سقوط نظام مبارك: اللي كلّف ما متشِ!

"قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخلّيه عن منصب رئيس الجمهوريّة، وتكليف المجلس الأعلى للقوّات المسلحة المصريّة لإدارة شؤون البلاد"، كلّف مبارك، إذًا، المجلس الأعلى بإدارة شؤون البلاد، وغار كما يقال بالمصريّة العاميّة.

سقوط نظام مبارك: اللي كلّف ما متشِ!

'قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخلّيه عن منصب رئيس الجمهوريّة، وتكليف المجلس الأعلى للقوّات المسلحة المصريّة لإدارة شؤون البلاد'، كلّف مبارك، إذًا، المجلس الأعلى بإدارة شؤون البلاد، و'غار' كما يقال بالمصريّة العاميّة.

فبعد ثورة عارمة استمرّت 18 يومًا، اجتاحت فيها الملايين الغاضبة ميادين مصر وشوارعها، وصدحت الحناجر الهادرة بشعارات الثورة، ومنها نشيد العرب الخالد، متى صحَّ منهم العزم 'الشعب يريد إسقاط النظام'، حتّى أصبح الثوار في مصر أبرز ما يشدّ الأنظار، إذ تسمّر العرب أمام شاشة التلفزيون طوال أيام الثورة، في مشهد لم يعهدوه منذ رحيل جمال عبد الناصر وأم كلثوم.

واستطاع الشباب الثائر في مصر أن يلتفّ على نصف الثورة التي أرادها النظام، بعدما حاول الإفاقة من الصدّمة الأولى التي سبّبها يوم الغضب، من انهيار للشرطة وفشلٍ مدوٍّ لقمع الثوار أمنيًا، فبدأت، مع أداء عمر سليمان القسم نائبًا لرئيس الجمهوريّة، محاولات قمع الثورة سياسيًا، من خلال الاكتفاء بعدم ترشّح مبارك لدورة رئاسيّة مقبلة وفصل 'صقور' الحزب الوطني منه، وحوار وطني شكلي يسفر عن ترحيل إسقاط مبارك إلى أيلول/سبتمبر من ذات العام، حيث سعت 'دولة العواجيز' (المصلح الذي استخدمه شباب الثورة لوصف الرئيس المصري وصقور نظامه) إلى تصوير خلع مبارك من نتيجة حتميّة للثورة إلى مجرّد انتهاء ولاية دستورية، إذ قال مبارك إنه، بالأساس، لم ينتوِ الترشّح لدورة رئاسيّة أخرى.

لكنّ الشباب المصريّ، رد على محاولات قمع الثورة سياسيًا، بهتاف ساخر يختصر حال النظام البائس 'ارحل يعني امشي... يمكن ما بتفهمشي'، مصرًّا أن تسفر الثورة عن إسقاط مبارك النظام، لا مبارك الشخص، كما ردّ الشباب بأرواحهم من قبل، على محاولة اقتحام ميدان التحرير، في موقعة الجمل، مستبسلين في الدفاع عن حلم مصر الذي راود كل العرب في 'العيش والحريّة والعدالة الاجتماعيّة'.

ومع غمرة الأحداث السياسيّة وتسارع المبادرات الداخلية نحو 'تسوية' سياسيّة بين الثوار والنظام، خصوصًا بعد موقعة الجمل وسقوط الحل الأمني؛ برز دور الجيش المصري الكبير في سيطرته على مقاليد الأمور في البلاد.

فالحجة الظاهرة التي اعتمدها الجيش هي تعويض انهيار الشرطة وحماية المتظاهرين، بيد أن موقفه كان ضبابيًا، بين المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء برئاسة المخلوع وبين المشاركة في 'تأمين' ثوّار التحرير.

إلى أن حسم الجيش المصري موقفه، وابتعث اثنين من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصريّة إلى ميدان التحرير 'لطمأنة المتظاهرين إلى أن الجيش المصري سيقف إلى جانب الثورة' رغم التقرير الذي نشر في ذات اليوم، العاشر من شباط/فبراير 2011، في صحيفة الغارديان البريطانيّة، بأن الجيش المصري متورط في تعذيب المواطنين.

ومساءً، التئم الجيش المصري وأعلن بيانه الأول المقتضب، الذي وردت فيه عبارة 'تأكيدًا وتأييدًا لمطالب الشعب المشروعة'، برفقة شريط فيديو يظهر أن الجيش المصري عقد اجتماعه برئاسة المشير لا رئيس الجمهورية، ما يعني عدم اعترافهم بشرعيّته، وفق ما أشيع بأمل عن انحياز الجيش المصري لثورة الشعب المصري العظيم، وفق تعبيرات الجيش نفسه.

كل هذه الأحداث المتراكمة في اليوم ذاته، كانت كفيلة بإشعال حماسة المتظاهرين في ميدان التحرير، قبل أن يعلنها مبارك صراحةً، مساءً، أن لا تنحٍ قريبًا.

ثم جاء اليوم المشهود، وأعلن عمر سليمان، نائب الرئيس المفوّض باختصاصات الرئيس، تنحي مبارك وتكليفه المجلس الأعلى للقوات المسلّحة بإدارة شؤون البلاد، والغريب في خطاب التنحي، أن استلام المجلس مقاليد الحكم، كان بسبب تكليف الرئيس لا بسبب إرادة الشعب المصري، وكأنه يحق للرئيس، فيما بعد، أن يسحب تكليف الذي فوّضه للمجلس.

وبدا أن الجيش المصري، أحد أركان النظام المصري المخلوع، قد تخلّص من منافسيه جميعًا، وأصر على موقفه التقليدي بأن لا رئيس لمصر من خارج المؤسسّة العسكريّة، في طور إضاعة مصر 10 سنوات من عمرها في محاولة إحقاق وهم التوريث، حتّى قامت الثورة وتخلّص الجيش من كافة منافسيه لخلافة مبارك: جمال، الإبن المدلّل والأوفر حظًا، صفوت الشريف، رئيس مجلس الشعب والمفضّل داخل الحزب الوطني الحاكم؛ وعمر سليمان، رجل المخابرات المفضّل أميركيًا وإسرائيليًا.

احتفل العالم العربي من المحيط للخليج بسقوط نظام حسني مبارك، الجاثم على صدور العرب، الكنز الاستراتيجي لإسرائيل، الوكيل الحصري للسياسات الأميركيّة في المنطقة، محاصِر غزّة، المساهِم في تقسيم السودان، جامع الثروات، المورّث، المُفقِر لشعب مصر؛ واحتفل معه الثوار في التحرير احتفالًا مشهودًا؛ ثُمَّ... عادوا إلى بيوتهم...

التعليقات