سورية ومنظمة التحرير نحو صفحة جديدة: تشاور وآليات تنسيق تشمل لبنان

أبو مازن: "التنسيق والتشاور ضروريان حتى لا يخسر أحد منا، أو حتى لا يستغل موقف أحد منا من قبل إسرائيل. نريد أن نمشي سويا"‏

سورية ومنظمة التحرير نحو صفحة جديدة: تشاور وآليات تنسيق تشمل لبنان
فتحت صفحة جديدة في العلاقات السورية الفلسطينية، لعل أبرز ملامحها اللقاء بحد ذاته بين القيادة السورية وبين الوفد القيادي الفلسطيني الى جانب محاولة احياء روح التنسيق الثلاثي الذي يضم لبنان ايضا، من دون ان يعني ذلك صراحة التجاوز الكامل للتعقيدات التي خلفتها مرحلة اوسلو على العلاقات. ‏

الا انه بدا من تصريحات المسؤولين السوريين والفلسطينيين ان محادثات اليوم الاول للوفد الفلسطيني الذي ضم رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) ورئيس الحكومة احمد قريع ووزير الشؤون الخارجية نبيل شعث، شهدت اكثر مما هو متعارف عليه رسميا في مثل هذه اللقاءات.

وفيما اكد الرئيس السوري بشار الاسد على "دعم سوريا لنضال الشعب الفلسطيني ووحدته الوطنية ووقوفها الى جانبه فى مواجهة الاستحقاقات القادمة"، شدد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع على اهمية التنسيق الثلاثي السوري الفلسطيني اللبناني، مذكرا بانه ليس مطلب الاطراف الثلاثة وحدها، وانما مطلب كل العرب. ‏

وبينما اعرب الشرع عن امل دمشق بنجاح الحوار الوطني الذي يجري بين القوى الفلسطينية، تحدث ابو مازن عن اهمية التشاور والتنسيق مع دمشق "حتى لا يخسر احدنا الاخر ولا تستغل اسرائيل الموقف". اما شعث فقد تحدث عن "تحسن حقيقي" في العلاقات بين الطرفين وعن اهمية التشاور "حتى لا يتم الاستفراد بنا في حرب المسارات" التفاوضية، مشيرا ايضا الى ان المحادثات تناولت قضية وضع مخيمات اللاجئين في لبنان والى ان ‏

دمشق تدعم تحسين اوضاع الفلسطينيين فيها، وهو ما سيكون من بين المواضيع التي سيبحثها الوفد الفلسطيني في بيروت غدا. ‏

وفي ما قد ينعكس ايجابيا على الساحة الفلسطينية الداخلية، عقدت ليلا لقاءات جمعت ابو مازن مع قادة حركة حماس والجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية القيادة العامة، على ان تستكمل اليوم بلقاءات مع غيرها من الفصائل. ‏

واذا كانت المحادثات السورية الفلسطينية لم تؤد الى اتفاق على "توحيد المسارات" التفاوضية مثلما اشارت وكالة "اسوشييتدبرس"، فانها اثمرت اتفاقا بين القيادة السورية والوفد الفلسطيني الابرز الذي يزور دمشق منذ سنوات، على آليات للتشاور والتنسيق خاصة في اطار عملية التسوية في المنطقة "في حال استؤنفت" المفاوضات، حسب ما اشار الشرع. ‏

وذكر البيان الرئاسي السوري ان اجتماع الاسد مع الوفد الفلسطيني تناول "الاوضاع في الاراضي الفلسطينية المحتلة والتحضيرات الجارية للانتخابات الفلسطينية"، حيث اكد الأسد "دعم سوريا لنضال الشعب الفلسطيني ووحدته الوطنية ووقوفها الى جانبه فى مواجهة الاستحقاقات القادمة". ومن جهته، أكد ابو مازن "على اهمية التشاور والتنسيق السوري الفلسطيني لمواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة". ‏

وحول اجتماع الشرع مع الوفد الفلسطيني في مقر وزارة الخارجية ذكرت وكالة الأنباء السورية أنه تم "التأكيد على اهمية تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الركيزة الاساس لاستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وتحقيق تطلعاته في الاستقلال والعودة واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني". واتفق الطرفان "على آليات للتشاور والتنسيق خلال المرحلة القادمة خاصة في ما يتعلق بالعمل من اجل احلال سلام عادل وشامل فى المنطقة". ‏

وقالت مصادر مطلعة أن "آلية للاتصالات بين الجانبين وضعت للتغطية على غياب إمكانية اللقاء الدائمة". ‏

وفيما لم تنف المصادر وجود اختلاف في وجهات النظر بين الطرفين حول أمور وقضايا مختلفة إلا أنها ركزت على "الأجواء والنتائج الإيجابية للقاء"، معتبرة أن "الوضوح، كان دائما مطلبا للسوريين في علاقتهم مع الفلسطينيين". ‏

وفي المؤتمر الصحافي الذي جمع الشرع وأبو مازن قال المسؤول الفلسطيني انه قدم للأسد شرحا تفصيليا عما جرت عليه الأمور في الداخل بعد رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. واضاف أن الطرفين وضعا "كل الأمور التي تهمنا على الطاولة من أجل تشاور مستقبلي، من أجل تنسيق مستقبلي، لأن القضية والقضايا الموجودة في الشرق الأوسط تهم الأخوة في سوريا وتهمنا بالمستوى ذاته ولا بد لنا من التعاون". ‏

وفيما قال أبو مازن أنه خلال اللقاء مع الأسد اتفق على "البدء بالتشاور" ومن ثم الانتقال إلى "مرحلة التنسيق"، أوضح "الآن ما يطلب منا وما نطلبه من السوريين هو أن نكون دائما بالصورة. نحن نكون بصورة ما يجري وهم بصورة ما يجري وذلك من أجل التفهم والتفاهم". ‏

وقال أبو مازن أن التنسيق والتشاور ضروريان "حتى لا يخسر أحد منا، أو حتى لا يستغل موقف أحد منا من قبل إسرائيل". وخلص الى القول "نريد أن نمشي سويا". ‏

من جهته قال الشرع أن سوريا "تعلق آمالا كبيرة" على هذه الزيارة". وأضاف أن دمشق تتمنى "أن يأخذ الحوار الوطني الفلسطيني مداه بحيث يحقق المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وهذا بحد ذاته مطلبا وطنيا سوريا ومطلبا قوميا سوريا". ورأى الشرع أن "التنسيق بين الجانبين الفلسطيني والسوري ولا ننسى بطبيعة الحال الجانب اللبناني، هو أيضا مطلب ليس للأطراف الثلاثة وإنما ايضا لكل الدول العربية ولعملية السلام، إذا استؤنفت". ‏

وتابع الشرع "لنكن واقعيين. التشاور وتبادل الرأي هو المرحلة الأولى ويتبعها التنسيق، وإذا أحسنا استخدام آليات معينة متفق عليها يستطيع الطرفان أن يستفيدا منها كل طرف لمصلحة الطرف الآخر، وبالتالي لمصلحة القضية المركزية التي نحن جميعا نسعى لصيانتها، ومفهوم أن جميع المسارات تقوم على قرارات الشرعية الدولية وعلى تحقيق السلام ومن أجل إنهاء الاحتلال أو إنهاء الاحتلال من أجل تحقيق السلام". ‏

وختم الوزير السوري قائلا "هذه المعادلة هي الأساس سواء كنا فلسطينيين أو سوريين أو لبنانيين". ‏

ورأى قريع (ابو علاء) أن "الزيارة هي لتبادل الاراء والتشاور على طريق الوصول الى عملية تنسيق جدية صريحة وواضحة ما بين سوريا وفلسطين ولبنان ومصر والاردن وبقية الاشقاء العرب لاننا نسعى لحل شامل وليس الى حل جزئي في القضية التي نسعى اليها". وتمنى قريع "ان ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني في دمشق". ‏

أما شعث فأشار إلى أن "هناك تحسنا حقيقيا" للعلاقات بين الطرفين ورأى من جانبه أن هذا التشاور مهم "كي لا يتم الاستفراد بنا بحرب المسارات لأننا مؤمنون بحل شامل وعادل لأن الأوضاع الدولية لا تحتمل أن نكون منفردين أو مفترقين، وقد كان الرئيس الأسد في هذا المجال كثير الوضوح وإيجابيا وداعما ولم يترك نقطة إلا وبحثها". ‏

وقال شعث ان "العلاقات الفلسطينية السورية خلال اتفاق اوسلو تخبطت والعلاقات السورية الفلسطينية الان ستكون في تحسن حقيقي في كل النواحي من العلاقات الثنائية الى السياسية القومية حول عملية السلام ككل" بما يؤدي "الى تنسيق في اطار ايجابي جدا". ‏

وسئل شعث في ما إذا تم بحث موضوع المخيمات الفلسطينية في لبنان، فقال أنه تم بحثها مضيفا أن القيادة السورية أكدت أنها "ستدعم" باتجاه إيجاد حلول لأوضاع الفلسطينيين. ‏

وفي ما يخص موضوع ممتلكات حركة فتح قالت مصادر سورية مطلعة أن السلطات السورية "وضعت يدها على هذه الممتلكات وقامت بحجزها لحين الاتفاق على آلية استردادها من قبل الحركة". وأضافت أن قادة الحركة "شكروا سوريا على هذه الخطوة التي على الأقل حفظت الممتلكات من البيع"". ‏

شكلت زيارة الوفد الفلسطيني إلى دمشق مناسبة للقاء قيادات الفصائل المقيمة في دمشق. وقد عقد الوفد اجتماعات متوالية مع كل من قيادة حركة حماس برئاسة رئيس المكتب السياسي خالد مشعل ومع قيادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين برئاسة الأمين العام للحركة الدكتور رمضان شلح. وأعقب ذلك لقاء مع قيادة الجبهة الشعبية القيادة العامة برئاسة أمينها العام أحمد جبريل. ومن المقرر أن تستكمل اللقاءات ظهر اليوم بعد انتهاء الاجتماع المقرر مع رئيس الحكومة السورية محمد ناجي العطري. ‏

وشكلت اجتماعات دمشق مناسبة للقاء للمرة الأولى بين الوفد وبعض القادة الفلسطينيين خاصة ممن لم يشاركوا في حوار القاهرة. وقد عمد أبو مازن وأبو علاء إلى عرض موجز لأهداف الزيارة إلى دمشق وإلى تصور القيادة الجديدة للتطورات المقبلة على الساحة الفلسطينية. وجرى التوضيح أنه إضافة إلى الرغبة في التشاور والتنسيق مع القيادة السورية فإن الحديث تناول موضوع معاناة الفلسطينيين في لبنان. ‏

وأجمع كل من حضر اللقاءات على أن الأجواء كانت إيجابية وودية وأنه بدت لدى الجميع الرغبة في استكمال الحوار والصلات على أمل التوصل إلى اتفاق يخدم القضية الفلسطينية في هذا الظرف العصيب. وحاول كل من أبو مازن وأبو علاء التأكيد على أن ليس في القيادة الفلسطينية الجديدة من يريد الخروج عن الثوابت الوطنية وفي مقدمتها الدولة وحق العودة والقدس. ‏

وقد أشارت جهات فلسطينية إلى أنه ورغم الأجواء الإيجابية التي سادت اللقاءات كان واضحا للجميع عمق الخلاف السياسي القائم بين القيادة الجديدة وقيادة الفصائل في دمشق. ومع ذلك فقد شكلت اللقاءات فرصة لتفاهم يقوم على أن القضية تتطلب تضافر الجميع من أجل التقدم بها نضاليا وسياسيا. ‏

وشددت مصادر فلسطينية أخرى على أن واحدا من اهداف اللقاءات التي جرت وتجري في دمشق هو العمل على تسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية الفلسطينية. وقالت هذه المصادر أن الوفد برئاسة أبو مازن كان معنيا على وجه الخصوص بأمرين: الأول التأكد من أن حركة حماس التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات الرئاسية لا تدعم مرشحا من تحت الطاولة، والثاني أن حماس والجهاد سيقبلان هدنة أو وقفا لإطلاق النار. ‏

ووصل إلى بيروت عند السادسة من مساء أمس، وفد فلسطيني برئاسة مدير مكتب الرئاسة الفلسطينية رمزي خوري، آتيا من عمان حيث سيقابل اعتبارا من صباح اليوم المسؤولين عن شؤون المراسم في كل من القصر الجمهوري، والمجلس النيابي والسرايا، تحضيرا لزيارة الوفد الفلسطيني الى بيروت اعتبارا من ظهر غد الأربعاء. وكان في استقبال الوفد في المطار مدير المراسم في وزارة الخارجية السفير مصطفى مصطفى. ‏

ومن المتوقع أن يقابل أبو مازن والوفد المرافق الرؤساء الثلاثة، وفق جدول مواعيد سيتم ترتيبه اليوم. ‏



التعليقات