النقب: أهالي بير هداج يمارسون حق العودة ويتحدون المستوطنين

قدم أهالي بير هداج نموذجا فريدا مارسوا فيه حق العودة عنوة، بعدما أقدموا في ليلة بلجاء عام 1994 على حمل امتعتهم واصطحبوا ماشيتهم إلى أرضهم، بعدما هُجروا منها إبان النكبة

النقب: أهالي بير هداج يمارسون حق العودة ويتحدون المستوطنين

تظاهر قرابة 5 آلاف عربي من سكان النقب، صباح اليوم الأحد، عند مفرق عسلوج، قبالة مبنى المجلس الإقليمي 'رمات نيغيف'، احتجاجا على استمرار سياسة هدم البيوت، التهجير والتمدين القسري التي تتبعها إسرائيل ضد السكان البدو في النقب.

وبرزت في المظاهرة المشاركة النسائية والشبابية الواسعة، حيث تمكن المتظاهرون من إغلاق شارع 40.

ودعت اللجنة المحلية في قرية بير هداج ولجنة التوجيه لعرب النقب المنبثقة عن لجنة المتابعة، لتنظيم المظاهرة احتجاجا أيضًا على عمليات هدم واسعة شنتها القوات الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، والمضايقات التي يتعرض لها سكان القرية من سكان المستوطنات اليهودية المجاورة.

وقال سلمان بن حميد، المدير العام السابق للمجلس الإقليمي واحة الصحراء والقيادي في قرية بير هداج، لـ'عرب 48' إن تنظيم المظاهرة جاء في أعقاب عملية الهدم الأخيرة، إضافة الى بداية تسويق قسائم بناء في القرية في إطار مخطط حظي بمصادقة ما يسمى 'دائرة أراضي إسرائيل'، وهو ما يعتبره السكان انتقاصا لحقوقهم في مناطق النفوذ، وفي تناقض واضح مع الاتفاقيات المبرمة عامي 1995 و2003 .

وأشار بن حميد إلى أن مطلب السكان هو توسيع مسطحات البناء وتوزيع منطقة النفوذ للقرية، وأوضح أن 'شرطنا الأساسي في أي اتفاق مستقبلي هو ضم المناطق المسكونة لمنطقة نفوذ القرية واسترجاعها من المجلس الإقليمي رمات نيغيف، بهدف الاستثمار فيها بمشاريع زراعية والإبقاء على احتياط أراضي للازدياد الطبيعي مستقبلا'.

كما أكد بن حميد عزم السكان على الثبات على موقفهم، وقال 'إننا من طرفنا سنثبت ونصمد رغم محاولات اقتلاعنا من المنطقة، ونرفض محاولة فرض طوق ومحاصرة بير هداج من رمات نيغيف '.

وعن المماطلة الحكومية بالشروع في التخطيط والاستثمار في القرية، قال بن حميد: 'لم تفعل الحكومة الكثير سوى إقرار مخطط لم ينفذ بعد، وكل مرة يُعيّن مسؤول جديد مديرا لسلطة تطوير وتوطين البدو يعتقد أننا حقل تجارب  وباستطاعته أن يفعل ما لم يفعله العشرات من قبله، وآخرهم يائير معايين وهو مستوطن من مستوطنة نوكديم ونعرف نواياه جيدا'.

'قدم أهالي بير هداج نموذجا فريدا مارسوا فيه حق العودة عنوة، بعدما أقدموا في ليلة بلجاء عام 1994 على حمل امتعتهم واصطحبوا ماشيتهم إلى أرضهم، بعدما هُجروا منها إبان النكبة'

وقال دخل الله أبو مريحيل، أحد سكان قرية بير هداج الذين تعرضت بيوتهم للهدم، إننا 'نشعر بالارتياح بعد المظاهرة والمشاركة الواسعة بعدما عانينا كثرا وتعرضت بيوتنا للهدم وتشردنا'.

وأضاف لـ'عرب 48':  'شرد أكثر من 36 نفرا بينهم رضيع لم يبلغ الأسبوع، وأطفالنا الذين خرجوا في الصباح إلى المدرسة ولم يجدوا بيوتًا تأويهم حين عودتهم'.

وسرد دخل الله قصة معاناة عائلة أبو مريحيل، وقال 'في 2003  تم ترحيلنا من منطقة المقرح المجاورة وقاموا بردم بيوتنا ودفنها بالتراب بالجرافات، ووعدوا بأنهم سيقومون بتوفير مساكن بديلة لنا، حتى أنهم قالوا للشيخ  ’معاك من وادي عسلوج لوادي هداج تزرع وتقلع’، ولكنهم نكثوا وعدهم ثانية'.

وأضاف: قبل مدة أبلغونا عن نية مستوطنة رتاميم زراعة المنطقة التي نسكنها دون ذكر ما سيؤول إليه حالنا، حاولنا التوصل معهم لاتفاق ووعدونا بتوفير قسائم بناء لعائلتنا، وبالفعل توصلنا معهم لاتفاق وفي اليوم التالي، بعد أن توجه  المحامي الموكل من طرفنا لإبرام الاتفاقية، فوجئنا بتراجعهم عن الاتفاق وكان ذلك يوم الخميس، وفي يوم الأحد داهمت الجرافات أراضينا'.

وخلص إلى القول: كل ما نريده هو بيت يأوي أطفالنا، وسنظل صامدين على هذه الأرض رغم الظروف العصيبة.

بدوره قال الناشط الشبابي محمد زنون من قرية بير هداج  لـ'عرب 48'، إن السبب المركزي من وراء المظاهرة هو عمليات هدم البيوت التي شهدتها القرية مؤخرا وتحديدا هدم بيوت عائلة أبو مريحيل، وهي بيوت قائمة منذ سنين مما نعتبره خرقا للوضع القائم، حيث عمدت إسرائيل في السابق التركيز على هدم البيوت حديثة البناء دون التعرض للبيوت القديمة.

وفي معرض حديثه عن دور مستوطنة رتاميم المجاورة في التحريض على سكان بير هداج، قال زنون: نحن تجمعنا علاقة طيبة وحسن الجوار مع جيراننا ولكن سكان مستوطنة رتاميم هم من غلاة المستوطنين، تم استقدامهم من مستوطنات الضفة الغربية ويتصرفون وكأنهم أسياد الأرض مدعومين من الحكومة الإسرائيلية، ويقومون بالتحريض علينا في وسائل الاعلام الإسرائيل ليل نهار.

وأكد زنون أن مطلب السكان هو ضم كافة المنطقة المأهولة بالسكان إلى منطقة نفوذ القرية،  ولخص قائلا إننا 'سنواصل العمل على حشد الناس وتجنيدهم، وندعو الجميع بالمشاركة والحضور والتضامن في خيمة الاعتصام في القرية'.

وأنهى حديثه قائلا إن 'بير هداج صامدة... موحدون في مطالبنا ولن نتنازل عن أي شبر أرض. '

وعن المشاركة الواسعة في مظاهرة اليوم، قال عضو المكتب السياسي عن التجمع الوطني الديمقراطي، جمعة الزبارقة، إنه 'لم يكن هناك انقطاع بل تراجع في وتيرة الاحتجاجات نظرا لحالة الإرهاق التي أصابت الناس، لكن بعد الارتفاع المطرد لحالات الهدم، لم يكن بوسع الناس التحمل أكثر'.

وأضاف الزبارقة: 'أعتقد أن مظاهرة اليوم يمكن أن تكون الطلقة الأولى في العودة للشارع إذا أحسنا من توظيفها والبناء عليها في المرحلة المقبلة.

وأكد الزبارقة أنه لا مفر منن العودة للشارع في ظل المؤشرات عن نية الحكومة طرح مخطط جديد لتهجير الناس، فيجب علينا العودة للشارع وبقوة.

ولفت الزبارقة إلى المشاركة الواسعة من الشباب والنساء، وقال إن 'مشاركة كافة الشرائح هو الضمان لاستمرارية النضال'.

مخطط لإقامة قرية يهودية على أراضي بير هداج

صادقت حكومة بنيامين نتنياهو أواخر العام 2005 على مخطط لإقامة مستوطنة يهودية على أراضي القرية ضمن مسطحها التخطيطي الحالي، فيما يتعارض مع مبادئ التخطيط الإسرائيلية ذاتها.

وتحاول إسرائيل تركيز وحصر سكان بير هداج، التي يسكن غالبيتهم خارج المسطح الحالي والذي يبلغ قرابة 5 آلاف دونم فقط، مقارنة بـ4 مليون دونم ضمن منطقة نفوذ المجلس الإقليمي رمات نيغيف، والذي يسكنه 6 آلاف مستوطن فقط. كما قامت إسرائيل بمحاصرة بير هداج من خلال إقامة المستوطنة التعاونية رفافيم والمستوطنة الدينية 'رتاميم'، التي لا ينفك سكانها، المقربون من أوساط الحكومة اليمينية في إسرائيل بالتحريض على سكان قرية بير هداج، ويعتقد أن عمليات الهدم الواسعة التي شهدتها بير هداج هي بإيعاز من المستوطنين في رتاميم.

تحقيق العودة

وقدم أهالي بير هداج نموذجا فريدا مارسوا فيه حق العودة عنوة، بعدما أقدموا في ليلة بلجاء عام 1994 على حمل امتعتهم واصطحبوا ماشيتهم إلى أرضهم، بعدما هُجروا منها إبان النكبة، وتم تجميعهم في منطقة وادي النعم، التي حولتها إسرائيل مكبا للنفايات الكيماوية.

وقد سكن النقب قرابة مئة ألف نسمة تم تهجير غالبيتهم إلى دول عربية مجاورة، وقد بلغ تعداد اللاجئين الفلسطينيين من قضاء بئر السبع وفقا لإحصاءات فلسطينية قرابة المليون، وقد تبقى 12 ألفا منهم، قامت إسرائيل بتركيزهم في تجمعات سكنية في النقب.

وتقوم إسرائيل بعمليات هدم واسعة للبيوت في النقب طالت أكثر من الف منزل العام المنصرم، في مسعى للسيطرة على الأراضي الشاسعة في النقب والتي تعادل ثلثين فلسطين التاريخية.

ونجح أهالي بير هداج بانتزاع الاعتراف بقريتهم في العام 2004، بعد عقود من النضال أبدوا فيها صلابة وشدة في ظل محاولات إسرائيل المستمرة للنيل منهم والتضيق عليهم، خشية أن تصبح تجربتهم التي بقيت استثنائية مثالا يقتدى به.

وقد سعى أهالي القرية لإقامة قرية زراعية تنسجم ونمط حياتهم وتوصلوا لاتفاقية في هذا الشأن في نهاية العام 2003، إلا أن إسرائيل وبعد أكثر من 13 عاما ضربت بهذه الاتفاقية عرض الحائط، وتحاول اليوم إعادة الزمن الى الوراء والتراجع عن الاتفاقية المبرمة.

التعليقات