10/09/2016 - 08:00

عن مخططات الشرطة الجديدة - القديمة

التساؤل الأساس المطروح هنا هو بشأن رفض المواطنين العرب الفلسطينيين في البلاد لهذه الخطة. الخوض في تفاصيل الخطة يظهر أنه ما زال بنظر القائمين عليها فإن المواطن العربي مصدر تهديد أمني والذي يجب "معالجته" بشكل خاص ومنفصل.

عن مخططات الشرطة الجديدة - القديمة

جرى الحديث في الأسابيع الأخيرة عن تفعيل إدارة جديدة للشرطة مختصة بالمواطنين العرب، وهي فكرة قديمة، لكن تم الكشف عن الخطة في بداية كانون الثاني/ يناير من العام 2016 ومضمونها إقامة إدارة مركزية يقف على رأسها 'عربي مسلم والذي يعرف جيدا مشاكل هذا الوسط، ولهذا السبب تم اختياره لهذا المنصب الحساس'، بحسب البيانات الرسمية. سيكون دور هذه الإدارة كما جرى تحديده آنذاك هو 'معالجة مشكلة السلاح غير المرخص، حوادث الطرق وثقافة السياقة، البناء غير المرخص، إطلاق النار في الأعراس ومجالات أخرى'. حسب أقوال وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، فإن 'الخطة ستؤدي إلى تحسين ملموس لجودة حياة عرب إسرائيل ولتقليص الجريمة والعنف في أنحاء البلاد'.

لغة التوجه ليست جديدة  وتتلخص في 'تجنيد مئات المسلمين في الشرطة؛ وجود عربي مسلم في رأس الوحدة يزيد من دافعية الشباب المسلمين للانخراط فيها؛ لأول مرة  تقدم طلبات ترشيح من قبل أكاديميين مسلمين، حيث خلال السنوات 2013-2016 تم تقديم 800-1420 طلب جديد'. في سياق هذه اللغة، يتم تدريب العشرات من المرشحين والمرشحات، إقامة محطات جديدة في سخنين، إكسال، المغار، كفر كنا، طمرة، مجد الكروم، جسر الزرقاء، باقة الغربية، إلى جانب تعزيز محطات قائمة في الناصرة وشفاعمرو وأم الفحم وكفر قاسم والطيبة والطيرة وغيرها. ولا ننسى إقامة محطة جديدة تسمى 'محطة عكا القرى':  ما المنطق من إقامة هذه المحطة بالذات؟ لماذا يرمز هذا الاسم؟ وأي أساليب وإجراءات جديدة سيتم استخدامها؟ بلغة الأرقام: سيتم تخصيص 829 شرطيا جديدا في المحطات الجديدة؛ 448 شرطيا في الوحدات المركزية و73 شرطيا لتولي مهام مثل التحقيق. مجمل الميزانية المخططة: 810 مليون شيكل لمرة واحدة  و572 مليون شيكل سنويا.

التساؤل الأساس المطروح هنا هو بشأن رفض المواطنين العرب الفلسطينيين في البلاد لهذه الخطة. الخوض في تفاصيل الخطة يظهر أنه ما زال بنظر القائمين عليها فإن المواطن العربي مصدر تهديد أمني والذي يجب 'معالجته' بشكل خاص ومنفصل.

من الأهمية معرفته هو أنه في نظر المواطنين العرب فشلت الشرطة فشلا ذريعا في مواجهة حالات العنف والجريمة الحاصلة في القرى والمدن العربية. نتائج أفعال الشرطة واضحة: انخفاض ملموس في الشعور بالأمن الذاتي؛ نسبة منخفضة جدا في الكشف عن منفذي الجرائم؛ تحرير مئات بل آلاف مخالفات السير، تصاعد حدة العنف الشرطي تجاه العربي؛ تطبيق القانون بشكل انتقائي وخاصة التركيز على مجال البيوت غير المرخصة والضرائب، اعتقال الآلاف لأسباب 'أمنية' و 'خرق النظام العام'.

حسب المعطيات التي كشف النقاب عنها مؤخرا فإن 60% من المعتقلين من مجموع 295،654 معتقلا كانوا عربا خلال السنوات 2011-2015. تعكس هذه المعطيات نظرة التمييز والعنصرية المتجذرة في أوساط أفراد الشرطة، الذين يعتقدون أن كل عربي هو خارق لــ 'الأمن والنظام'.  ماذا نتوقع في ظل هذه المعطيات؟ هل إقامة إدارة منفصلة، وبضمنها عشرات المحطات الجديدة، وتجنيد مئات من العرب 'المسلمين'- على حد قولهم تؤدي لنتائج مغايرة أو هي مثابة سكب الزيت على النار؟

هناك مجموعة من الحقائق التي من الضرورة إدراكها لكي نوضح ونفسر مكانة الشرطة في المجتمع الفلسطيني في البلاد. تُعتبر الشرطة من أجهزة السيطرة التي تخفي كثيرا من المعلومات، بالتالي من الصعب معرفة نواياها وحقائقها، وعلى وجه الخصوص يُصبح ذكر هذا الجهاز أكثر حساسية سياسيا في ضوء الحديث عن العنف والجريمة في السنوات الأخيرة. منذ تأسيس دولة إسرائيل، يتم توظيف أفراد الشرطة خاصة في مجال الصراع العربي - الصهيوني، وبالتالي جل اهتمامهم بقضايا الأمن والنظام العام.  كانت وما تزال العسكرة العادية (مواجهة العنف والجريمة العادية) في آخر سلم أولويات الشرطة في ظل  الأوضاع الأمنية المتوترة.

ركزت القرارات على توجيه الميزانيات والموارد لتكوين جهاز المخابرات الداخلي في السنوات 1948-1966 (فترة الحكم العسكري)، ومنذ العام 1974 تم نقل مسؤولية الأمن الداخلي للشرطة بضمنه جهاز الأمن العام (شاباك)، حيث تميز عمل هذا الجهاز بأمرين: المركزية والتسييس والذي يعني أن دور الشرطة الروتيني هو سياسي مرتبط  في المجال الذي يلمس الصراع القومي، المُدرك بمصطلحات سياسية أو أمنية وليس بحيادية تطبيق القانون.  من الواضح، في هذا السياق، أن أي قرار مرتبط بـ'بولسة' وعسكرة المجتمع العربي (محطات جديدة، قوى عاملة، تغييرات تنظيمية) يستند إلى اعتبارات سياسية، ومن دون أي أدنى شك فإن هذه القرارات تؤدي للتعامل مع المواطن العربي بشكل يختلف كليا عن التعامل مع المواطن اليهودي.

هناك تفسيرات مختلفة لتبرير هذا التمييز (مثلا: تفسير ثقافي)، ولكن من ناحيتي أفضل استخدام الاتجاه الذي يؤكد أن المواطنين العرب يُدرَكون كجزء من الصراع القومي الأوسع،  وأن السيطرة الواقعة عليهم هي عنصر أساس متجذر في السياسة الداخلية في إسرائيل، وتتمشى ظاهريا مع  الفصل الواضح القائم بين ادراك الجمهور الفلسطيني المحلي لقضاياه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبين التفكير الاستراتيجي لقادة 'الأمن الداخلي'.

هذا التفكير الظاهر مُوجه ومُميز، ويتلخص بعقلية متخذي السياسات عامة، وقادة 'الأمن الداخلي' خاصة التي تؤكد أن الخط الفاصل بين الفعل  السياسي والفعل الإجرامي المنفذ بواسطة العربي هو دقيق وغير واضح في معظم الحالات، وبالتالي يصبح الفاعل العربي مصدر 'خطر أمني'، مما يتطلب اتخاذ قرارات خاصة على مستوى التخطيط في مجال القوى العاملة، الموارد، الميزانيات وإلخ.

يوجد تناقض واضح وملفت بين الالتزام الرسمي الظاهر نحو 'النظر للجميع على حد سواء' وبين الإحساس المتجذر تاريخيا في المؤسسة الإسرائيلية بأن المواطن العربي مختلف، مُهدِد وبحاجة لاهتمام مميز ومنفصل. من الواضح أن القرارات حول أفضليات السياسة الداخلية 'للأمن الداخلي' نحو العربي تُتخذ على المستويات الرفيعة. القرارات كانت عديدة وفي أعقاب تشكيل كثير من اللجان وصدور كثير من التقارير مثل تقرير 'سياسة الشرطة في الوسط العربي' منذ العام 1985، وتقرير 'لجنة أور' في العام 2000،  التي تؤيد نتائجها أهمية تكثيف التدخل الشرطي في ظل الإدراك السائد في أوساط يهودية مؤثرة حول 'تصاعد الشعور القومي'  لدى العرب وإدراكها أن المجتمع العربي 'خارج السيطرة'.

يسمح الفصل الجغرافي للمناطق العربية بتنفيذ هذه القرارات أو متابعة تنفيذها، لكن هذه النقطة لا تُعتبر مسألة جوهرية في ضوء الحلول التقنية التنظيمية المقترحة وجمود العقلية العسكرية. من الضرورة الوعي للدروس السابقة ولخبراتنا المتراكمة حول الارتباط القائم بين النوايا، الأفعال والنتائج في حالة تطبيق نموذج السيطرة والقمع، ووفقها من الواضح أن النوايا الحقيقية لم ولن تتغير (ومثال: سياسة الدولة في تقسيم المواطنين العرب إلى فئات على أساس ديني، وكما يظهر في عملية تجنيد مرشحين للشرطة)؛ وأن الأفعال تبقى محدودة ضد العربي الذي يتم التعامل معه كمصدر تهديد للأمن والنظام العام؛ مواجهة العنف والجريمة ليس في سلم أولوياتها (بالرغم من الشعارات والأقوال الظاهرة)، وأن النتائج لهذه المخططات ستكون الارتفاع  في عدد العرب المعتقلين على خلفية سياسية، كما تظهرها الإحصاءات الشرطية السنوية وإدراك متخذي القرارات أن هذه الإحصاءات هي مقياس حقيقي لمدى العنف والجريمة المتصاعدة بين المواطنين العرب، وليس مقياس لسياسة الظلم الواقعة عليهم.  

(الكاتب مختص في علم الجريمة والعدالة الجنائية)

التعليقات