عذاب نازحي الموصل منذ 3 سنوات على وشك النهاية

أمام خيمة كانت مسكنه خلال السنوات الثلاث الماضية في مخيم جنوب شرق مدينة الموصل شمالي العراق، يقف محمد النجار، وهو يتأمل المكان الذي سيغادره قريبا عائدا إلى منزله في الموصل بعد طرد مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منها.

عذاب نازحي الموصل منذ 3 سنوات على وشك النهاية

النازحون يعودون للموصل (الأناضول)

أمام خيمة كانت مسكنه خلال السنوات الثلاث الماضية في مخيم جنوب شرق مدينة الموصل شمالي العراق، يقف محمد النجار، وهو يتأمل المكان الذي سيغادره قريبا عائدا إلى منزله في الموصل بعد طرد مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منها.

هذا المواطن العراقي هو ومئات آلاف آخرين كانوا قد نزحوا من الموصل، مركز محافظة نينوى، حين سيطر "داعش" عليها، في 10 حزيران/ يونيو 2014، واتخذها معقلا رئيسا له في العراق.

منذ ذلك الوقت يعيش النجار في مخيم "ديبكة"، على بعد نحو 70 كم جنوب شرق الموصل، في خيمة صغيرة لا يتجاوز ارتفاعها متران، وطولها ثلاثة أمتار، برفقة أسرته المكونة من زوجته وأطفاله الثلاثة، عبد العزيز (7 أعوام)، وعمر (5 أعوام)، وشقيقتهما زهراء (4 أعوام).

يوميا، يغادر نازحون هذا المخيم عائدين إلى منازلهم في الموصل، التي أكملت القوات العراقية، بدعم من التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، استعداتها من قبضة التنظيم، في العاشر من الشهر الجاري.

ورغم تدمير قرابة 80% من البنى التحتية للخدمات في الموصل، مثل شبكات الكهرباء ومياه الشرب وكذا الخدمات الصحية، إلا أن النازحين سئموا مرارة العيش اليومية في المخيمات بعيدا عن مدينتهم.

عذاب الصيف والشتاء

الابتسامة بدت جلية على وجه النجار وهو يستعد للعودة إلى منزله في حي عدن بالجانب الشرقي للموصل، بعد أن أصلح، على نفقته الشخصية، ما تضرر منه جراء الحرب، رافضا انتظار جهود الحكومة لإعادة الإعمار.

وبينما يتجول في المخيم وقد أوشك على إنهاء حياة النزوح، قال النجار للأناضول "لم أنس يوما ما عاشته من عذاب طيلة ثلاث سنوات في المخيم... كانت أيام فصول الشتاء الثلاثة الماضية قاسية جدا، فالبرد والمطر والرياح حولت تلك الأيام إلى كابوس مرعب، حيث لم تقينا هذه الخيم الأمطار والبرد والرياح".

واسترسل قائلا إنه "في الصيف تصل درجات الحرارة إلى نصف درجة الغليان (100 درجة مئوية) في المخيم، الذي شيد على أراض صحراوية قاحلة... الخيم تتحول إلى فرن حراري يصعب العيش فيها، ولو لساعات، إلا أن عدم توفر أي خيار آخر أجبر الجميع على الصبر".

وبينما يلقي التحية على قاطنين في المخيم، أضاف النجار "لن آخذ مقتنياتي الموجودة في المخيم، بل سأوزعها على جيراني في المخيم... وكل ما أتمناه هو ألا أمر بهذه التجربة مرة أخرى".

حلم العودة

نازح آخر في مخيم "ديبكة" هو "أبو عصام الحيالي"، وهو مسن يرتدي "الدشداشة" البيضاء، ويضع على رأسه منشفة مبللة لعلها تعينه على تحمل درجات الحرارة المرتفعة في الصيف.

قال الحيالي للأناضول: "نحلم كل يوم بالعودة إلى منازلنا، وأن نموت بين جدرانها وليس هنا وسط هذه الخيم القاسية، التي سقتنا مر العذاب، ونصارع كل تحديات الحياة فيها من أجل العيش".

هذا العجوز العراقي معروف بين نازحي المخيم بفضل امتهانه "الطب البديل"، أو ما يسمى بـ"طب العرب أو طب الأعشاب"، وهو يلقى رواجا كبيرا بين النازحين؛ لعدم قدرتهم على شراء أدوية.

وشدد الحيالي على أن "الوضع هنا في غاية الصعوبة، ويوجد من لا يستطيعون العودة إلى منازلهم حتى بعد تحرير الموصل؛ جراء تعرضها للتدمير"، خلال معارك ضارية دامت حوالي تسعة أشهر.

وبينما يكابد للسيطرة على دموعه، تابع: "كل يوم ينتابني حزن شديد وأنا أرى أغلب العائلات تحزم حقائبها، وتعود إلى ديارها، بينما أن جالس هنا لا أقوى على العودة، وقد لا أستطيع؛ فمنزلي في حي القادسية الثانية قد دُمر بالكامل، بعد أن انفجرت أمامه عجلة (سيارة) مفخخة يقودها انتحاري استهدف بها القوات العراقية".

ووفق الحيالي فإن "إعادة اعمار المنزل تتكلف أكثر من 50 مليون دينار (حوالي 44 ألف دولار أمريكي)، وهو ما لا أستطع توفيره ولو بعد مئة عام".

إعادة الإعمار

معارك الموصل، التي بدأت في 17 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، حولت أجزاء واسعة من المدينة إلى أطلال، وتسببت في نزوح حوالي 920 ألف مدني من أصل سكان المدينة، الذين يتجاوز عددهم المليوني نسمة، أغلبهم من العرب السُنة.

وتدريجيا، يعود نازحون إلى الموصل، ثاني أكبر مدن العراق سكانا بعد العاصمة بغداد، إلى المدينة، ويرممون منازلهم المُدمرة نسبيا، بينما تسارع السلطات العراقية الخطى لتوفير الخدمات الرئيسية للسكان.

وأمام منزل في حي النور بالجانب الشرقي للموصل، تلعب سمر (11 عاما) بشغف وكأنها فراشة تخلصت من الأسر وتطير من زهرة إلى أخرى.

الطفلة العراقية قالت إنه "لم يكن بإمكاني أنا وأقراني اللعب في المخيم؛ فأرضيته كانت رملية، ولم تكن هناك مياه كافية للاستحمام كل يوم، فكان يمنع علينا مغادرة الخيم في أغلب أوقات النهار".

وتابعت سمر "أبي وأمي كانا ينبهاني باستمرار لعدم اللعب مع بقية أطفال المخيم، خوفا من الأمراض المعدية".

ووفق الحكومة العراقية، فإن إعادة إعمار ما دُمر خلال المعارك ضد "داعش" في أرجاء البلاد يتطلب ما بين 80 و100 مليار دولار.

معاناة متواصلة

وفق المراقب للشأن الموصلي، الدكتور مخلد سعيد العبيدي، فإن "عودة جميع النازحين إلى الموصل أمر مستحيل؛ فنسبة الدمار التي لحقت بالبنى التحتية في الجانب الغربي للمدينة كبيرة جدا".

ومضى العبيدي قائلا إن "إعادة إعمارها تتطلب الكثير من الوقت، في ظل استمرار خطر التنظيمات الإرهابية على العراق، واستشراء الفساد في المؤسسات الحكومية، ما يعني أن آلاف العائلات ستبقى في العراء لسنوات، وهي تعاني من تدهور واقعها الإنساني".

وشدد على أن "المسؤولية تقع على عاتق الحكومة والمجتمع الدولي، والحل الأمثل لحماية الطفل والمرأة والرجل من أضرار النزوح هو إصلاح الأضرار التي خلفتها الحرب في المناطق السكنية، وخلق أجواء مناسبة لتحفيز النازحين على العودة، وممارسة حياتهم الطبيعية من جديد".

ورجح العبدي أن "تزداد معاناة النازحين خلال المرحلة القادمة؛ بسبب قلة الإمكانيات مقابل حجم الدمار الهائل في الموصل".

 

التعليقات