صراع السلطات في مصر يتجلى في "تيران وصنافير"

بعد أن حكمت المحكمة الإدارية في مصر أمس الثلاثاء، ببطلان اتفاقية ترسم الحدود المصرية السعوديّة، والمعروفة إعلاميًّا باسم "تيران وصنافير"، أصبح الصدام غير مسبوق بين السلطات الثلاث، القضائية والتشريعية والتنفيذيّة.

صراع السلطات في مصر يتجلى في

بعد أن حكمت المحكمة الإدارية في مصر أمس الثلاثاء، ببطلان اتفاقية ترسم الحدود المصرية السعوديّة، والمعروفة إعلاميًّا باسم "تيران وصنافير"، أصبح الصدام غير مسبوق بين السلطات الثلاث، القضائية والتشريعية والتنفيذيّة.

ويتجلّى هذا الصراع حسبما قال مختصون، أنّ السلطة التنفيذية في مصر، لا تزال متمسكة بسعودية جزيرتي تيران وصنافير، ومن جهة أخرى، أمرت المحكمة الإداريّة، وهي أحد أركان القضاء الأعلى في مصر، حسمت ببطلان الاتفاقية وانتقدت أداء الحكومة.

وبينما تتمسك الحكومة بنزاع قضائي آخر أمام المحكمة الدستورية العليا (أعلى محكمة بالبلاد) للتأكيد على أن نظيرتها الإدارية ليس من حقها نظر أي اتفاقيات، يقول البرلمان إنه الوحيد المعني بنظر الاتفاقية .
وصباح الإثنين الماضي، رفضت المحكمة الإدارية العليا "أعلى هيئة قضائية مختصة في الفصل بالمنازعات الرسمية"، طعناً حكومياً، وأيدت بطلان الاتفاقية التي وقعت في نيسان/أبريل 2016.

أزمة مستمرة

ولم ينه الحكم الأخير، رحلة قضائية، بدأت قبل 9 أشهر، عندما حرك نشطاء سياسيون وحقوقيون دعوى أمام المحكمة الإدارية، ومعنية بالنظر في الخصومات الإدارية مع الجهات الحكومية، لإبطال الاتفاقية، التي أثارت احتجاجات شعبية واسعة، خاصة يومي 15 و25 نيسان/أبريل الماضي، ومطلع يناير/ كانون ثان الجاري، وسط مطالبات سياسية بعدم الالتفاف على الحكم الأخير.

وفي 29 كانون الثاني/ديسمبر الماضي، أحالت الحكومة الاتفاقية إلى مجلس النواب للتصديق عليها "طبقاً للإجراءات الدستورية المعمول بها بهذا الشأن"، حسب ما قالت في بيان في ذلك الوقت.

كما رفعت قبلها دعوى منازعة قضائية أمام المحكمة الدستورية العليا تحددت لها جلسة في 12 شباط/فبراير المقبل، بشأن وجود حكمين متعارضين أحدهما من القضاء الإداري في يونيو/ حزيران الماضي بإبطال الاتفاقية والثاني من محكمة الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ الحكم في أكتوبر/ تشرين أول باعتباره صادرا من محكمة غير معنية بالاتفاقيات.

ورغم تعويل الحكومة، على حكم الدستورية برفض إبطال الاتفاقية غير أنها، تقول في أكثر من بيان صادر عن ممثلين لها أن البرلمان صاحب الاختصاص الأصيل.

وعزز رئيس مجلس النواب علي عبدالعال الذي هو بالأساس أكاديمي متخصص في الشأن الدستوري هذا الاتجاه، بإعلانه "أن المجلس سيعقد جلسات استماع مع جميع أطياف المجتمع لمناقشة الاتفاقية، مؤكدا أن "البرلمان هو الجهة الوحيدة التي تحدد ما إذا كانت اتفاقية ترسيم الحدود مخالفة للدستور أم لا".

وقال، في تصريحات إعلامية الإثنين الماضي، إن "اللجنة التشريعية بـ"مجلس النواب" ستنظر اتفاقية ترسيم الحدود، وتحدد هل تخالف الدستور أو بها تفريطا في أرض مصرية أم لا"، لافتا إلى "حكم الإدارية العليا سيكون ورقة ضمن الأوراق التي سينظرها المجلس بشأن اتفاقية ترسيم الحدود".

ولم يصدر عن المحكمة الدستورية العليا، والمختصة بمطابقة القوانين لمواد الدستور، تعليقا على حكم القضاء الإداري، غير أنه في يوم 12 شباط/فبراير المقبل، تواصل النظر في التنازع".

وجوه ثلاثة

توقع المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق (هيئة قضائية مختصة بالمنازعات الإدارية، أن يأتي حكم المحكمة الدستورية التي رفعتها الحكومة ضد الحكم الأولي بإبطال الاتفاقية في صالحها، غير أنه قال إنه هذا سيوحي بصدام بين السلطات الثلاثة".

وقال، ، إنه "طبقا لأحكام الدستور والمبادئ الدستورية العامة وقانون مجلس الدولة، فإن القضاء الإداري لا يختص بنظر الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة والمحكمة الدستورية العليا، هي صاحبة الاختصاص في الفصل حاليا بين الحكمين ".

وبحسب الجمل فإنه "حتى بعد صدور الحكم من الدستورية العليا سيئول الأمر للبرلمان مرة أخرى"، باعتباره صاحب الاختصاص.

لكن أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان جهاد عودة، رأى أن قرار المحكمة الإدارية العليا يعد بمثابة رفض لقرار الحكومة بإحالة الاتفاقية للبرلمان.

وقال " عرض الاتفاقية على البرلمان يضع رئيس الجمهورية والسلطتين التنفيذية والتشريعية في مأزق الصراع بين السلطات".

وتابع "مناقشة الاتفاقية لا تجوز الآن، وأخشى أن تدخل مصر في متاهة الخلاف القانوني والدستوري".

وطالب عودة السلطة المصرية بإغلاق هذا الباب، مؤكدا أن "المشكلة ليست في جزيرتي تيران وصنافير ولكن في ترسيم الحدود البحرية، وموارده التي ستفتح صراعًا بين إسرائيل ودول البحر الأحمر".

بينما لفت محمد حامد الخبير القانوني إلى أن مناقشة البرلمان للاتفاقية ستفتح باباً للتنازع مع القضاء، منوهاً إلى أن حكم الدستورية العليا، سيزيد الأمر وضوحاً.

وقال "إذا حكمت الدستورية باختصاص القضاء في نظر الاتفاقية سيغلق ملفها داخل الحكومة والبرلمان".

من جانبه، قال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة "بالتأكيد نشأ صدام بين السلطات الثلاثة وكان الأجدر بالسلطة التنفيذية أن تحترم حكم القضاء بشأن تيران وصنافير؛ لأن الاستجابة لفقهاء السلطة باعتبار مجلس الشعب هو صاحب الاختصاص للأزمة وليس حلها".

وأضاف "ما نراه وضعا مقلوبا لو انتهى به المطاف في البرلمان، فنحن أمام أمران إما رفض الاتفاقية وهذه لطمة ثانية للحكومة بعد رفض القضاء، أو موافقة البرلمان على الاتفاقية وستكون ذلك كارثة لأنها ستكون تحديا لسيادة أحكام القضاء وإهدارا لها".

وقال سعيد صادق أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية "لم يحسم الصراع بعد بين السلطات الثلاثة المصرية، وهذا الصراع جديد في المشهد السياسي".

وأوضح أن " مجلس النواب هو الفيصل في الصراع بين السلطات الثلاثة في هذه الاتفاقية بحكم الدستور حتى ولو أصدر القضاء أي حكم وفق المادة 151 من الدستور".

وتنص المادة 151 من الدستور "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب "وهو ما يؤكد المعارضون عدم انطباقه على اتفاقية " تيران وصنافر" ، كونها تتضمن تنازلاً عن جزء من الأراضي المصرية.

التعليقات