11/05/2017 - 15:50

قانون "الدولة اليهودية" لبنة أخرى في مبنى الأبرتهايد

الفرق بين الاستعمار الاستيطاني في جنوب أفريقيا ونظيره في فلسطين، هو أن الأول لم يقم بتهجير السكان الأصليين ولهذا السبب "اضطر" إلى تأسيس نظام فصل عنصري "أبرتهايد" ليتمكن من فرض حكم الأقلية المهاجرة والمستعمرة على الأغلبية الباقية في وطنها.

قانون

الفرق بين الاستعمار الاستيطاني في جنوب أفريقيا ونظيره في فلسطين، هو أن الأول لم يقم بتهجير السكان الأصليين ولهذا السبب "اضطر" إلى تأسيس نظام فصل عنصري "أبرتهايد" ليتمكن من فرض حكم الأقلية المهاجرة والمستعمرة على الأغلبية الباقية في وطنها، في حين اعتمد المشروع الصهيوني في فلسطين على اقتلاع وتهجير أهل البلاد الأصليين عبر عملية تطهير عرقي حولت الأقلية المستعمرة إلى أغلبية وقذفت بغالبية الفلسطينيين إلى خارج حدود الدولة، ولذلك تمكن من تأسيس نظام "ديمقراطي" يفاخر به نظرائه من حالات الاستعمار الكولونيالي القليلة.

المفارقة أن نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا تأسس وتحول إلى سياسة رسمية ومعلنة أيضا عام 1948، بعد أن تسلم مقاليد الحكم الحزب الوطني اليميني الأفريكاني الأبيض، الذي نقش على رايته استمرار سيطرة العرق الأبيض على البلاد والاستيلاء على أراضي السكان الأصليين من خلال سن قوانين عنصرية تقوم على أساس تفضيل المستعمرين البيض على أهل البلاد الأصليين.

وإن كان المستعمرون في جنوب أفريقيا قد مارسوا التطهير وإخلاء السود من غالبية مناطق البلاد وحصرهم في معازل غير متصلة جغرافيا "بانتستونات"، شكلت 13% فقط من أرض جنوب أفريقيا التاريخية، فإنهم كانوا أرحم من الحركة الصهيونية بأن أبقوا عليهم داخل بلادهم ولم يقوموا باقتلاعهم من وطنهم والقذف بهم إلى خارج الحدود.

الصهيونية حَلَّت بهذه الطريقة إشكالية الأغلبية والأقلية وصار بإمكانها تأسيس نظام حكم "ديمقراطي"، وفق ما نص عليه قرار الأمم المتحدة 181 المعروف بقرار التقسيم، والذي طالب بأن تلتزم الدولة العتيدة بمنح حقوق إنسان لكل مواطن كاملة ومتساوية لكل إنسان، دون تمييز في الدين والعرق والجنس، واضعة تأمين تلك الحقوق وحمايتها دستوريا كشرط للنظر بإيجاب لضم الدولة العتيدة للمنظمة الدولية التي ستراقب بنفسها تنفيذ هذا الالتزام. 

في هذا السياق يخلص الكاتب ب. ميخائيل في مقال نشره في "هآرتس" مؤخرًا، إلى نتيجة أن الفصل الذي يتحدث عن الحقوق في وثيقة استقلال إسرائيل (والذي طالما فاخرت به) هو فصل إجباري ولم يأت بسبب الطبيعة الديمقراطية للدولة أو بكرم أخلاق مؤسسيها، بل استجابة لاشتراطات الأمم المتحدة المنصوص عليها في قرار التقسيم والتي كان سيتوقف عليها قبول إسرائيل أو عدم قبولها في الأمم المتحدة.

إلا أن الموديل الذي استخدمته الحركة الصهيونية عام 1948 لم تستطع استخدامه خلال احتلال عام 1967، فبالرغم من تهجير مئات الآلاف من الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، إلّا أن الغالبية العظمى بقيت في المناطق الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وشكلت ولا زالت مشكلة سياسية وديمغرافية أعاقت تنفيذ مخططها في توطيد مشروعها الكولونيالي على كامل فلسطين التاريخية.

وبعد مرور نصف قرن على احتلال 67، نشأت في الضفة الغربية أقلية استيطانية، تسعى إلى الهيمنة على أغلبية سكانية بقوة الاحتلال وعبر آليّات وتشريعات تفضيلية شكلت، إلى جانب تحول ما كان يفترض أن يكون بالنسبة للفلسطينيين خشبة القفز باتجاه الدولة، أمر واقع دائم، بدا وكأنه صمم مسبقا ليشكل بنية تحتية لنظام أبرتهايد، واقع فيه مدن فلسطينية تتمتع بحكم ذاتي بالقدر الذي يسمح به الاحتلال،  لا تواصل جغرافي بينها يدخلها سكانها عبر بوابات وحواجز الاحتلال، بينما يسرح المستعمرون البيض (المستوطنون) ويمرحون تحت حراسة الجيش الإسرائيلي في غالبية مساحات الأرض (أكثر من 60% التي تعرف بالمنطقة ج).

تلك الأقلية تستولي (بسلطان الجيش) بالإضافة إلى غالبية الأرض، على جميع الموارد الطبيعية والفضاء والمداخل والمخارج والممرات الحيوية وتتحكم بتفاصيل حياة الفلسطينيين في هذه المعازل، بينما تمارس بشكل مباشر وعبر أدوات وآليات دولتها الكولونيالية "تطهير عرقي" شبيه هذه المرة بالتطهير الذي مورس في جنوب أفريقيا بهدف "تنظيف" المنطقة ج من الفلسطينيين وحشرهم في المعازل المخصصة لهم.

  في جنوب أفريقيا، أيضًا، اعترفت حكومة الفصل العنصري بالبانتستونات كأقاليم مستقلة، بحيث يكون لكل منطقة رئيس من الشعب الأصلي وعلم ونشيد وطني، لكن هذه البانتوستونات بقيت تحت سيادة الحكومة المركزية لدولة جنوب أفريقيا، تعتمد عليها بشكل كامل في الجانب المالي، وفي العلاقات الخارجية، وقد وُضعت لكل بانتوستان أجهزة أمنية أيضا، وظفت الجزء الكبير من أهاليها الأفارقة، ليس للدفاع عن أمنهم، بل للدفاع عن مصالح حكومة الأبارتهايد، وأمن المستوطنين". 

نستذكر ذلك ونحن نشاهد صورة طبق الأصل في الواقع الفلسطيني، فلم يبق من أوسلو سوى البانتستونات والتنسيق الأمني، بينما تعمل حكومة اليمين الاستيطاني على تعزيز الاستيطان على الأرض وتشبيك دولة المستوطنين في الضفة الغربية بالدولة الأم وإرساء البنية القانونية والسياسية، لما قد نسميه نحن بنظام أبرتهايد هو بلغتهم منظومة قانونية تضمن التفوق الصهيوني اليهودي، حتى في حال فقدان الأغلبية العددية بعد ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل.

لقد عبرت افتتاحية صحيفة "هآرتس" التي اعتبرت "قانون يهودية الدولة" حجر زاوية لنظام الأبرتهايد، عن ذلك بالقول إن أي وضع يتم فيه صيانة يهودية الدولة ليس خلال الأغلبية اليهودية، بل من خلال قانون مميز يتم تطبيقه بقوة البوليس، بعد تحول اليهود إلى أقلية، هو غير ديمقراطي ولن يدوم.

التعليقات