12/12/2016 - 09:36

ترامب يسخر من مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية

واشنطن - ظهر خلاف غير اعتيادي بين الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً دونالد ترامب وبين مكتب الأمن القومي، حيث سخر الرئيس ترامب من مزاعم الاستخبارات الأميركية التي تقول بأن روسيا قد تدخلت في الانتخابات الأميركية لصالحه.

ترامب يسخر من مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية

 ظهر خلاف غير اعتيادي بين الرئيس الأميركي المنتخب حديثا، دونالد ترامب، وبين مكتب الأمن القومي، حيث سخر الرئيس ترامب من مزاعم الاستخبارات الأميركية التي تقول إن روسيا قد تدخلت في الانتخابات الأميركية لصالحه، في حين تعهد أعضاء كبار في الحزب الجمهوري بإجراء تحقيقات حول نشاطات الكرملين.

وصرح مسؤولون استخباراتيون يوم السبت، بأن وكالة الاستخبارات المركزية (C.I.A) لم تغير تصريحاتها الرسمية بشأن النشاطات الروسية سوى بعد مرور أسبوع على الانتخابات، حيث توصّلت إلى نتيجة بأنّ حكومة الرئيس فلاديمير بوتين لم تكتفي بمحاولة عرقلة الانتخابات، بل عملت لصالح دعم أحد المرشحين فيها.

وخوفاً من أن يظهر الأمر على أنه تسييس للنتائج الاستخباراتيّة التي توصلوا إليها، تردد المحللون في وكالة الاستخبارات المركزية في الوصول إلى هذه النتائج في أثناء الانتخابات الرئاسية؛ على الرغم من أنّ العديد من من أنصار هيلاري كلينتون قد اعتبروا بأنّ التدخّل لصالح ترامب كان واضحاً، نظراً لحادثة تسريب بعض الرسائل من بريد كلينتون الإلكتروني بواسطة رئيس حملتها الانتخابية وآخرين.

وصرّح أحد المسؤولين الاستخباراتيين بأنّ ثمة مؤشرات، ظهرت منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر، تُشير إلى أنّ الروس قد ركّزوا على إلحاق الأذى بحملة كلينتون. كما ذكر مسؤول آخر بأنّ بطء وكالة الاستخبارات المركزية في الوصول إلى نتائج واضحة وتغيير إفادتها كان أحد الأسباب التي دفعت الرئيس الأميركي السابق أوباما لطلب تنظيم مراجعة شاملة لـ'الدروس المستفادة' من العملية التي استهدفت التأثير على مسار الانتخابات.

لكن الكشف عن هذه النتائج، التي لا تزال سرية، دفع الرئيس الأميركي ترامب لشن هجوم عنيف ضد وكالة الاستخبارات، حيث صرّح مكتبه الانتقالي في بيان له مساء الجمعة بأن 'هؤلاء هم الأشخاص ذاتهم الذين قالوا بأن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل'، مضيفاً بأن الانتخابات قد انتهت، وحان الوقت للمضي قدماً.

في هذه القضيّة، حدث انقسام بين ترامب والعديد من الجمهوريين في لجان الاستخبارات في الكونغرس الأميركي، الذين قالوا بدورهم بأنهم حصلوا على أدلة واضحة، في جلسات سريّة، تفيد بوجود حملة روسية للتدخل في الانتخابات.

وقد أثارت هذه الخلافات جملة من الأسئلة، حول الطريقة التي سيتعامل بها ترامب مع وكالات الاستخبارات، التي سيكون مضطراً للاعتماد عليها لتحليل التحركات الصينيّة، والروسيّة، وتطوّرات الوضع في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى دورها الحيويّ في العمليات السرية لإرسال الطائرات بدون طيار ومراقبة أنشطة شبكة الإنترنت. 

في هذه المرحلة الانتقاليّة، عادة ما يقوم الرئيس المنتخب بالتعمّق في الشؤون الاستخباراتيّة التي لم يألفها من قبل، وفهم إمكانات وكالة الاستخبارات المركزيّة ومكتب الأمن القومي. إلا أنّ ترامب الذي لم يشارك في الاجتماعات الاستخباراتيّة المغلقة إلا نادراً، قد بدأ بالتشكيك فوراً، لا بالنتائج التحليليّة التي توصّلت إليها الأجهزة الاستخباراتيّة، بل أيضاً بما وراءها.

'أن يرفض الرئيس المنتخب هذه السرديّة المدعّمة بالحقائق، التي قدّمتها الدوائر الاستخباراتيّة، لأنّ ذلك يتعارض مع افتراضاته الأوّليّة؛ هل يعقل هذا؟!'. هكذا علّق مايكل هايدن، الذي عمل مديراً لوكالة الأمن القومي N.S.A وعمل لاحقاً مديراً لوكالة الاستخبارات المركزيّة إبان رئاسة جورج دبليو بوش.

مع الخلافات المشحونة بين الطرفين؛ حيث أصبح أنصار ترامب يعتبرون الأمر مؤامرة للإطاحة برئاسته، وبات أنصار كلينتون يرونه مؤامرة لإبعادها عن الرئاسة، أصبحت الحقائق الأساسيّة نقطة للخلاف في هذه البيئة الحرجة.

هاجم فريق ترامب وكالات الاستخبارات بعد أن نشرت 'واشنطن بوست' تقريراً يُفيد بأنّ وكالة الاستخبارات المركزيّة تعتقد بأنّ روسيا قد تدخّلت لإضعاف كلينتون ودعم ترامب، وبعد أن نشرت 'نيويورك تايمز' تقريرها الذي أفاد بأنّ روسيا قد اخترقت شبكة الكمبيوتر الخاصّة باللجنة الوطنيّة للحزب الجمهوري، بالإضافة إلى اختراقها لشبكة أجهزة الحزب الديمقراطي، وقد نشرت في تقريرها الوثائق المتعلّقة بحادثة اختراق شبكة الحزب الديمقراطي فقط.

لعدّة أشهر، رفض الرئيس المنتخبّ بشدّة كلّ التأكيدات القائلة بأنّ روسيا تعمل على دعمه، على الرغم من أنّه في أحد المواقف قد دعا روسيا للكشف عن آلاف رسائل البريد الإلكتروني الأخرى لكلينتون. ليس ثمّة دليل على أنّ التدخّل الروسي قد أثّر على نتيجة الانتخابات أو على شرعيّة الأصوات، إلا أنّ ترامب ومساعديه يريدون إغلاق الباب تماماً في وجه مثل هذه الأفكار، بما فيها فكرة أنّ بوتين قد عمل وخطط لإيصال ترامب إلى البيت الأبيض.

بدلاً من ذلك، حرص ترامب على صياغة المسألة كما لو أنّها سرّ لا سبيل لمعرفته، فقد صرّح لمجلّة 'تايم' قائلاً: 'قد تكون روسيا، وقد تكون الصين، وقد يكون شخصاً ما في بيته في نيوجرسي'.

ولكنّ الجمهوريين، الذي يرأسون لجان الكونغرس التي تشرف على وكالات الاستخبارات، والبنتاغون، ووزارة الأمن الداخلي، قد اتخذوا وجهة نظر معارضة. فقد صرّحوا بأنّ روسيا هي من تقف وراء التدخّل في الانتخابات، إلا أّنّهم أكّدوا بأنّ معرفة نطاق التدخّل وهدفه لا يزال بحاجة إلى مزيد من التحقيقات والتقارير العامّة.

ثمة سؤال ما يزال بحاجة إلى مزيد من التفحّص، وهو لماذا تعتقد وكالات الاستخبارات بأنّ شبكة الحزب الجمهوري قد تمّ اختراقها في حين أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي (F.B.I)، والذي يُدير عمليات التحقيق المحليّة على شبكة الإنترنت، قد أخبر الجمهوريين، فيما يبدو، بأنّه لم يرصد أيّ دليل على وجود مثل هذا الاختراق. وقد قال مسؤولون كبار إن النتائج التي توصّلت لها وكالات الاستخبارات لم يتمّ تعميمها على نطاق واسع، حتى مع الجهات المشرفة على تنفيذ القانون.

'لا يمكن أن نسمح لحكومة أجنبيّة أن تتدخّل في ديمقراطيتنا'، هكذا صرّح النائب الجمهوري عن تكساس مايكل ماكويل، والذي يرأس لجنة الأمن الداخلي، والذي كان مرشّحاً من ترامب لمنصب وزير الأمن الداخلي، وقد قال في مؤسسة التراث المحافِظة: 'عندما يفعلون ذلك، فعلينا أن نردّ بقوّة، وبالعلن، وبحسم'.

وقد قال إن النشاط الروسي يعني 'دعوة لعمل شيء'، كما قال ذلك السيناتور جون ماكين، أحد أعضاء مجلس الشيوخ القلائل الذين عاصروا حقبة الحرب الباردة، حين أصبحت المعارضة الجمهوريّة للإتحاد السوفيتي – والشكّ العميق تجاه روسيا لاحقاً- أحد أسس السياسة الخارجيّة للحزب.

في حين قال بيتر تي. كينغ، النائب الجمهوري عن نيويورك، والعضو في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب إن جميع الاحتمالات تُشير إلى تورّط الحكومة الروسيّة في اختراق شبكة اللجنة الوطنيّة للحزب الديمقراطي. وقال إن 'جميع المحللين الاستخباريين الذين حققوا في المسألة قد وصلو إلى النتيجة نفسها بأنّ أسلوب العمل يشابه الأسلوب الروسي'.

حتى أنّ أحد أكثر أنصار ترامب حماسة، النائب ديفين نونيز، الممثّل عن كاليفورنيا، قد قال يوم الجمعة بأنّه لا يشكّ بأنّ أصابع الاتهام يجب أن تتوجّه إلى روسيا. إلا أنّه قد أعرب عن استيائه من وكالات الاستخبارات، التي قد فشلت 'مراراً' في 'التنبّؤ بتحرّكات بوتين العدائيّة مسبقاً'، ومن إدارة أوباما التي لم تمتلك القدرة على معاقبة روسيا على هذه الحوادث.

وقد قال نونيز، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب، بأنّ وكالات الاستخبارات 'قد تجاهلت عدداً هائلاً من مطالبات أعضاء لجنة الاستخبارات باتخاذ إجراءات حاسمة وقويّة تجاه سلوكات الكرملين العدائيّة'. وأضاف أن إدارة أوباما ' قد صحت فجأة من غيبوبتها وانتبهت إلى الخطر'.

كالعديد من الجمهورين، يحاول السيد نونيز التوفيق بين المواقف المتعارضة. حيث قدّم تصريحاً يضعه في موقف معارض للموقف الذي اتخذه الرئيس ترامب، ومستشار الأمن القومي القادم مايكل فلين، الذي زار روسيا كمواطن عادي بدعوة من وكالة الأنباء الروسية RT، الخاضعة لإشراف الدولة، وتناول العشاء مع السيد بوتن.

كما إنّ تأكيد السيد نونيز على أنّ أوباما كان يتطّلع لـ'إعادة ضبط' وتحسين العلاقات الروسية الأميركية أمر جدير بالذكر؛ وذلك بسبب تأكيد الرئيس ترامب على سعيه لتحقيق ذات الهدف؛ على الرغم من تجنبه استخدام هذا الوصف، الذي بات شائعاً بواسطة السيدة كلينتون في مسعاها المتعثر كوزيرة للخارجية عام 2009.

كما إنّ ثمة انشقاقات داخلية بين وكالات الاستخبارات ولجان الكونغرس المشرفة عليها. ويقول مسؤولون بأن وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي N.S.A لم تكن تزود مكتب التحقيقات الفيدرالي بمعلوماتها على الدوام، الذي لا تثق به الوكالات السابقة دوماً. ويبقى السؤال عن مدى فعاليّة التحقيقات وسرعتها عُرضة للمزاج السياسي: حيث يدفع الديموقراطيون، في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بقوة نحو إجراء تحقيقات واسعة النطاق، في حين يعارض بعض الجمهوريين ذلك.

دوماً يمكن تسييس الاستخبارات، ولذا فإنّ أحد النقاشات الجارية فيما يتعلق بالتقييمات الخاطئة الكارثيّة حول العراق، والتي يستشهد بها الرئيس ترامب كثيراً، هو ما إذا كانت الاستخبارات متورّطة بهذا الشأن، أو ما إذا كانت إدارة بوش في البيت الأبيض قد قامت بقراءتها بشكل انتقائي لدعم مشروعها في حرب العراق عام 2003.

لكن ما يتم كشفه الآن حول القرصنة الروسية هو أكثر تعقيداً من ذلك، لأن تعقب مصدر الهجمات الإلكترونية أمرٌ صعب ومعقد. وما يزيد الأمر صعوبة هو أنّ وكالة الاستخبارات الأميركية ووكالة الأمن القومي لا تريدان الكشف عن المصادر البشرية والقدرات التقنية، بما في ذلك البرمجيات الأميركية المزروعة في شبكات الحاسوب الروسية.

كما هو معروف، ففي منتصف عام 2015، قامت مجموعة قرصنة مرتبطة بخدمة الأمن الإتحاديّة (F.S.B)، الذي حلّ محلّ لجنة أمن الدولة K.G.B [جهاز الاستخبارات السوفيتي القديم(المترجم)]، باختراق شبكة الحاسوب التابعة للجنة الوطنية الديموقراطية.  وباتت عملية جمع المعلومات الاستخباراتيّة أمراً روتينياً وغير مفاجئ؛ قام الصينيون، على سبيل المثال، باختراق حملة الانتخابات الرئاسية لكل من السيد أوباما والسيد ماكين عام 2008.

في ربيع 2016، هاجمت مجموعة أخرى من القراصنة الروس، المرتبطين بوكالة الاستخبارات العسكرية G.R.U، اللجنة الوطنية الديموقراطية D.N.S مرة أخرى، بالإضافة لاختراقهم البريد الإلكتروني للعديد من  الشخصيات البارزة في واشنطن كجون بوديستا، رئيس حملة السيدة كلينتون. وفي نهاية المطاف تمّ نشر هذه الرسائل؛ وهي خطوة لم يقدم عليها الروس من قبل في الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من استخدام هذا التكتيك في دول الاتحاد السوفييتي سابقاً، وأماكن أخرى في أوروبا. الأمر الذي نقل القضية من كونها عملية تجسس إلى 'عملية معلوماتيّة' بدافع سياسي.

وقال أحد الأشخاص الذين حضروا اجتماعاً سرياً للاستخبارات بأن المحققين أوضحوا بأن البرمجيات الخبيثة المستخدمة في الهجمات الإلكترونية على اللجنة الوطنية الديموقراطية تشبه أدوات تمّ استخدامها سابقاً من قبل قراصنة ذوي صلة مؤكدة بالحكومة الروسية.  ويعتبر هذا النوع من 'تحليل النموذج' شائعاً في التحقيقات حول الهجمات الإلكترونية، على الرغم من كونه غير حاسم.

لكن وكالة الاستخبارات امتلكت المزيد هذه المرّة؛  فقد نجحت في التعرف على الأشخاص المشرفين على عمليات الاختراق في وكالة الاستخبارات العسكرية الروسيّة. وهو ما تمّ على الأرجح من خلال اعتراض المحادثات، وعمليات التجسس، أو زرع برامج في أنظمة الكمبيوتر تتيح تعقّب الرسائل الإلكترونيّة والنصّية.

في جلسات مغلقة مع السيّد أوباما في الكونغرس، قال وكالات الاستخبارات إنّهم يعتقدون بأنّ ما بدأ كمحاولة لتقويض مصداقيّة الانتخابات الأميركية تحوّل مع الوقت إلى عمليّة لإضعاف السيدة كلينتون، التي طالما اتهمها بوتين بالتدخّل في الانتخابات البرلمانيّة في 2011.

ولكنّ الروس، بهدف الحفاظ على خياراتهم مفتوحة، وفقاً للجلسة المغلقة، قاموا باستهداف اللجنة الوطنيّة للحزب الجمهوري، ونشطاء الحزب الجمهوري وبعض الأعضاء البارزين في الحزب، كوزير الخارجيّة الأسبق كولن باول. ولكن لم يتم نشر هذه الرسائل الإلكترونيّة، باستثناء حالة كولن باول، والتي أثّرت سلباً على حملة السيّدة كلينتون لأنّها حاولت جرّه للدفاع عنها بسبب استعمالها لجهازها الشخصيّ في المراسلة.

على أنّ المتحدّث باسم اللجنة الوطنيّة للحزب الجمهوري، شون سبيسر رفض التقرير الذي نشرته تايمز القائل بأنّ لجنة الاستخبارات قد وصلت إلى نتيجة بأنّ اللجنة الوطنيّة للحزب الجمهوري قد تمّت مهاجمتها أيضاً.

اقرأ/ي أيضًا | القوميّة الجديدة

وقال على حسابه على تويتر، إنّ 'اللجنة الوطنيّة للحزب الجمهوري لم تُخترق'، وبأنّ هذا الكلام قد 'قيل للنيويورك تايمز، ولكنّها تجاهلته'. في ليلة الجمعة، قبل أن تنشر التايمز تقريرها، رفضت اللجنة الوطنيّة التعليق على الأمر. 

التعليقات