09/03/2017 - 12:36

"حماس" والانسحاب إلى الداخل

تقر هيئات حركة "حماس" قريبًا وثيقة سياسية ستشكل ربما تغير ملامح هوية الحركة السياسية والأيديولوجية، وذلك بالتوازي مع استكمال انتخاب هيئاتها القيادية، التي يتوقع أن تنصب إسماعيل هنية رئيسًا لمكتبها السياسي.

تقر هيئات حركة "حماس" قريبًا وثيقة سياسية ستشكل ربما تغير ملامح هوية الحركة السياسية والأيديولوجية، وذلك بالتوازي مع استكمال انتخاب هيئاتها القيادية، التي يتوقع أن تنصب إسماعيل هنية رئيسًا لمكتبها السياسي.

ومع انتخاب هنية الذي سيخلف خالد مشعل، تكون الحركة قد نقلت آخر ثقل سياسي لها ممثلا بزعيم الحركة إلى داخل الوطن المحتل، لتلحق بذلك بالفصائل الفلسطينية المركزية مثل "فتح" و"الشعبية" وغيرها، التي انتقلت قياداتها إلى الوطن في أعقاب انتقال مركز ثقل العمل الوطني إلى ساحته.

الانتقال إلى داخل الوطن فُرض على "حماس" التي ضاقت بها ساحات الوطن العربي، خصوصًا في أعقاب ما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي"، التي عصفت بأنظمة وزعزعت أخرى وأشعلت نزاعات محلية وإقليمية، لم تنجح رغم كونها حركة مقاومة فلسطينية بالنأي بنفسها عنها وذلك بحكم اشتباكها المعنوي والأيديولوجي مع بعض مكوناتها، خصوصًا في الساحتين المصرية والسورية.

لقد شكلت الحالة الإقليمية الناشئة رغم أنها متحولة ومؤقتة، فرصة سانحة لإسرائيل للتعجيل باستكمال حلمها الكولونيالي ببسط شرعية استيطانها على كامل أرض فلسطين التاريخية، بعد تحييد الدول العربية ذات العلاقة عن الشأن الفلسطيني، واستغلال التناقضات العربية لتكريس الانقسام الجغرافي والسياسي الفلسطيني، واستغلاله لمواصلة عزل قطاع غزة واحتواء الضفة الغربية على طريق ضم أجزاء منها، وإبقاء أجزاء أخرى ضمن واقع سلطة الكانتونات والتنسيق الأمني.

إسرائيل استثمرت إلى أبعد الحدود عزلة "حماس" الإقليمية (حالة عدم الاستقرار التي تسود علاقاتها في الساحتين السورية واللبنانية، الناتجة عن الوضع في سورية وتردي علاقتها مع نظام المصري بقيادة الجنرال السيسي، وصراع القوة الذي تخوضه مع حركة "فتح" وسلطة رام الله)، واستغلت ذلك لإطباق طوق العزلة والحصار عليها وعلى قطاع غزة الذي تديره، كما استثمرت هذا الوضع بالتوازي أيضًا لإضعاف سلطة أبو مازن وتعميق تبعيتها، فهي في الوقت الذي تنسق فيه مع نظام السيسي علنا لمحاصرة "حماس" تنسق هي ونظام السيسي مع محمد دحلان خفية لإضعاف سلطة أبو مازن، ما يعني بالمحصلة تهميش العامل الفلسطيني واستبعاده من معادلات الصراع الدائر في المنطقة.

وعودة على بدء، فإن الوثيقة السياسية التي ستقرها هيئات "حماس" الشهر المقبل ستؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود عام 1967، لكن من دون الاعتراف بإسرائيل، وتعلن فيها فك الارتباط بجماع "الإخوان المسلمين".

الوثيقة التي كانت محل تداول ونقاش في هيئات الحركة خلال عامين تقريبًا، تحاول "حماس" من خلاله إعادة تعريف نفسها، بما يتلاءم مع المستجدات والتحديات التي تعترضها، ساعية إلى تجاوز الأزمات مع الدول الإقليمية والغربية، والخروج من طوق العزلة العربية والدولية.

ورغم أن الحركة ترفض اعتبار الوثيقة بديلا عن ميثاقها التأسيسي، الذي أرسته قبل 29 عاماً وترفض اعتبار الوثيقة بديلاً للميثاق، وتعتبرها مكملة له، إلا أن تجارب حركات فلسطينية سابقة على غرار حركة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية، تخبرنا الكثير عن جدلية مثل هذه العلاقة، ناهيك عن أن مصادر "حماس" نفسها تقول إن الوثيقة "ستكون بمثابة هوية حماس، لأنها كتبت أصلاً بهدف إجراء تعديلات على الميثاق، وهي تراعي الواقع الحالي للحركة التي أصبحت كبيرة وممتدة وتحكم قطاع غزة، ولها أذرع في الإقليم وعلاقات وعداوات، ما يختلف تمامًا عن واقع حركة ناشئة قبل 30 عاماً".

الوثيقة ستمد جسورًا بين حماس والدول الغربية والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، إذا شئتم، من خلال الموافقة على إقامة دولة على حدود 1967، "دون الاعتراف بإسرائيل أو التفريط بالأرض"، وضمن التشديد على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وهي قضية كانت قد وافقت عليها "حماس" ضمن جلسات وتفاهمات المصالحة مع "فتح".

كذلك ستستبدل الوثيقة مصطلح اليهود بـ"المحتلين"، لتنزع عن نفسها اتهامات معاداة السامية، حيث ستحدد الوثيقة الصراع بأنه صراع مع الاحتلال، ولن تتطرق إلى اليهود باعتبارهم أعداء.

كما ستعل"الوثيقة انسلاخ الحركة عن أي ارتباط تنظيمي بأي جهة أو جماعة خارجية"، في إشارة إلى تنظيم "الإخوان المسلمين"، وتعلن إنها تنظيم فلسطيني إسلامي وطني مستقل بالقرار، تقوم علاقتها مع جميع الأطراف على قاعدة قربها لفلسطين، وأنها لن تتدخل في أي شأن داخلي لأي دولة أو جهة أو جماعة، وأن صراعها الوحيد وبندقيتها موجهة فقط إلى الاحتلال الإسرائيلي.

"إعلان البراءة" من الإخوان لا يهدف فقط إلى تجاوز أي اتهامات دولية لـ"حماس" بالإرهاب، ورفع وإزالة اسمها وأسماء مسؤوليها من القوائم الدولية للإرهاب فقط، بل يهدف أيضا إلى مد جسور تواصل وإعادة المياه إلى مجاري العلاقة مع النظام المصري، الذي يتحكم بأحد منفذين للقطاع على العالم، والثاني تتحكم به إسرائيل.

وتترافق الوثيقة المذكورة، بما تحمله من تحول نوعي في توجهات "حماس" الأيديولوجية والسياسية، مع تغييرات في بنية قياداتها الفوقية وانتقال مركز ثقلها السياسي إلى داخل الوطن، كذلك فإنها تشكل قاعدة صالحة، من جهة، لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وصالحة أيضًا لتكون تأشيرة مرور لـ"حماس" من المعابر الإقليمية والدولية، إذا ما أرادت توطيد سلطتها وحكمها في قطاع غزة. ولن يعتقد عاقل أن الحركة "تتخلى" عن برنامجها الإستراتيجي وعن بعدها العقائدي، لتقوم بتسليم سلطة القطاع لمحمود عباس.

التعليقات