16/02/2017 - 14:05

دولة السيسي الفلسطينية في سيناء

الرجاء من السيد السيسي أن يترجم تعاطفه مع الشعب الفلسطيني عمليا وميدانيا، بدل أن يطالبهم بإدارة ظهورهم لوطنهم فيتحملون الخزي والعار عبر التاريخ.

دولة السيسي الفلسطينية في سيناء

ترددت أنباء كثيرة عن طرح رئيس مصر، عبد الفتاح السيسي، فكرة إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة وبعض سيناء، ويبدو أن طرحه كان ارتجاليا، ولم تكن الفكرة وليدة تفكير ومناقشات وجدل. طرحت الفكرة على النمط العربي التقليدي على اعتبار أنه يستطيع التصرف بأرض مصر كيفما يشاء دون العودة إلى شعب مصر أو المجالس التي تمثل الشعب. بكل سهولة طرح السيسي الفكرة وكأن أرض مصر أملاك خاصة به، وبإمكانه أن يقتطع جزءا منها لحل مشاكل الآخرين. هذا التصرف وما شابهه قتلنا نحن العرب، وعبر عن نمطية استبدادية، وعن نزعة أنا الدولة والدولة أنا.

من ناحية أخرى، يفترض الطرح المنسوب للسيسي، والذي لم يقم بنفيه حتى الآن، أن على الفلسطينيين أن يتنازلوا عن وطنهم، وأن يقبلوا بوطن آخر حتى لو كان جزءا من فلسطين مشمول به. من الناحية الوجدانية والعاطفية، أغلب الشعب الفلسطيني ينظر إلى الوطن العربي على أنه وطنه، لكن الواقع الإداري ومواضيع السيادة تبقى محترمة فلسطينيا ما دامت الوحدة العربية غير متحققة. معظم أبناء الشعب الفلسطيني يعتبرون أهل مصر أهلهم، والأحزان والأفراح مشتركة، ولا تمييز بين عربي وآخر، لكن لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يقبل بديلا عن وطنه. الأوطان ليست للمقايضة والمساومة، ولا موضوع تنازل وتفريط. الأرض هي حاضنة الثقافة والتراث، وهي مسقط الرأس وهي الذكريات، وهي الحياة والممات. في أحضان الوطن يترعرع المرء، ويكبر ويعمر ويبني البيت، وبين إخوانه وأخواته يحيى ويشعر بطعم الحياة والتفاعل الاجتماعي. تراب الوطن مروي بعرق الجبين وبدماء الشهداء، ومغمور بجهود الذين قدموه على أنفسهم، وضحوا بالغالي والرخيص من أجل أن يبقى رمز كرامتهم وعزتهم وفخارهم وشعورهم بالعزة والفخار. الوطن يعيش في وجدان مواطنيه، وتتدفق عواطفهم ومشاعرهم نحوه، وهو الذي يجعل للإنسان قيمة واحتراما. ومهما قسا الوطن، يبقى هو العنوان وهو المحج، وهو دائما الدافع نحو العمل الجماعي والتعاون المتبادل لتحقيق الأهداف المشتركة التي تجمع المواطنين وتوحدهم في السراء والضراء.

الرئيس السيسي لا يرى كل هذا ويظن أن الوطن مجرد قطعة أرض يمكن مقايضتها أو عرضها في السوق فتباع وتشترى. لقد أخطأ السيسي وذهب بعيدا، فشعب فلسطين لا يتنازل عن وطنه ولن يساوم على الرغم من أن بعض مواطنيه قد دخلوا في لجج المساومات الظلامية. فلا يجب أن يقيس السيسي شعب فلسطين وفق مسطرة المساومين.

مشكلة الشعب الفلسطيني ليست إقامة دولة يا سيادة الرئيس السيسي. مشكلتهم الأولى تتمثل في حق العودة، والثانية في حق تقرير المصير. الذين يتبنون فكرة الدولة يريدون إقامة دولة بلا شعب، والمنطق يقول إن وجود شعب ركن أساسي في إقامة الدولة. يعود الشعب الفلسطيني إلى وطنه أولا، ثم يحصل على حق تقرير المصير. وإذا قرر الشعب بعد عودته أن مصيره يتطلب إقامة دولة على سيناء، فسيبعث بطلب إلى الشعب المصري للتنازل عن سيناء أو جزء منها لإقامة الدولة. وإن شاء الله سيرفض الشعب المصري الطلب ويرد على الفلسطينيين بأن عليهم تحرير وطنهم.

وهل استشار السيد رئيس مصر إسرائيل في ما إذا كانت توافق على إقامة دولة فلسطينية بجوارها بخاصة أن ملايين الفلسطينيين سيهجرون مخيمات الشتات ويتدفقون إلى دولتهم الفتية. إسرائيل ترفض إقامة دولة فلسطينية على جوارها مباشرة لأنها تعتبر الأمر مسألة أمنية خطيرة. إسرائيل لا تأمن جانب الفلسطينيين وإذا كانت ستوافق على إقامة دولة فإنها ستطلب إقامتها شرقي الأردن أو شرقي الفرات سواء في العراق على أرض الأنبار أو في سورية على أرض الجزيرة. أما أن تسمح بإقامة دولة فلسطينية يستطيع مواطنوها استهداف إسرائيل بأقل الأسلحة كفاءة ومدى فغير وارد. وهل بإمكان السيسي أن يفرض رؤيته لموطن الدولة الفلسطينية على إسرائيل إن هي رفضت؟ وحيث أنه يطرح سيناء كبديل لفلسطين، فإنه يعبر عن عجزه وعن عجز البلدان العربية عن زحزحة إسرائيل عن مواقفها، فإنه استنتاجيا لا يستطيع فرض حل لا تقبله إسرائيل.

إذا كان السيد السيسي يتألم بآلام الفلسطينيين، فليتفضل بفتح معبر رفح أمام المرضى وطلاب الجامعات والموظفين الذين يعملون خارج قطاع غزة. رأفة حامل السكين غير مقبولة، ولا يمكن أن تكون متوفرة.  شعبنا الفلسطيني في غزة يعاني كثيرا بسبب عدم مرونة مصر في التعامل مع الأنفاق ومع معبر رفح. إغلاق المعبر يسبب لشعبنا الآلام والأحزان، والعديد من المرضى توفوا بسبب إغلاق المعبر فترات طويلة، والعديد من الطلاب فقدوا مقاعد الدراسة بسبب هذه المأساة. ولا يجوز لأحد أن يبتسم بوجه فلسطين وهو يحمل ساطورا يجز الرقاب.

تشكل الأنفاق شرايين حياة بالنسبة لغزة، وهي تريح الناس أخلاقيا من حيث أنها تمكنهم من شراء البضائع المصرية بدل الإسرائيلية. الأنفاق نافعة اقتصاديا ومعيشيا لأهل مصر ولأهل غزة، وبالرغم من ذلك خضعت مصر للضغوط الخارجية وأصرت على تدمير الأنفاق.

لذا، الرجاء من السيد السيسي أن يترجم تعاطفه مع الشعب الفلسطيني عمليا وميدانيا، بدل أن يطالبهم بإدارة ظهورهم لوطنهم فيتحملون الخزي والعار عبر التاريخ.

التعليقات