تعاني معظم دول العالم من وطأة فيروس كورونا المستجد على اقتصادها وسياساتها الداخلية والخارجية، ولكن بعضها قد يكون أكثر عرضة لهذه الأضرار وسط قبضة الرجل الواحد على البلاد، مثل روسيا.
وأعدت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، تقريرا، ادعت فيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يواجه تحديات جديدة ومعقدة إثر تفشي الفيروس في البلاد.
واستند التحليل إلى نتائج دراسة جديدة أجرتها شركة الاستطلاعات المستقلة "ليفادا سنتر"، تُظهر أن الظروف التي أوجدها الوباء قوضت بشكل خطير قدرة الكرملين على تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير السلع العامة، وهما المجالان اللذان تحصن بوتين بهما، للحفاظ على الاستقرار.
واعتبرت المجلة أنه منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حصل بوتين على دعم من مصدرين رئيسيين، الأول، نجاح الكرملين بكسب مهنيين من الطبقة الوُسطى، وسط بشائر ازدهار النمو الاقتصادي. ويتمثل الثاني بقدرته على اجتذاب دعم الفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض، بما في ذلك موظفي القطاع العام والمتقاعدين، والذي يعتمد أفرادها على دعم الدولة، وسط وعود شعبوية تحن للحقبة السوفيتية وخطاب القوة العظمى. وفضل الروس تاريخيا قدرة الدولة على توفير الحقوق الاجتماعية على الحقوق المدنية، وهو انعكاس لتوجه أبوي مشترك للمجتمعات ذات الإرث الشيوعي، وهذا صبّ في صالح استراتيجية بوتين.
وعلى مدار العقدين الماضيين، جاءت الضربة القاسمة لنظام الدعم هذا في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. إذ أدى الركود الاقتصادي الذي أعقب ذلك إلى انخفاض كبير في دعم الحكومة تسبب بسلسلة من الاحتجاجات على مستوى البلاد عام 2011، وبخسائر انتخابية هائلة لحزب روسيا المتحدة الموالي لبوتين في انتخابات مجلس الدوما في ذلك العام.
وبعد استمرار انخفاض معدلات التأييد لبوتين حتى عام 2013، نجح الكرملين بإعادة اكتساب تأييد جارف مؤقت عام 2014 بعد ضم منطقة شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، مما أدى إلى زيادة في التعبئة الوطنية والقومية. وتواصل هذا التأثير لمدة عامين ونصف تقريبا، لكن شعبيته بدأت تتآكل منذ عام 2017.
تداعيات كورونا
أوضحت المجلة أنه من المحتمل أن يضر الوباء المستمر، بروسيا أكثر من الأضرار التي تعرّضت لها في أعقابة الأزمة الاقتصادية عام 2008. إذ أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط إلى جانب التوقف الفعلي للنشاط الاقتصادي، قد يُلحق ضررا هيكليا طويل الأمد بالاقتصاد. وشهد شهر أيار/ ماير الماضي، تأخيرات في الأجور، وتخفيضات، وتسريح عمال على نطاق واسع، مقارنة بشهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وقد أدى هذا إلى أكبر انخفاض في تقييمات الروس للاقتصاد منذ أزمة 2008، إذ بحلول آذار/ مارس، وقبل أن تفرض معظم المناطق الروسية سياسات التباعد الاجتماعي، سجل "مركز ليفادا" انخفاضًا بنسبة 20 نقطة في مؤشر ثقة المستهلك.
وقالت المجلة إن استطلاعات الرأي أظهرت انخفاضا في شعبية بوتين من 35 بالمئة في كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى 25 بالمئة في أيار/ مايو الماضي. وهو انخفاض كبير لم يشهده هذا المؤشر الذي يفحص مدى ثقة الروس بمسؤوليهم، على مدار 20 عاما.
ولفتت المجلة إلى أن بوتين نجح في المرّات التي انخفضت شعبيته بها في السابق، باتخاذ إجراءات تعكس هذا الاتجاه ولكن هذه المرّة قد يكون الأمر مختلفا، لأن ضعف التأييد الشعبي الذي بدأ مع تفشي المرض، كان اتجاه متواصل لبضعة أعوام متتالية، بعد إجراءات مثل زيادة سن التقاعد، وخمسة أعوام من الانخفاض في الدخل الفردي.
ويقوض الوباء أيضا قدرة الكرملين على تقديم الخدمات العامة. إذ أظهرت دراسة أجراها "مركز تحليل السياسات الأوروبية" و"مركز ليفادا"، أن المواطنين كانوا يشكون من ضعف الخدمات الصحية، والضمان الاجتماعي، ومستويات المعيشة اللائقة، والحق في العمل، والظروف الجيدة، والأجور العادلة.
وقالت المجلة إن الدراسة أشارت إلى أن 40 بالمئة من المستطلعة آراءهم أبدوا ثقة قليلة جدا تجاه النظام السياسي الروسي وبوتين.
ومع انتشار الفيروس، من المرجح أن يتكشف المزيد من القصور في نظام الرعاية الصحية في روسيا، إذ تُظهر ردور المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، استياء جارفا من الجودة الرديئة للمستشفيات الروسية والوفيات الناجمة عن المعدات الطبية غير الآمنة، ما قد يضعف من قاعدة بوتين الشعبية، وخاصة بين كبار السن الّذين يعتبرون من أشد داعميه، ولكن من الأكثر عرضة لمخاطر الفيروس.
فقدان الشعبية على الأمد الطويل
أضافت المجلة لضعف التأييد الشعبي المباشر لنظام بوتين الناجم عن استجابة البلاد لكورونا، أثر المدى الطويل على معدلات التأييد له، إذ أن عملية التحضر تستمر في المدن الروسية، فيقيم ربع السكان في المدن الكبرى، ما صعّد من اعتماد من الروس الآن على الإنترنت والشبكات الاجتماعية للحصول على المعلومات، متجاوزين قبضة بوتين التقليدية على وسائل الإعلام.
وأشارت المجلة إلى أنه منذ عام 2010، نمت الحركات الشعبية في روسيا، مما ساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية، وخاصة على مستوى المجتمع. ونتيجة لهذه الديناميكية، نمت أيضا، أهمية الحقوق المدنية بشكل حاد في أوساط الروس في الأعوام القليلة الماضية.
وعلى سبيل المثال، في إجابة عن السؤال "ما هي الحقوق والحريات الأكثر أهمية برأيك؟" ارتفعت نسبة المجيبين الذين اختاروا "حرية التعبير" بين عامي 2017 و 2019 من 34 في المئة إلى 58 في المئة، وارتفعت نسبة الذين اختاروا "التجمع السلمي" من 13 في المئة إلى 28 في المئة ، ونسبة الذين اختاروا "الوصول إلى المعلومات "من 25 بالمئة إلى 39 بالمئة. وكانت الحقوق الثلاثة الأكثر أهمية في نظر المُستطلعة أراءهم هي "الحياة والحرية والنزاهة الشخصية"، و"الرعاية الطبية" و"المحاكمة العادلة".ورجحت المجلة أن ينمو هذا الاتجاه مستقبلا، مما قد يؤدي في ظل ضعف الاستجابة للوباء، على المستوى الاقتصادي والخدمات الاجتماعية، إلى تسريع اتجاه الرفض العام للكرملين.
اقرأ/ي أيضًا | روسيا: تحديد موعد استفتاء شعبي يتيح "تمديد حكم بوتين"
التعليقات