07/10/2016 - 09:59

ضوء أحمر: عن استطلاع القناة العاشرة

أظهر الاستطلاع ذاته في القناة العاشرة أن أكثر من 65 في المئة عبروا عن إيمانهم وثقتهم بالأحزاب العربية، وإن بدرجات متفاوتة

ضوء أحمر: عن استطلاع القناة العاشرة

تستدعي نتائج استطلاع الرأي في صفوف العرب الذي نشرته القناة العاشرة الإسرائيلية، أمس الخميس، وبيّنت أن غالبية تصل إلى 70 في المئة تؤيد مشاركة القائمة المشتركة في جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرس، وقفة مع الذات قبل التشكيك في جدية الاستطلاع والادعاء بأن عينة الاستطلاع قليلة (250 مستطلعا تقريبًا) وما إلى ذلك من ادعاءات.

وبدايةً، لا بد من تقدير قرار القائمة المشتركة بعدم المشاركة بمهرجان تأييد إسرائيل في جنازة بيرس، ونأمل بأن يكون نقطة تحول سياسية في أداء القائمة وخطابها. والتحريض الإعلامي الإسرائيلي الذي رافق القرار وما سبقه من اعتقالات في صفوف التجمع، هو فرصة لنعيد السياسة والحديث بالقضايا السياسية إلى الحيز العام والتأثير في الرأي العام العربي.

عودة إلى الاستطلاع الأخير، فقد سبقه استطلاع في شباط/ فبراير العام 2015 عشية تشكل القائمة المشتركة، وأظهر أن أكثر من 60 في المئة من العرب في إسرائيل يؤيدون دخول القائمة المشتركة في حكومة برئاسة يتسحاق هرتسوغ.

من السهل إطلاق تشخيصات وتسميات على هذا الواقع السياسي المقلق، مثل أسرلة وتشوه وأزمة هوية وغيرها، ولا بأس بربط هذه المعطيات بمعطيات أخرى مثل أن 70 في المئة من العرب يفضلون متابعة قضاياهم الحياتية من قبل القائمة المشتركة بدلا من القضايا السياسية مثل الاحتلال.

هذه نتائج متوقعة في واقع سياسي مبتور، مبتور وبلا مشروع وطني وبرنامج سياسي تحرري، والاعتماد فيه على النجومية الفردية والانتهازية في السياسة، تآكل الأحزاب من الداخل بسبب صراعات أنانية داخلية، أو بسبب تحجر فكري أو تكلس تنظيمي، في ظل محاولة للعودة بنا إلى فترة أوسلو وخطاب المساواة في الميزانيات والعدمية الوطنية. لكن الفرق أن حينها كان ما يسمى 'اليسار' يحكم وكانت 'أوهام السلام' في أوجها. وفي المقابل كان أيضًا يجري الإعداد لمشروع وطني وسياسي قومي في الداخل، يلم شمّل  الحركة الوطنية ويشكل حاجزًا منيعًا أمام الأسرلة.

هذا الواقع السياسي المجرد من أي مشروع وطني حقيقي وبعيد المدى، يتجلى بأن المصابين بحب الظهور الفردي والنرجسية والانتهازية،  بدون فكر ولا تنظيم، يتصدرون قائمة الشخصيات المفضلة لدى المستطلعين، ويتجلى بحصر هذه القائمة على نواب في الكنيست، وكأن ليس هناك قيادات سياسية ووطنية خارج الكنيست، وحصر 'القيادة السياسية' و'العمل السياسي' بفهلوية برلمانية وتهريج بلا فكر ولا تنظيم. هذا النمط من الفهلوة هو مؤقت مهما طال ولا يبني شعوبًا ولا مؤسسات وطنية، ويوغل فقط في زرع الأنانية والبحث عن حلول فردية على هامش الهامش في إسرائيل، ويرسخ 'عقلية الواسطة'.

معطيات الاستطلاعات بشأن المواقف السياسية للعرب تنعكس على أرض الواقع بالتراجع الكبير في المشاركة في النشاطات الوطنية القطرية مثل يوم الأرض وهبة القدس والأقصى، قبل أسبوع فقط. وهذا تتحمل مسؤوليته الأحزاب قبل القائمة المشتركة.

لكن الواقع الراهن ليس منزلا من السماء، بل هو نتيجة حالة ترهل تراكمية يساهم فيها بشكل أساسي تراجع دور الأحزاب الوطنية وجمودها التنظيمي، وتحديدا في الصفوف الأولى، وهجوم الإعلام الإسرائيلي على وعي الناس وترهيبهم كما حصل في حالة عدم المشاركة بجنازة بيرس، وانجرار بعض حملة الشهادات الأكاديمية أو ما يطلق عليهم أنصاف المثقفين لهذه الحملة وترويجهم لخطاب الأسرلة.

هذه المعطيات هي ضوء أحمر في وجه كل ناشط سياسي ووطني يرفض أن يتحول نضالنا ههنا إلى 'ستارز واستطلاعات'، وهو تقليد مشوه للاستهلاكية السياسية الغربية، لكن في ظروف من التخلف السياسي  وبدون دولة.

'هذا الواقع انعكس أو يعكس ضعف قيادة الحركة الوطنيةـ بنظر الناس، وبالتالي بتراجع دورها وشعبيتها، في موازاة الحملة الإسرائيلية عليها ومحاولة تصويرها بأنها متطرفة ولا تمثل العرب'

هذه دعوة، لنا الأحزاب والناشطين، لكي نعيد للعمل السياسي الوطني هيبته من خلال عدة خطوات ضرورية، إذ لا أحمل القائمة المشتركة مسؤولية هذا الواقع بالكامل رغم أنها ساهمت به، لكن الأرضية على ما يبدو كانت مهيئة لذلك، لأن الناس خضعت في الأعوام الأخيرة إلى هجمة محمومة فيما لم تجد من يحميها ويطرح لها البديل، فمن الطبيعي أن تخاف الناس وتبحث عن حلول سهلة. وأوجز هذه الخطوات كالتالي:

أولا: سئمت الناس، كما تظهر الاستطلاعات، سياسة الصراخ وبحاجة إلى من يخاطبها بعقلانية واتزان، وليس بالتوبيخ والتهريج. والعقلانية تعني طرح خطاب سياسي مقنع وواقعي، يتبنى قضايا الناس الحقيقية وأولها مواجهة العنصرية، في مكان العمل وفي مكتب التأمين الوطني وفي الجامعة، ومواجهة العنف المستشري في كل مكان.

خطاب لا يحول الهوية القومية والمواطنة الإسرائيلية إلى نقيضين متنافرين بالمطلق، إما هذه أو تلك، وإنما مواطنة في خدمة الهوية القومية، وليس مواطنة بلا هوية قومية، أي مواطنة فردية.

ثانيًا: على الأحزاب الوطنية، وأقصد الأحزاب بالمعني الحقيقي، أن تدرك بأن الناس ليسوا خزانا للأصوات في يوم الانتخابات، وأن على أحزابهم مسؤولية تاريخية في مواجهة هذا الواقع السياسي الخطير، وأن فم الوحش العنصري، كما يحب بعضنا تسميته، ما زال مفتوحا ولم يغلق منذ أكتوبر 2000، وأن الصراعات داخل الأحزاب وفي ما بينها لا منتصر فيها إلا المؤسسة الإسرائيلية، وأن 'الجماهير' لن تكون في الانتظار حتى تصفي الأحزاب حساباتها في ما بينها.

أظهر الاستطلاع ذاته في القناة العاشرة أن أكثر من 65 في المئة عبروا عن إيمانهم وثقتهم بالأحزاب العربية، وإن بدرجات متفاوتة، ما يعني أن الناس تدرك أهمية الأحزاب وتعول عليها، وهذا معطى هام في مواجهة من يريدون الطعن بشرعية الأحزاب وضرورتها، لكنه أيضًا يؤشر إلى أن الناس سئمت من الأداء الحالي للأحزاب لأسباب موضوعية رغم ثقتها بها.

ثالثا: دور أساسي ومركزي لوسائل الإعلام، العربية تحديدا، كذلك لـ'المثقفين' في خلق هذا الواقع المشوه. لأن إعلامنا العربي في الحقيقة هو إعلام خاص وتجاري ولا يحمل مشروعا وطنيا أو سياسيا، بل بالعكس، فإن بعض وسائل الإعلام تضرب مشروعنا السياسي وتروج لقيم مشوهة ولأسرلة، فيما الإعلام الحزبي ضعيف وفي حالة موت سريري، سواء كان جريدة مطبوعة أو صفحة فيسبوك حتى، لنجد أن الصفحات 'النشطة' هي صفحات النواب وليس الأحزاب.

اقرأ/ي أيضًا لرامي منصور: معركة على وجه العمل السياسي

هذا الواقع انعكس أو يعكس ضعف قيادة الحركة الوطنية، بنظر الناس، وبالتالي بتراجع دورها وشعبيتها، في موازاة الحملة الإسرائيلية عليها ومحاولة تصويرها بأنها متطرفة ولا تمثل العرب.

دعا الصديق نمر سلطاني في مقال هنا قبل أسبوع إلى أن 'تعود الأحزاب إلى الناس' بدلاً من الشكوى من ابتعاد الناس عن السياسة، وعودة الأحزاب إلى الناس لن تكون بالطريقة ذاتها المعتمدة اليوم، بل هي بحاجة لنفض الغبار عنها، والتخلص من عقد تقف عائقا أمام تطوير شعبيتها، وحسب القول المنسوب لألفرد أينشتاين بأنه 'لا يعقل أن تستعمل الأدوات ذاتها وتتوقع نتيجة مختلفة'. الأدوات بحاجة إلى تطوير إن لم نقل استبدال تام، وذلك لا يكون إلا بطي صفحة وبدء صفحة جديدة بالمعنى الكامل. فـ'لكل زمان دولة ورجال'، وهذا يصح على الأحزاب كافة.

التعليقات