هل تفشِل إسرائيل مشروع الجسر المصري-السعودي؟

ليست هذه المرّة الأولى التي يعلن فيها عن إقامة جسر برّي بين السعودية ومصر، وإن كانت هذه المرّة على لسان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، أمس، السبت.

هل تفشِل إسرائيل مشروع الجسر المصري-السعودي؟

ليست هذه المرّة الأولى التي يعلن فيها عن إقامة جسر برّي بين السعودية ومصر، وإن كانت هذه المرّة على لسان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، أمس، السبت.

فالإعلان الأول عن الجسر كان في صحيفة الأهرام المصريّة، عام 2007، بعد زيارة قام بها الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك للسعوديّة، لكنّ مبارك، اضطر بعدها للقول إن 'الإعلان مجرد شائعة لا أساس لها من الصحّة'، رغم أن الجسر المحتمل سيخلّص المصريّين من كوابيس عدّة، أبرزها غرق العبارات التي تنقل فقراء المصريين والسعوديين بين البلدين، فقد شهد البحر الأحمر غرق العديد من تلك العبارات، أهمها حادث عبّارة السلام 98، التي غرقت في الثاني من شباط/فبراير عام 2006 وأسفرت عن مقتل وفقدان أكثر من ألف شخص.

من المقرر أن يَصل الجسر المحتمل بين منطقة جنوبي شرق سيناء (منطقة مدينة شرم الشيخ المصريّة) وإمارة تبوك السعوديّة، مرورًا بجزيرتي تيران وصنافير (المنطقة المعروفة بمضائق تيران) اللتين تنازلت مصر، أمس السبت، عنهما لصالح السعوديّة.

ومن المقرر أن يمتد الجسر على طول 15 كيلومترًا، حيث بالإمكان قطع تلك المسافة بزمن لا يزيد عن 20 دقيقة سفر بالسيّارة، ما يسهّل طريق الحجّ على ملايين الحجّاج.

ولا يمكن الحديث عن مضائق تيران دون التطرّق للحروب المصريّة الإسرائيلية المتعاقبة بين العام 1948 وحتى إبرام معاهدة كامب ديفيد، حيث أولت إسرائيل أهميّة قصوى لـ 'سلامة الملاحة في مضائق تيران'، خصوصًا أن كل السفن المتجهة إلى ميناء إيلات، المنفذ الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر، لا بد وأن تعبر من مضيق تيران.

المخاوف الإسرائيليّة

ووفقًا لمحللين إسرائيليين، خشت إسرائيل في الماضي أن الجسر المحتمل سيساهم في نقل عتاد عسكري وقوّات بين شقيّ الوطن العربي، الذي تفصلها إسرائيل بريًا، حيث يعتبر الجسر أول طريق برّي يصل بين الشقّ الآسيوي من الدول العربيّة والشق الأفريقي منذ نكبة فلسطين، في العام 1948.

لكن إسرائيل، وفقًا للمحللين، نجحت في 'تصفية' إقامته، حيث 'من الممكن الافتراض أنهم في إسرائيل يصلون من أجل أن يبقى الإعلان الجديد حبرًا على ورق' وفقًا لمحللة إسرائيليّة.

التصفية الإسرائيلية لمشروع الجسر جاءت على وجهين، الوجه الأول تمثّل في الفقرة الثانية من المادة الخامسة بمعاهدة السلام المصريّة-الإسرائيليّة، التي تنص على أن مصر وإسرائيل تعتبران 'مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدوليّة المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو إيقاف لحريّة الملاحة أو العبور الجوي، كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من وإلى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة'.

وما يزيد التعنتّ الإسرائيلي أن نقطة الانطلاق المصرية للجسر، هي المنطقة C، التي يحظر على مصر فيها حظرًا تامًا إدخال أي قوّات عسكريّة غير مدنيّة إلى هناك، ما يجعل تأمين الجسر شبه معدوم، ما قد يكرّر حادثة الطائرة الروسيّة، التي فجّرت فوق سيناء، وادّعى تنظيم الدولة الإسلاميّة مسؤوليته عن تفجيرها.

اقرأ/ي أيضًا | هل أصبحت السعودية شريكا في كامب ديفيد؟

إسرائيل، إذًا، أمام ثلاثة خيارات في ما يتعلق بالجسر المصري-السعودي: أولها: السماح بدخول قوّات مسلحة مصريّة دائمة إلى منطقة شرم الشيخ، وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل رفضًا مطلقًا؛ ثانيها، ترك الجسر دون حماية عسكريّة وافية، ما قد يفتح الباب على مصراعيه أمام العمليات الانتحارية التي قد تستهدف السفن الإسرائيلية المارة من تحت الجسر، خصوصًا مع تصاعد العمليات النوعية التي يقوم بها داعش في سيناء المصريّة، والهجمات الدامية التي تتعرض لها القوّات المصريّة من قبل التنظيم، ثالثها، وهو خيار إسرائيل المفضّل، على ما يبدو: إفشال الجسر برمّته.

في إسرائيل يصلّون كي يفشل المشروع

أما الوجه الثاني للتصفية الإسرائيلية للجسر، جاء عن طريق إقناع رجال أعمال مصريّين أن الجسر سيزيد احتمال أن تتحول شرم الشيخ من مدينة سياحيّة هادئة، نائية عن الاضطرابات السياسيّة والاجتماعية للمدن المصريّة الأخرى، نخبويّة، مبنية على الطراز الحديث، يختارها السيّاح ورجال الأعمال المصريين مقرًا لهم، بعيدًا عن فقراء مصر وعشوائيّاتها، إلى مدينة تعجّ بالمصريّين المعتمرين والحجّاج والعمّال العائدين من السعوديّة ودول الخليج العربيّ إلى بلدانهم، ما يضر بصورة المدينة العصريّة، التي دأب مبارك على الترويج لها، خلال العقد الأخير قبل ثورة يناير.

الفوائد الاقتصادية

أما عن الفوائد الاقتصاديّة التي يحملها الجسر المحتمل لسيناء فهي عديدة، أبرزها تصدير النفط من الخليج العربي إلى موانئ مصريّة في شمالي سيناء، برًا، دون المرور بمضيق هرمز، التي تهدّد إيران بإغلاقه بين الفينة والأخرى، ومضيق رأس المندب، الذي أحكم الحوثيّون سيطرتهم عليه قبل عاصفة الحزم، والشواطئ الصوماليّة التي يهدّد القراصنة الملاحة فيها؛ هذه المخاطر كلّها تجعل من موانئ شمالي سيناء، حلًا مفضّلًا آمنًا لتصدير النفط العربيّ إلى أوروبا، ما قد ينبئ بتنمية حقيقة لطالما افتقدتها سيناء.

اقرأ/ي أيضًا | مصر تتنازل عن جزيرتي صنافير وتيران للسعوديّة

نظام السيسي، إذًا، أمام خيارين: إقامة الجسر وتنمية شاملة في سيناء؛ وسط غضبي إسرائيلي وقلق من رجال الأعمال، أو رفض إقامة الجسر وكسب رضا إسرائيل وحاضنته من رجال الأعمال، دون تنمية حقيقة في سيناء، فما الذي سيختاره السيسي؟

التعليقات