إعادة اعمار درنة الليبية بعد الفيضانات... مخاوف حول كيفيّة توجيه التمويلات

تجد الحكومتان المتنافستان نفسها مضطرة إلى التعاون والتنسيق من خلف الكواليس، والحفاظ على الوضع الراهن من أجل تقاسم ثروات هذا البلد النفطي، بحسب محللين.

إعادة اعمار درنة الليبية بعد الفيضانات... مخاوف حول كيفيّة توجيه التمويلات

فريق إنقاذ في ليبيا (Getty Images)

بعد الفيضانات المدمّرة التي ضربت مدينة درنة الليبية، تتنافس الأطراف المتنازعة على السلطة في هذه البلاد المهددة بالانقسامات والفساد، على نيل حصتها من إعادة الإعمار، ممّا عزّز مخاوف على المستويين الوطني والدولي.

وفي الوقت الذي تتواصل كل يوم عمليات انتشال الجثث، أو على الأقل ما تبقى منها من تحت الأنقاض أو من البحر في مدينة درنة، التي دمرتها السيول، تتعالى في المقابل أصوات كل طرف سياسي باعلان مبالغ مالية بملايين اليوروهات.

وكانت حكومة الشرق قد أعلنت عن "مؤتمر دولي" لإعادة إعمار درنة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر، قبل أن تضطر إلى تأجيله حتى مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، وسط تشكيك من قبل المجتمع الدولي، لكونها حكومة غير معترف بها من قبل الأمم المتحدة.

(Getty Images)

وأشارت الحكومة إلى أنها قامت بتقييم الأضرار ومبالغ التعويضات المقرر دفعها للضحايا. كما أعلن البرلمان المنبثق عنها والذي يتخذ من شرق البلاد مقرّا له، أنه خصص 1,9 مليار يورو لإعادة الإعمار، دون أن يحدد كيفية صرف هذه الأموال.

أما الحكومة المتمركزة في غرب البلاد، فقد أعلنت، أول من أمس الأحد، عن تمويل بقيمة نحو 18 مليون يورو لصيانة المدارس المتضررة من الفيضانات في الشرق. في مؤشر على تعزيز الفوضى المؤسساتية في البلاد.

واعتبر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، عبد الله باتيلي في بيان، الإثنين، أن "تقديرات التكلفة التعسفية ومبادرات إعادة الإعمار أحادية الجانب التي أعلن عنها دون شفافية، ومن دون تأييد جميع السلطات المعنية وأصحاب الشأن".

(Getty Images)

وطالب باتيلي بـ"تقييم موثوق ومستقل وموضوعي للأضرار والاحتياجات، وإلى تقديرات للتكلفة تُحدد بمهنية، مع ضمان شفافية عمليات التعاقد والصفقات".

وخلّفت الفيضانات الناجمة عن العاصفة دانيال آلاف القتلى والمفقودين، وأدت الى نزوح أكثر من أربعين ألف شخص.

وتحكم البلاد سلطتان تنفيذيتان متنافستان، واحدة في طرابلس، بقيادة عبد الحميد الدبيبة والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة، والأخرى في الشرق الذي يسيطر عليه المشير، خليفة حفتر تحت مظلة البرلمان.

كما طالبت بعثة الأمم المتحدة في البيان السلطات الليبية والمجتمع الدولي بـ"تيسير الاتفاق على آلية وطنية ليبية موحدة ومنسقة تقود جهود التعافي وإعادة الإعمار وضمان الشفافية والمساءلة، على أساس تقييم موضوعي للوضع والاحتياجات على الأرض".

(Getty Images)

إلى ذلك قال رؤساء البعثات الدبلوماسية في ليبيا في بيان مشترك: "ندعم بشدة دعوة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى إرساء آلية وطنية ليبية موحدة بالتنسيق مع الشركاء المحليين والوطنيين والدوليين تكون قادرة على تقديم إغاثة شفافة وخاضعة للمساءلة تتجاوب مع احتياجات إعادة الإعمار إثر كارثة الفيضانات".

من جانبها، دعت الولايات المتحدة الأسبوع الفائت السلطات الليبية إلى "التأكد من أن المال العام يستخدم بشفافية ومسؤولية، وأن المساعدات تذهب إلى المحتاجين".

وعبَّرت العديد من الشخصيات الليبية عن المخاوف من الاستيلاء على المساعدات ما دفع رئيس بعثة وكالة المساعدات الأميركية في ليبيا جون كارديناس، نهاية أيلول/ سبتمبر، للقاء رئيس ديوان المحاسبة الليبي، وأكد على ضرورة تواجد "إجراءات الرقابة على أي منح أو مساهمات دولية، من شأنها أن تساهم في إعادة إعمار المناطق المتضررة، وضمان عدم التصرف فيها في غير الأوجه المخصصة لها".

(Getty Images)

كما تعبر المتخصصة في الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية، كلوديا غازيني عن مخاوف من أن "الحكومات الليبية المتنافسة تستخدم هذه الأزمة بشكل انتهازي"، مذكرة بالصراع على النفوذ و"حملات التضليل"، من أجل "تولي مسؤولية جهود إعادة الإعمار".

وتجد الحكومتان المتنافستان نفسها مضطرة إلى التعاون والتنسيق من خلف الكواليس، والحفاظ على الوضع الراهن من أجل تقاسم ثروات هذا البلد النفطي، بحسب محللين.

وندد المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة في العام 2018 بـ"الاقتصاد القائم على السلب في ليبيا"، معتبرا أنه "العائق الرئيسي أمام العملية السياسية". ويبقى هذا التقييم سائرا إلى اليوم، وفقا لمراقبين.

التعليقات