إعادة إعمار المناطق المنكوبة من الفيضانات بليبيا: تباطؤ الدعم الدولي.. ما الأسباب؟

إن تسريع عمليات إعادة الإعمار قبل دخول الشتاء، يتطلب دعما دوليا مكثفا لإعادة إعمار المناطق المنكوبة، لكن التردد الدولي في مساعدة ليبيا بالحجم والسرعة المطلوبتين مرده عدة أسباب متعلقة بالليبيين أنفسهم أكثر منها بالمجتمع الدولي.

إعادة إعمار المناطق المنكوبة من الفيضانات بليبيا: تباطؤ الدعم الدولي.. ما الأسباب؟

جانب من دمار الفيضانات شرق ليبيا (Gettyimages)

أثارت المساعدات المتواضعة التي أعقبت الفيضانات التي دمرت شرق ليبيا ومدينة درنة والمناطق المحيطة بها تحديد، عدة تساؤلات بشأن إعاقة تقديم المساعدات الدولية.

وأسفرت الفيضانات التي ضربت شرق ليبيا في 10 أيلول/ سبتمبر الماضي، إلى مقتل بين 4 إلى 20 ألف شخص، وفق تقديرات متضاربة بشأن عدد القتلى والمفقودين، فيما أدت إلى انهيار سدي درنة وشطر المدينة إلى نصفين.

وتوقع رئيس بلدية درنة، عبد المنعم الغيثي، قبل إقالته أن يزيد عدد القتلى في المدينة على 20 ألفا، استنادا إلى كثافة السكان في المناطق المنكوبة، وهذا الرقم يمثل نحو 10% من عدد سكان درنة البالغ 200 ألف قبل الفيضانات.

وأعلن الهلال الأحمر الليبي عن وصول عدد الضحايا إلى 11300 قتيل حتى مساء 14 أيلول/ سبتمبر، فيما أعلن المتحدث باسم قوات الشرق الليبي، أحمد المسماري، عن مقتل 4168 شخصا كحصيلة رسمية غير نهائية، بناء على الجثث التي جرى انتشالها.

وقد جرى التشكيك في دقة الحصيلة، كما أطلقت مطالبات شعبية بفتح تحقيق دولي حول الجهات والأطراف المتسببة في ارتفاع حصيلة القتلى إلى هذه الأعداد.

25 دولة استجابت لنداء الاستغاثة

سارعت السلطات الليبية منذ الساعات الأولى لانجلاء حجم كارثة درنة إلى مطالبة المجتمع الدولي والهيئات الإغاثية العالمية لمساعدتها في مواجهة هذه الأزمة البيئية غير المسبوقة في تاريخ البلاد الحديث.

ولم يكن العالم قد استفاق بعد من الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 أيلول/ سبتمبر وخلف نحو 3 آلاف قتيل، لكن استغناء الرباط عن معظم المساعدات الدولية جعل التركيز على مأساة ليبيا أكبر.

سارعت دول مثل تركيا والجزائر ومصر وقطر وإيطاليا وإسبانيا لتقديم المساعدات إلى ليبيا، لكن استجابة بعض الدول لنداء الاستغاثة كان بطيئا على غرار الولايات المتحدة، أو منعدما مثل دول أميركا اللاتينية أو غالبية الدول الآسيوية.

وفي آخر حصيلة للفريق الحكومي للطوارئ والاستجابة السريعة، الذي شكلته حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، فإن 25 دولة سيرت مساعدات إغاثية إلى البلاد، بواقع نحو 80 طائرة إغاثية و8 سفن، إلى غاية 24 أيلول/ سبتمبر.

قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الرقم كبير، وخصوصا أنه يشمل أسبوعين فقط منذ وقوع الكارثة، لكن إذا قارناه بزلزال تركيا وسورية الذي ضرب المنطقة في 6 شباط/ فبراير الماضي، فإن نحو 80 دولة أرسلت مساعدات إغاثية أو تعهدت بتقديم مساعدات.

ويكفي الإشارة إلى أن الإمارات العربية المتحدة لوحدها أرسلت 240 طائرة إغاثية على الأقل إلى تركيا وسورية، وهو ما يعادل ثلاث أضعاف طائرات الإغاثة التي أرسلت إلى ليبيا من 25 دولة.

أما الولايات المتحدة فلم تقدم لليبيا سوى مساعدات بـ11 مليون دولار، مقابل 185 مليون دولار مساعدات لتركيا وسورية.

ورغم أن عدد ضحايا زلزال تركيا وسورية كان كبيرا جدا ولا يمكن مقارنته بفيضانات درنة، سواء من حيث عدد القتلى أو الجرحى أو المنكوبين، أو حجم الدمار الذي لحق بعدة مدن ومحافظات في البلدين، إلا أن ليبيا لا تملك القدرات الفنية ولا المادية ولا حتى الخبرة الكافية لمواجهة مثل هذه الكارثة منفردة، لذلك فهي بحاجة لدعم أكبر مما هو مقدم حاليا من المجتمع الدولي لدعم جهود الإغاثة.

وبعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع، ما زال آلاف الليبيين في عداد المفقودين، وبعض الجثث قذف بهم البحر لعشرات الكيلومترات بعيدا عن درنة.

وتحتاج ليبيا في المرحلة المقبلة لتسريع عمليات إعادة إعمار المناطق المنكوبة لاستعادة الحياة بها، خصوصا مع بدء موسم الدراسة بالبلديات المنكوبة في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وعودة الحياة إلى المدينة فهناك حاجة إلى بناء جسور مؤقتة لربط ضفتي المدينة، وإصلاح الطرق المقطوعة، وتوفير المياه الصالحة للشرب، وإصلاح شبكات الصرف الصحي، وحماية المدينة من الأوبئة عبر تعقيم مصادر المياه وتجفيف المياه الراكدة، ناهيك عن توفير المؤن والأغذية، والبيوت الجاهزة لعودة نحو 40 ألف نازح إلى مناطقهم.

المؤكد أن تسريع عمليات إعادة الإعمار قبل دخول الشتاء، يتطلب دعما دوليا مكثفا لإعادة إعمار المناطق المنكوبة، لكن التردد الدولي في مساعدة ليبيا بالحجم والسرعة المطلوبتين مرده عدة أسباب متعلقة بالليبيين أنفسهم أكثر منها بالمجتمع الدولي.

الانقسام والفساد والأمن

يقدر المهندس محمد بويصير المقيم في الولايات المتحدة، تكلفة إعادة إعمار درنة بنحو 30 مليار دولار، مستندا في تقديراته إلى تكلفة إعادة إعمار سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك بنحو 22 مليار دولار، وبيروت بنحو 35 مليار دولار.

ويحتاج توفير مبلغ ضخم بهذا الحجم وفي مدة زمنية قصيرة إلى دعم دولي سواء كمنح أو قروض وأيضا إلى خبرة دولية في مشاريع إعادة الإعمار، سواء دراسات تقنية أو شركات مقاولات عالمية لتنفيذ المشاريع.

غير أن انقسام البلاد بين حكومتين تتنازعان الشرعية وجيشين وبرلمانين.. يعيق تقديم مساعدات دولية بالكثافة المطلوبة، وخصوصا أن الحكومة المعترف بها دوليا متواجدة في العاصمة طرابلس بالمنطقة الغربية، بينما المناطق المنكوبة في الشرق تحت سيطرة الحكومة المكلفة من البرلمان.

ويمثل دعوة الحكومة المكلفة من البرلمان المجتمع الدولي للمشاركة في مؤتمر دولي لإعادة إعمار درنة، في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري تحدٍ لها، فالأمم المتحدة وأغلب الدول لا تعترف بها، وبالتالي فعلى الأغلب لن تشارك في هذا المؤتمر حتى لا تحسب مشاركتها بمثابة اعتراف بهذه الحكومة.

أما حكومة الوحدة فتدرك أنها غير قادة على الإشراف على عملية إعادة إعمار درنة، بالنظر إلى عدم سيطرتها على المنطقة، لذلك طلبت من البنك الدولي أن يشرف بنفسه على العملية.

كما لا يشجع انتشار الفساد في البلاد المجتمع الدولي والمؤسسات المالية العالمية على تمويل مشاريع إعادة إعمار البلاد، إذ أن ليبيا مصنفة ضمن أكثر عشر دول فسادا في العالم، حسب منظمة الشفافية العالمية (المرتبة 171 من بين 180 بلد).

وتخصيص مليارات الدولارات لإعادة إعمار درنة، حسب مراقبين، يمكن أن يستغل في تمويل صفقات شراء أسلحة أو حتى تمويل حرب جديدة وتجنيد مزيد من المرتزقة سواء من إفريقيا جنوب الصحراء أو من أوروبا الشرقية أو من سورية عبر شركة "فاغنر" الروسية.

ويتواجد مرتزقة "فاغنر" في ليبيا، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2018، بحسب تقرير أممي نشرته وسائل إعلام غربية في أيار/ مايو 2020، ذكر أن عددهم يتراوح ما بين 800 و1000 عنصر، لكن رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) السابق، خالد المشري، قدّر عددهم في كانون الأول/ ديسمبر 2021، بنحو 7 آلاف عنصر، يمتلكون 30 طائرة نفاثة.

وتعاظم دور "فاغنر" بعد مشاركتهم في العدوان الذي قادته قوات حفتر على العاصمة طرابلس، في نيسان/ أبريل 2019، وبانسحابهم من جبهات القتال نهاية أيار/ مايو 2020، انهارت قوات شرق ليبيا التي يقودها خليفة حفتر، وتراجعت إلى جبهة سرت الجفرة.

وينشط مرتزقة "فاغنر" حاليا ما بين محافظتي سرت (450 كلم شرق طرابلس) والجفرة (600 كلم جنوب شرق طرابلس)، ويتمركزون بقاعدة القرضابية الجوية بسرت ومينائها البحري، بالإضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية، وتمددوا إلى الجنوب الغربي حيث تمركزوا في قاعدة براك الشاطئ الجوية (700 كلم جنوب طرابلس).

ولعدة مرات رصد الجيش الليبي تحركات لمرتزقة "فاغنر" في قاعدتي سرت والجفرة الجويتين، كما أعلن مرارا رصد وصول رحلات جوية لطائرات تحمل مرتزقة من جنسيات مختلفة.

ورغم اتفاق الفرقاء الليبيين في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، على إخراج المرتزقة الأجانب وعلى رأسهم فاغنر من بلادهم خلال ثلاثة أشهر من ذلك التاريخ، إلا أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع.

ما سبق يفسر مطالب سكان درنة وحكومة الوحدة بأن تتولى جهة دولية الإشراف على عملية إعادة الإعمار حتى لا تتكرر مأساة المدينة ويقتل شعبها مرتين.

كما أن عدم الاستقرار الأمني في البلاد، لا يشجع كثيرا الشركات العالمية التي لها خبرة في إعادة الإعمار بالقدوم إلى ليبيا، رغم الإغراءات المالية، لمشاريع محتملة سعى مجلس النواب لتخصيص ميزانية مستعجل لها بأكثر من ملياري دولار، وقد تصل إلى 30 مليار دولار، وفق بويصير.

المؤكد أن الانقسام السياسي والفساد والأمن الهش، ناهيك عن أسباب أخرى كضعف النشاط الدبلوماسي ومحدودية التأثير الإقليمي والدولي، وراء تردد دول كثيرة ومؤسسات دولية في تقديم الدعم الإغاثي والمادي لليبيا، بينما منكوبو درنة في أمسّ الحاجة لاستعادة الحياة في مدينتهم المتوسطية.. فهل يُزهر الياسمين ثانية في أرض الجبل والبحر؟

التعليقات