسه على أنه إثبات أنّ أيّ شخص عربيّ يمكن أن يكون 'مخرّب'. (لحسن الحظ أنّ إسراء لم تمُتْ جرّاء جراحها. والجدير بالذكر أنّ إسرائيل أسقطت عنها لاحقًا كلّ تهمة 'أمنيّة'). 

بالنسبة إلى الإسرائيليين، كلّ شهيد فلسطيني هو انتحاريّ بحزام ناسف؛ أمّا بالنسبة إلى الفلسطينيين، فالشهيد ليس فقط المناضل لأجل الحريّة وإنما كلّ ضحية بريئة من ضحايا الاحتلال. وفي هذه الحقبة الدمويّة، جرى تعريف دارين كـ'عدوّ'، ومن هنا فهي محظوظة لأنّها اعتُقلت فقط، ولم يُطلَق عليها الرصاص لتتحوّل إلى شهيدة، مثل آخرين كثيرين.

الدّعوى المقدّمة ضدّ دارين طاطور

بعد اعتقال دارين ومصادرة حاسوبها وهاتفها، 'شمّرت عن أذرعها' أفضل الأدمغة البوليسية الإسرائيلية في الناصرة، لكي تثبت أنّ دارين تشكّل خطرًا أمنيًّا حقيقيًّا، ومن ثمّ 'تخيط' الملفّ الذي سيقود إلى اتّهامها. وفي يوم الإثنين، 2.11.2015، وُجّهت إلى دارين تهمة التحريض على العنف ودعم تنظيم إرهابي. (لم أحصل على لائحة الاتّهام الرسمية، ولكن تجدون هنا روابط إلى تقارير إعلامية بالعربية، والعبرية)

يستند البند الرئيسي في لائحة الاتّهام إلى قصيدة بعنوان 'قاومْ يا شعبي، قاومْهُم' (نشرتها دارين - أو نشرها أحد باسمها؛ لا نعرف، فالقضية ما تزال قيد المداولة القضائية - في شريط مصوّر على موقع 'يوتيوب'). لا تحتوي القصيدة على أيّة مخالفة للقانون، ولا حتى القانون الإسرائيلي المخالف لمبادئ الديمقراطية. ما يُظهره الشريط هو قراءة للقصيدة على خلفيّة مشاهد المواجهات بين الشباب الفلسطيني وقوّات الاحتلال. ولكن هذه المشاهد الأيقونيّة، هي في نظر النيابة الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي صور لنشاط 'إرهابي'.

بند آخر تمحورت حوله لائحة الاتّهام يتعلّق باقتباس من خبر، نُشر في 'ستاتوس' على صفحة فيسبوك دارين طاطور، مفادُه أنّ 'حركة الجهاد الإسلامي تعلن ببيان لها باستمرار الانتفاضة في كل أنحاء الضفة'؛ وكذلك يتضمّن الـ'ستاتوس' دعوة إلى 'انتفاضة شاملة'. يمكنكم أن تتساءلوا وتناقشوا، ما الذي تعنيه هذه الدعوة إلى انتفاضة شاملة؛ ولكن لا يعبّر الـ'ستاتوس' عن أيّ دعم لحركة الجهاد الإسلامي. إنّه خبر صحفي، وكان الممكن أن يُنشر، بالعبارات نفسها، عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية... ولكن الفلسطينيين مشبوهون دائمًا في أنّهم لا يحبّون مضطهديهم حقًّا.

لقد بلغ الأمر بالنيابة أن تطالب باحتجاز دارين في بيت منعزل، مقطوع عن الإنترنت، بعيدًا عن محيطها، وتحت حراسة مشدّدة يتطوّع بالقيام بها حارسان يلتزمان بمراقبتها طيلة 24 ساعة يوميًا، ويتحمّلان مسؤولية العقاب الشديد في حال مخالفة شروط الاعتقال المنزلي. لقد اعترضت النيابة على كلّ اقتراح عينيّ يجابه هذه الشروط القاسية، كما استأنفت إلى المحكمة اللوائية على أي قرار لمحكمة الصلح يتساهل، ولو قليلاً، مع دارين.

نتيجة لذلك، قضت دارين أكثر من شهور ثلاثة في مختلف السجون، وعانت ليس فقط ظروف السجن القاسية، وإنّما اقتيادها مرارًا وتكرارًا إلى جلسات محاكمتها. في نهاية الأمر، جرى إبعادُها (في 14.1.2016) من الرينة إلى ضواحي تل أبيب لتقبع رهنَ المنفى والاعتقال المنزلي، في شقّة اضطرّ أخوها إلى استئجارها خصّيصًا لهذه الغاية. لا يُسمح لدارين بمغادرة هذه الشقّة في أيّ وقت. كذلك، جرى تعليق جهاز إلكترونيّ بكاحل رجلها ليرصد تحرّكاتها، إضافة إلى  قليلي الحظ الذين حُكم عليهم أيضًا ملازمة الشقّة ضمنَ التطوّع لحراستها.

الجلسة الأولى في محاكمة دارين

يوم الأربعاء، 13 نيسان، ذهبتُ إلى الناصرة لحضور الجلسة الأولى في محاكمة دارين. جمهور الحاضرين لدعمها كان قليلاً، وقد تضمّن أقاربها، ومحمد بركة – بوصفه رئيس لجنة المتابعة، وعضو الكنيست حنين زعبي.

بدأت النيابة في التأسيس لادّعاءاتها بجلب رجل شرطة قام بترجمة قصيدة 'قاوم يا شعبي' إلى العبرية. لقد كان المشهد سرياليًا تمامًا. القصائد، بطبيعتها، تناقض مطلب 'الإثبات بما لا يقبل الشكّ'، وهو المفهوم الرئيسي في القانون الجنائي. وفيما كان الشرطيّ/الشاهد، 'يكافح' في مجابهة غموض عبارات القصيدة، ويتطوّع مقدّمًا تأويلاته الحدسيّة لتلك العبارات؛ كنّا – نحن الحضور في معضلة، نتمزّق بين رغبتنا العارمة في الضحك عاليًا، وإدراكنا الموجِع أنّ حرّية عزيزتنا دارين رَهْنُ هذا الهُراء.

النيابة والقاضية يواصلون بمنتهى الجدّية تداوُلهم حول التحريض المفترض في القصيدة؛ وهذا مظهر إضافيّ يثبت كيف تُعمي الكراهية والأكاذيب أعينَ الجهاز القضائي الإسرائيلي القمعي. ولكنّ الإثبات الصارخ على غياب العدالة - حتى بمظهرها الشكلي، وعلى إعطائهم قيمة 'صِفْر' لحقوق الإنسان الأساسية التي يمتلكها الفلسطيني، يتمثّل في أنّهم قرّروا بمنتهى الاستهتار استدعاء شرطيّ ليقوم بوظيفة مترجم، رغم أنه لا يملك أيّة أهليّة ليقوم بذلك. أمّا الشرطي/المترجم فقد شهدَ أمام المحكمة بخفّة عجيبة كيف أنّه ليس مختصًّا، وأنّه يقف هنا بفضل ما تعلّمه في دروس الأدب أيّام المدرسة، وحبّه للغة العربية. إنّهم واثقون أنّ بإمكانهم سلب حرّية دارين، استنادًا إلى تأويل قصيدتها، دون حتى أن يكلّفوا أنفسهم إحضار مترجم مؤهّل أو 'مناسب'. (رابط إلى تفاصيل هذه المهزلة)

مطلوب التضامن

قضية دارين طاطور هي مثال آخر صغير على القمع الذي تمارسه إسرائيل بحقّ الفلسطينيين. لم أسمع حتى الآن عن أيّ نشاط تضامنيّ مع دارين، لا داخل فلسطين ولا خارج فلسطين. يمكن تفهُّم ذلك، إذا أخذنا بالحسبان أنّ هناك فلسطينيين من جميع الأعمار يُقتَلون رميًا بالرصاص يوميًا، وآلافًا من السجناء الفلسطينيين (كثيرون منهم أطفال)، ومئات السجناء الإداريّين.

ومع ذلك، فأنا أعتقد أن قضية دارين طاطور تستحقّ اهتمامًا خاصًّا؛ فهي امرأة وشاعرة - تُهمتها الأساسية نشر قصيدة. إنّها فرصة جيّدة للشعراء والكتّاب ليتّخذوا موقفًا ضدّ الاحتلال وممارساته في تجريم أيّ تعبير فلسطينيّ عن الرغبة في الحرية والكرامة.

إضافة إلى ذلك، فإنّ محامي دارين في مرافعته أمام المحكمة أشار إلى واقع التمييز في تطبيق قانون منع التحريض. الإعلام الرسمي الإسرائيلي ووسائل الاتصال الاجتماعي تعجّ بالنداءات التحريضية الدّاعية إلى قتل العرب؛ بل وبعضها يصدر عن حاخامات ومسؤولين كبار في الجهاز السياسي الإسرائيلي. يجب كشف حقيقة هذه الملاحقة 'القانونية' بوصفها ملاحقة عنصرية، لأنها تهدف إلى قمع حرّية التعبير في أوساط العرب الفلسطينيين، بينما يجري غضّ الطرْف عن التحريض الصهيوني. اتّخاذ مثل هذه الخطة الدفاعية هو مصلحة أساسية لعامّة الجمهور العربي الفلسطيني. دارين ومحاميها سوف يحتاجان أقصى حدّ ممكن من الدعم، في الأسابيع المقبلة – سواء في قاعة المحكمة أم خارجها، لأجل أن نجهرَ جميعًا بهذه الحقيقة.

أمسية شعرية يوم الخميس 05/05/2016 ووقفة تضامنية الأحد 08/05/2016

ينظم حراك حيفا أمسية شعرية تضامنا مع دارين طاطور ومع حرية الكلمة، وذلك اليوم الخميس الساعة الثامنة مساء في نادي حيفا الغد، شارع الوادي 50 (في وادي النسناس). وسيشارك في الامسية الكل من الشعراء: هزار يومسف وطارق خطيب ومحمود أبو عريشة وعلاء مهنا وعلي مواسي.

كما يدعو مناصرو دارين الجميع للمشاركة في وقفة احتجاجية أمام محكمة الناصرة قبل جلسة المحاكمة القادمة يوم الأحد القريب الموافق 08/05/2016. تبدأ الوقفة الساعة 12:00 لكي يتمكن الجميع حضور جلسة المحكمة مع دارين الساعة الواحدة ونصف.

 

التعليقات