صابون الناصرة: صناعة تقليدية أصيلة بزيت الزيتون

كانَ زيت الزيتون منذ القِدم أساسًا لحياةِ الأسرة العربية الفلسطينيّة في البلاد، فجني ثمار الزيتون عادةً ما كان يُدرّ الربح والقوت للعائلات، فهو مصدرٌ غذائيّ بالتأكيد، لكنّه كانَ أيضًا يُستعمل لصناعةِ صابون الزيت الطبيعيّ، الذي اغتسل به الناس منذ مئات السنين.

صابون الناصرة: صناعة تقليدية أصيلة بزيت الزيتون

نادر سروجي (تصوير "عرب 48")

كانَ زيت الزيتون منذ القِدم أساسًا لحياةِ الأسرة العربية الفلسطينيّة في البلاد، فجني ثمار الزيتون عادةً ما كان يُدرّ الربح والقوت للعائلات، فهو مصدرٌ غذائيّ بالتأكيد، لكنّه كانَ أيضًا يُستعمل لصناعةِ صابون الزيت الطبيعيّ، الذي اغتسل به الناس منذ مئات السنين.

ومع التطور التكنولوجيّ، عزف الفلسطينيون عن استعمال الصابون الطبيعيّ، مستبدلين إياه بصابونٍ كيميائيّ أرخص ثمنًا بسبب سهولة صناعته وتكلفةِ صنعهِ غير الباهظة، ومن هنا قامت محاولاتٌ في مدينةِ النّاصرة، أكبر مدينة عربية في الداخل الفلسطيني، للحفاظِ على صابون زيت الزيتون ومحاولةِ تطويرهِ ليلائم احتياجات العصر.

 

صابون الناصرة... نحو التجديد

وقال مدير المبيعات في 'صابون الناصرة'، نادر سروجي، لـ'عرب 48'، إنّ 'صابون الناصرة بدأ عمله في العام 2009، وقد اعتمدَ بصناعته للصابون على ثلاثة محاور أساسيّة، أولاً أنّ المركب الأساسيّ في صابون الناصرة هو زيت الزيتون الجليليّ الصالح للاستعمال، وليس الذي فسُد أو غير القابل للاستعمال، وثانيًا لا يتم إنتاج الصابون في ماكينات محوسبة بل بالطرق اليدويّة البسيطة، وثالثًا يتم استخدام الزيوت الأثيريّة الطبيعيّة التي تضاف على زيت الزيتون والزيوت الطبيعيّة الأخرى، ليس فقط لإعطائه الرائحة، بل لفائدة هذه الزيوت للجلد وفقًا لأنواعها المختلفة، كزيت الليمون والبرتقال والصنوبر وحصى البنان والخزامة والعُطرة والباتشولي والنيرولي'.

وأضاف أن 'الصابون التقليديّ سابقًا كان يتم غليه أثناء صنعه، وكان يُستخدم أحيانًا زيت الزيتون الفاسد أو غير الصالح للاستعمال أو الأكل في صناعة الصابون'، لكنهم في 'صابون الناصرة' طوّروا تلك الطريقة وأصبحوا يفحصون درجة الأكسدة قبل استعماله، فإن تبيّن أن درجة الأكسدة لزيت الزيتون هي أعلى من المسموح بها لا يستخدمونه بتاتًا، واستبدلوا غلي الزيت بطريقة حديثة تُدعى 'الطريقة الباردة والبطيئة' وعالميًا تُعرف بِـ'Cold and Slow Process'، للمحافظة على الخواص الطبيعيّة لزيت الزيتون.

وعن هذا قال سروجي، إنه 'لا يُفضل أن نغلي الزيت، أيّ زيتٍ كان، لأنّه يفقد خواصه الطبيعيّة، بل أحيانًا أثناء الغلي يتم إنتاج مواد مسيئة للجلد، وهذا التجديد بطريقة صناعة صابون الزيت جاء بعد دراسة أكاديميّة قمنا بها على مدار عام كامل، وبعد هذه الأبحاث المخبريّة توصلنا إلى نتيجة عدم صلاحية الطريقة المتّبعة، وبهذا قمنا بتجديد الطريقة رغم أنّها تستغرق وقتًا أطول من الطريقة التقليديّة، فهي تستغرق أسبوعين على الأقل حتى يتم تفاعل الصابون الطبيعيّ ويعطي نتائج جيّدة'.

إقبال المجتمع النصراويّ

تخلى الكثير من أبناء الناصرة اليوم عن الصابون التقليديّ، لكنّهم ما زالوا يقتنونه أحيانًا في مناسباتٍ معيّنة، وأكد سروجي أنّه 'يتم شراء الصابون عند ولادة طفل جديد، ففي فترة الحمل وبعد الولادة تشتري النساء صابونا للأطفال على أشكال مختلفة وألوان منوعة تناسب الأطفال، ورغم جمال شكلها إلا أنّ في داخلها توجد الخواص الطبيعيّة لكل صفات الصابون'.

واستطرد أنه 'بدايةً كان الناسُ يجيئون لشراء الهدايا كولادة طفل وعُماد وزيارة مريض، فكانوا يطلبون سلالاً من الصابون، وقد ازداد الوعي اليوم، حسب اعتقادي، حول أهميّة الصابون التقليديّ، فمنهم من يستعمل الصابون الطبيعيّ ويقوم بالاستغناء عن الصابون الكيميائيّ، وخاصةً صابون المستكى الذي لاقى إقبالاً واسعا'.

عودة إلى الطبيعة

وأشار سروجي إلى أنّ 'صابون الزيت والزيتون بدأ بالانتشار مؤخرًا من منطلق العودة إلى المواد الطبيعيّة، ففي أوروبا وأميركا أخذ الناس بالعودة إلى منتوجات الطبيعة الأم، ففي المتاجر هناك زاوية لبيع الخضروات التي رُشوها بمواد كيميائيّة تقتل البكتيريا والجراثيم، وزاوية أخرى طبيعية'.

وأردف أنّ 'هذا ينطبق على الصابون الذي نستعمله بأنّه كيميائيّ، وأيضًا المراهم ومعجون الأسنان، فالمادة التي يخرج منها رغوة اصطناعية تُدعى 'س.ل.س'، وهي مادة كيميائيّة مدمرة لجلد الإنسان، ومن الممكن أن تتسبب بالتهابات وبقع بعد فترة من الاستعمال، بينما صابون زيت الزيتون لا يحتوي على 'س.ل.س'، بل نستبدل هذه المادة بزيت جوز الهند، الذي يخرج رغوة طبيعيّة'.

اقرأ/ي أيضًا| الناصرة: أحياء سكنية جديدة بين فكي التضييق والتمييز

وعن تأثير موسم زيت الزيتون على صناعة الصابون، أجاب مختتمًا أنّه 'تحدث طفرة وشبه ثورة على إقبال الناس على الصابون، ومن هنا أتوجه إلى جميع مدارسنا ومؤسساتنا في التعليم العادي والخاص، كي يخصصوا وقتًا للشرح عن موسم الزيتون وطريقة صناعة زيت الزيتون وأشكاله، كي نرسخ تاريخ هذه الثمرة التي ترتبط بشعبنا'.

التعليقات