28/02/2016 - 07:22

خدشتم حياء بناتنا/ سماح سلايمة

هذا الصراع المجتمعي بين طرف يحاول الاعتداء على الحيز العام والخاص باسم الدين وفرض وصايته وتفسيره للدين، وطرف آخر غالبا ما يكون علمانيا وفي موقف الدفاع، لا تبنوه فوق أكتافي كإمرأة ولا تشيدوه بين أحضاني، فأنا جزء من هذا وذاك ولي رأي بالإس

خدشتم حياء بناتنا/  سماح سلايمة

بعد أيام قليلة سيرسل الغبار في ساحة المعركة في مدينة باقة الغربية، حيث جرى الاعتداء باسم الدين على المربي علي مواسي من قبل أحد رجالات الدين غاضبا ساخطا مستنفرا في أعقاب عرض الفيلم الفلسطيني “عمر” أمام طلاب المدرسة ذكورا وإناث، معلمين ومعلمات، وانقسم  الشارع بين  مؤيد ومستنكر، مصدوم ومهموم.

أثارت القضية الرأي العام في المجتمع الفلسطيني في الداخل، وما أن انتقلت المعركة إلى الحيز الافتراضي وإذ برسائل الدعم  والشجب من كل حدب وصوب تعتلي صفحات “فيسبوك”، تهافتت الأقطاب السياسية والاجتماعية على القرية المدنية أو المدينة القروية المسماة باقة الغربية. وسعى العرب أن يصلحوا ذات البين لينقذوا المدينة من الهاوية والفتنة، ويحافظوا على لُحمة شعبنا كما يقال. 

قرأت وأمعنت النظر في التعليقات والبيانات والأخبار والتحليلات بين "شوية زعران" ولا يتحدثون باسم الإسلام من جهة و"ما فُض فوك شيخنا الجليل”، من جهة أخرى. وتحول الموضوع لخلاف كأنه بين متدينين وعلمانيين بين التخلف والرجعية والتقدم والحرية، بين حق الإبداع وإسماع الصوت وواجب المحافظة على الأخلاق والثوابت الدينية. 

كان مشهدًا جميلا من مشاهد الشعب الفلسطيني بنظري، فرغم كل شيء أفرزت الأزمة نقطة خلاف جوهريه في المجتمع وعلينا معًا استخلاص العبر منها.

بعد أن هدأت قليلا،  قررت أن أحفر قليلا في حيثيات الواقعة من وجهة نظر نسوية، فقد تقاتل رجلان أمامي كإمراة ، ينادي أحدهم بالنضال الوطني مستخدما الفن السابع ليحاكي عقول الشباب الذكور والإناث معًا، أما الآخر يستخدم الدين ليحافظ (برأيه) على عقول الشباب من  العلاقة مع جنس النساء. وهنا مربط الفرس.

 فكيف يفكر أو يجب أن يفكر أو ينظر الشباب إلى الفتايات؟ وما يجب أن تفعله الفتيات وكيف يتوجب عليهن التصرف؟ ماذا يشاهدن؟ ماذا يفعلن بأجسادهن وعقولهن؟

نعم، فلو استمعتم إلى تسجيل المعتدي الملتحي على المربي الملتحي في صفه فلن تجدوا لغة الدين هناك ولا آيات القرآن الكريم أو أحاديث السنة، التي تمنع مشاهدة الفيلم على الإطلاق ، فقد صاح الرجل: "لو أختك شايفته هذا الفيلم، اخ بس، عيب عليكو خدشتو حياء بناتنا”، وعاد يكرر “حياء بناتنا، نساؤنا، عيب عليكو، لو كنت رجلا ابن رجل لواجهتني، أنت ساقط ابن ساقط".

وإذا أمعنا النظر باللقطة التي استفزت مشاعر هذا الرجل المسلم فسترون أنها استفزت فيه الرجل قبل المسلم، حيث بطلة الفيلم هي فتاة ولها موقف وأقامت علاقة جنسية (حميمة كما يفضّل  البعض أن نقول)  مع شاب، والمشكلة هنا، بنظر المعتدي، هي خدش حياء بناتنا كما صاح في وجه المربي عدة مرات.

رجولتنا، كرامتنا، شرفنا وليس إسلامنا.  كأن حياء شبابنا لا يخدش أبدًا أو معدوم أصلا، فشبابنا لا يستحون أبدًا، فهم رجال من صلب رجال! أما الحياء والشرف فهو “منتج شرقي” للبنات فقط، فلا حياء للفتى العربي  ولا شرف له إلا إذا كان يتعلق بأخته أو ابنته أو أمه، أليس هذا هو الرجل الشرقي الحق؟ ذاك الذي يقتل باسم الشرف أخته، ويفعل بالخفاء ما يريد شرط ألا يخدش حياء أنثى؟

 فهو يولد ويموت ويبقى مربوطا بمفاهيم الحياء والعذرية والشرف، وتسري في عروقه الشهامة والبطولة التي تفرز إلى العالم بشكل الفحولة الشرقية المتوهمة.

 وأما أنا الأنثى المرأة والأم لثلاثة أطفال ذكور والتي أعمل يوميًا مع عشرات الفتيات العربيات  المنكوبات من قبل نفس العادات والعقائد الفوقية الذكورية، ماذا أفعل؟ وأين رأيي وكياني وكرامتي عندما أرى مشهد رجل عربي هائج  يهاجم معلما في صفه؟ هل هذا هو عمر الشاب الفلسطيني المناضل الذي سيرسخ في ذاكرتي أم تلك صورة الرجل الذي اقتحم المدرسة؟

 ذاك العربي “حامي الدم” الذي لا يقبل أن ترى نساءه وأخواته موقفا حميميًا حتى لا "تتعلم " من البطلة كيف تحب المرأة رجلا ؟ وطبعا لا حاجة للتذكير ما يعرفه الشباب والشابات وما ينكشفون إليه يوميًا عن العلاقات بين الجنسين، وليس من خلال فيلم “عمر” بل من غيره من الأفلام الهابطة المتوفرة في كل مكان دون رقيب ولا حسيب.

سمعت تسجيل الاعتداء على مواسي مرارا، ولفتت سمعي أصوات نساء في الخلفية  تدعو للابتعاد والهدوء، ورباطة الجأش والرجوع للصف وتحث الأستاذ علي ألا يرد بالمثل، فكن فعلا صوت الحق والعقل، فيما يحاول الرجال السيطرة على المتهجم وإبعاده عن المكان بالصراخ وبأجسادهم أيضًا. أما  كلمة "بناتنا" تعلو بين الحين والآخر . لم أسمع إسلامنا، ديننا، قرآننا إنما بناتنا فقط.

فلنسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية بلا خوف.  فكيف خرجنا من قضية دبكة الشباب والشابات الرمضانية في أم الفحم؟ وكيف تعاملنا مع قضية الماراثون النسوي في الطيرة؟ كلها قضايا نسويه اجتماعية تتعلق بكيان المرأة في مجتمع يقبع تحت وطأة التخلف الفكري والرجعية التي تلبس عباءة الدين، وهي تخفي الذكورية والرجولة المزعومة والمهزومة بفعل الاحتلال، وامتهنت لتحفظ ماء وجهها البحث عن الحرام والحلال بين شفتي امرأة،  فأين هذا البطل من رجل يحاضر في كلياتنا ويلمس فتياتنا فعلا، أليس في ذلك خدش لحياء الفتيات؟ أين هو من المتحرشين جنسيا والمعتدين على الأطفال والفتيات؟  ولماذا لم ينقض على معلم يوسع طفلا ضربا مثلا فهذا الضرب يولد رجلا عنيفا ومهزوزا، ومن المؤكد  أن الضرب لن يصنع رجلا مسلما صالحًا، فلماذا لا تهب بلد بحالها دفاعا عن ذاك الطفل الضحية، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد نتيجة مشهد تمثيلي في فيلم عالمي يتحدث بالأساس عن النضال الفلسطيني والمقاومة. 

هذا الصراع المجتمعي بين طرف يحاول الاعتداء على الحيز العام والخاص باسم الدين وفرض وصايته وتفسيره للدين، وطرف آخر  غالبا ما يكون علمانيا وفي موقف الدفاع،  لا تبنوه فوق أكتافي كإمرأة ولا تشيدوه بين أحضاني، فأنا جزء من هذا وذاك ولي رأي بالإسلام كمسلمة وبالتقدمية كنسوية، فإن كُنتُم فعلا تخافون على مستقبل شعبنا كما تقولون فنحن هنا معشر النساء، جزء من هذا الشعب وهذا النقاش وهذا الدين وسوف نبقى دوما كذلك. 

التعليقات