سورية: الهامة وقدسيّا هُجرتا إلى الشمال

"العكس هو ما حدث، أنا لم أهزم، بل أنا المنتصر الوحيد، فأنا خرجت من هذه الحرب حيًا... مرت علي لحظات سبقت الموت فيها بمقدار ثوان فقط".

سورية: الهامة وقدسيّا هُجرتا إلى الشمال

'وصلنا إلى تفتناز في ريف إدلب'، قال الشاب عبد الرحمن فتوح الذي غادر مع أكثر من 500 مقاتل وناشط، نقلوا إلى شمال سورية من بلدتي الهامة وقدسيّا في غرب العاصمة دمشق، بموجب اتفاق بين النظام السوري من جهة والمقاتلين المحلين من جهة ثانية، لتنتهي بذلك سيطرة المعارضة السورية على مناطق جديدة في محيط العاصمة لصالح النظام السوري.

لم تكن رحلة فتوح مريحة. 9 ساعات قضاها في الحافلة منتظرًا أن يسمح النظام له ولرفاقه بالمغادرة، ويقول لـ 'عرب 48'، إنه 'بعد أن بدأت الرحلة شعرت بالارتياح، بالذات حين علمت أن الدفعة الأولى من الجرحى وصلت بسلام إلى إدلب'.

السيناريو ذاته

أيام طويلة من القصف بالصواريخ البالستية والبراميل المتفجرة عرفتها بلدة الهامة. قبل أسابيع من موعد انطلاق الحافلات، قصف النظام خلال عشرة أيام مشاف البلدتين 'شام الأمل في قدسيا، والسلام في الهامة'، وقطع التيار الكهربائي والماء عنهما بشكل كامل. 9 شهداء وأكثر من 60 جريحًا سقطوا أيام القصف، وفق ما يؤكد مدير مشفى شام الأمل، محمد الشامي لـ'عرب 48'. سبق كل ذلك منع النظام لأي مواد غذائية من دخول البلدتين، ليبدأ شبح الجوع يسيطر على السكان.

وكان فتوح متواجدًا في مشفى شام الأمل، في قدسيا، ساعة القصف، وعاد العمل إلى طبيعته في المشفى ساعات بعد ذلك، نجى الجميع.

أكثر من مليون مدني يعيشون في الهامة، مئتي ألف منهم على الأقل فلسطينيون نازحون من مخيم اليرموك، أقل منهم بقليل من مناطق المعضمية وداريا والغوطة الشرقية، وجميعهم يعرفون أي أثر سيتركه الجوع إذا ما أستمر الحصار الكامل على البلدة.

كان النظام قد فرض حصارًا جزئيًا على البلدتين منذ أكثر من عام ونصف، كل من يحمل بطاقة شخصية تفيد بأنه ولد في الهامة أو قدسيا، لا يسمح له بالخروج عبر الحواجز التي تحاصر البلدة، والتي يشرف عليها عناصر من ميليشيا الدفاع الوطني الموالية للنظام. باقي السكان منحوا أرقامًا من قبل النظام، يسمح لهم بموجبها بمغادرة البلدة والعودة إليها.

المفاوضات المعقدة!

فاوضت قدسيا النظام السوري منذ عام 2012، بعد عملية عسكرية كبيرة رافقها حرق أجزاء كبيرة من البلدة. منذ ذلك اليوم ظهرت لجنة المصالحة الوطنية، كما بات يعرف اسمها محليًا، وهي تضم وجوهًا من البلدة قادرة على الاتصال ببعض الشخصيات العسكرية التابعة للنظام. اللجنة تولت أيضًا مفاوضات بلدة الهامة كلما اشتد الحصار عليها أو صعبت أوضاعها.

في الأسابيع الأخيرة، عقدت اللجنة سلسلة من الجلسات مع العميد في الحرس الجمهوري قيس فروة. منذ الجلسة الأولى وبعد عمليات القصف الأولى على البلدتين، نقلت اللجنة أكثر من مرة ما يمكن تسميته باستسلام كامل للفصائل المعارضة المتواجدة في قدسيا والهامة، إلا أن فروة كان يماطل في وقف القصف والبدء بإخراج المقاتلين والناشطين باتجاه إدلب.

مع التفاوض، كان سكان قدسيا ومن فرّ من الهامة إليها، يمارسون ضغطهم على المتفاوضين، بمظاهرات طافت قدسيا، رفع فيها مئات من المدنين لافتات تطالب بوقف الحرب والقصف والحياة الآمنة. خبر ظهر في وسائل إعلام النظام بصيغة أن المدنيين يطلبون من المسلحين المغادرة، وفي وسائل إعلام المعارضة بصيغة أنهم يرفضون القصف.

قبل أيام قليلة من الاتفاق النهائي، كانت صلاة الجمعة قد ألغيت في الهامة على مدار أسبوعين متتاليين، خوفًا من استهداف المدنيين، الذين كانوا قد أمضوا أسبوعين في الملاجئ، من دون طعام أو شراب، وانتشرت بينهم أمراض عدة، منها اليرقان، كما أكد الشامي في حديثه معنا.

عبد الرحمن فتوح

وافق النظام، أخيرًا، وتوقفت علميات القصف، وتبادل الطرفان القوائم التي تحمل أسماء من سيخرج في حافلات باتجاه إدلب. اسم فتوح ورد في قائمة سلمها النظام للبلدتين، هو وجميع العامين في المشفى، حتى عاملة التنظيف، طلب النظام خروجها من البلدة كي تكتمل التسوية.

ويقول الشامي لـ'عرب 48'، إن 'كل من يحمل فكرًا مدنيًا في الهامة وقدسيًا أُخرج منها ضمن الصفقة'. ويشير إلى أن 'النظام هجر بالفعل السكان وفق مخطط دقيق للغاية'، ويؤكد، أن 'البلدتين اليوم، بلا أي طبيب أو مسعف، لدرجة أن إعلاميًا واحدًا لم يسمح له بالبقاء في المنطقة برمتها'.

قصة فتوح لم تبدأ في الهامة أو قدسيا، الشاب الذي لم يصل إلى الخامسة والعشرين بعد، عرف الاعتقال لمدة عام ونصف العام، بتهمة دعم الإرهاب، قبل أن يحاكم ويطلق سراحه، ليعود إلى قدسيا ويعمل من جديد متطوعًا في مشفى شام الأمل.

كان فتوح أطلق قبل حوالي ثلاث سنوات حملة 'أوقفوا الحرب'، حين كان ينتمي لتيار بناء الدولة المعارض، الذي غادر سورية، فيما كان يؤمن طوال الوقت بأن النضال السلمي هو السبيل الوحيد لتحقيق الديمقراطية والعدالة في سورية، لكنا نسأله وهو اليوم في إدلب إن كان قد هزم تمامًا بعد كل هذا؟

يرد عبد الرحمن بأن 'العكس هو ما حدث، أنا لم يهزم، بل أنا المنتصر الوحيد، فهو خرجت من هذه الحرب حيًا. مرت علي لحظات سبقت الموت فيها بمقدار ثوان فقط'.

اقرأ/ي أيضًا | والد باسل عزام لـ'عرب 48': السلطة والسفارة وتركيا قتلوا ابني

التعليقات