26/12/2016 - 09:37

"نيويورك تايمز": الولايات المتحدة والتخلّي عن إسرائيل

تواجه الأمم المتحدة ضغوطًا غير اعتيادية من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترامب، واللوبي الإسرائيلي الغاضب، حيث سمحت إدارة أوباما، يوم الجمعة، لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإصدار قرار يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية.

"نيويورك تايمز": الولايات المتحدة والتخلّي عن إسرائيل

(أ ف ب)

تواجه الأمم المتحدة ضغوطًا غير اعتيادية من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترامب، واللوبي الإسرائيلي الغاضب، حيث سمحت إدارة أوباما، يوم الجمعة، لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإصدار قرار يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية.

ويعكس قرار الإدارة الأميركيّة، بعدم استخدام الفيتو ضدّ هذا القرار، الإحباط المتراكم تجاه المستوطنات الإسرائيلية. حيث كان قرار الامتناع الأميركي عن التصويت بمثابة كسر لسياسة حماية إسرائيل، طويلة الأمد، من أي قرار أممي يصف المستوطنات بغير القانونية.

وفي حين، لا يتوقع وجود أي أثر حقيقي على الأرض لهذا القرار، فإنّه يشكل رفضًا صريحًا لإسرائيل، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد عزلة إسرائيل في عملية السلام المتوقّفة مع جيرانهم الفلسطينيين، الذين سعوا لبناء دولتهم على الأراضي التي استولت عليها إسرائيل.

تصاعد التصفيق في غرفة مجلس الأمن، المؤلف من 15 عضوًا، بعد التصويت على هذا القرار، والذي حصد 14 صوتًا مقابل صفر أصوات، وامتناع سفير الولايات المتحدة الأميركية، سامانثا باور، عن التصويت. ندد السفير الإسرائيلي داني دانون هذا القرار، منتقدًا أعضاء المجلس الذين وافقوا عليه؛ قائلاً 'هل مُنِع الفرنسيون من بناء باريس؟'.

ويصف القرار بناءَ المستوطنات بأنّه 'عقبة كبرى' في طريق السلام، ويطالب إسرائيل بوقف بنائها، والذي تعتبره معظم دول العالم عملاً غير قانوني.

وأصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي حاول جاهداً في الأيام الأخيرة منع التصويت على هذا القرار، شجبًا وإدانة عنيفة للموافقة على هذ القرار.

حيث صرح السيد نتانياهو في بيان له بأنّ 'إسرائيل ترفض هذا القرار المشين والمعادي لإسرائيل في الأمم المتحدة ولن تمتثل له'، مُضيفًا 'في الوقت الذي لم يتخذ فيه مجلس الأمن أي إجراء لوقف ذبح أكثر من نصف مليون إنسان في سورية، فإنّه يحتشد، وبصورة مخزية، ضدّ الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؛ إسرائيل، ويطلق على الحائط الغربي لقب 'أراض محتلة'.

واتخذ نتنياهو على الفور إجراءات عقابية ضدّ بلدين من مجموع البلاد التي رعت القرار. وأمر سفراء إسرائيل في نيوزيلاند والسنغال بالعودة إلى البلاد لإجراء المباحثات، وألغى زيارة وزير الخارجية السنغالي المخطط لها في الشهر المقبل، وأوقف جميع برامج المساعدات إلى السنغال.

وقد جاء التصويت بعد يوم واحد من تدخل السيد ترامب بشكل شخصي لمنع هذا القرار، والذي اقترحته مصر في الأساس، قبل سحبها مقترح القرار من التصويت الذي كان مقررًا يوم الخميس. وقال مساعدو ترامب أنّه قد تحدث إلى نتنياهو؛ وقام كلًّ من ترامب ونتنياهو بالتحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. حيث قامت مصر بتأجيل القرار تحت ضغط شديد، كما وصفه سفير مصر لدى الأمم المتحدة.

ولكنّ ولإظهار السخط المتصاعد، فإنّ أربع دول أخرى في مجلس الأمن؛ ماليزيا ونيوزيلاندا والسنغال وفنزويلا، وهي جميعًا دول قويّة مؤقّتة العضويّة، يتم استبدال مقاعدها كل سنتين، سرعان ما تبنّت مقترح القرار من مصر وعرضته للتصويت يوم الجمعة.

وقد انتقدت إدارة أوباما بشدّة عمليّة بناء المستوطنات الإسرائيلية، واصفة إياها بكونها عائقًا أمام مشروع حلّ الدولتين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ والذي لطالما كان موقف الولايات المتحدة الأميركية، أيّاً كان الحزب الحاكم.

وقد أوضح ترامب، الذي حثّ الإدارة على استخدام حق النقض 'الفيتو' ضدّ القرار، بأنّه سيتخذ نهجًا أكثر تعاطفًا مع إسرائيل، عندما تستلم إدارته زمام الأمور في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل.

وشكّلت تعليقات ترامب على هذا القرار التدخل الأكثر مباشرة في الشؤون الخارجية منذ توليه السلطة. فبعد دقائق من إعلان تصويت مجلس الأمن، عبّر السيد ترامب عن غضبه المعروف في منشور له على تويتر قائلاً: 'فيما يتعلق بالأمم المتحدة، ستكون الأمور مختلفة بعد 20 يناير'.

وقد استنكرت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركيين القرار، وهو ما يعكس الولاء العميق لإسرائيل من قبل الجمهوريين والديموقراطيين على السواء. وقال عضو مجلس الشيوخ في نيويورك تشاك شومر: 'إنّه لأمر محبط للغاية، ومخيب للآمال ومحرج، أنّ تفشل الإدارة في استخدام حق النقض 'الفيتو' ضدّ هذا القرار'.

وتوعّد عضو مجلس الشيوخ في كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام، الذي يشرف على اللجنة الفرعية المسؤولة عن تمويل الأمم المتحدة من قِبل الولايات المتحدة، باتخاذ خطوات يمكن أن 'تعطّل أو تقلل بشكل ملحوظ' من هذا التمويل.

وتكشف ردود الفعل على هذا القرار أيضًا التصدّعات وسط اليهود الأميركيين فيما يتعلق بسياسة إسرائيل. فقد وصف البعض، مثل المؤتمر اليهودي العالمي واللجنة اليهودية الأميركية، القرار بأنّه إجراء أحادي الجانب لن يساعد في عملية السلام. بينما قال رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، رونالد لودر، في بيان له: 'من المقلق والمؤسف أنّ الحليف الأكبر لإسرائيل، الولايات المتحدة، اختارت الامتناع عن التصويت بدل استخدام حق النقض ضدّ هذا النص الضارّ'.

وأشادت مجموعات أخرى، تتخذ موقفًا نقديًا متصاعدًا ضدّ نهج الحكومة الإسرائيلية إزاء عملية السلام، بالقرار وبعدم استخدام إدارة أوباما حقّ النقض. 

بينما قالت منظمة جي ستريت، والتي يقع مقرّها في واشنطن، والتي لا تؤيد مشروع حلّ الدولتين، بأنّ القرار 'يكشف عن التأييد الواسع من المجتمع الدولي، بما في ذلك أصدقاء وحلفاء إسرائيل المقربين، لمشروع حلّ الدولتين، وقلقهم العميق إزاء تدهور الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعدم وجود تقدم ملموس نحو عملية السلام'.

كما وصفت سفيرة الولايات المتحدة، باور، امتناع أميركا عن التصويت، بأنّه متّسق مع الرفض الأميركي لبناء المستوطنات، لكنّها في الوقت ذاته انتقدت تعامل الدول في الأمم المتحدة مع إسرائيل بشكل غير عادل. وقالت أنّ الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بـ'دعمها الثابت' لإسرائيل، مذكّرة المجلس بكمية المساعدات العسكرية الهائلة التي تقدمها أميركا لإسرائيل.

وأضافت السيدة باور بأنّ الولايات المتحدة اختارت الامتناع عن التصويت ضدّ القرار، كما حدث سابقًا في قرار آخر تحت إدارة أوباما عام 2011، لأنّ عملية بناء المستوطنات تسارعت بشكل مبالغ فيه، الأمر الذي وضع مشروع حلّ الدولتين في خطر، ولأنّ عملية السلام ما زالت متعثرة.

وقالت أيضًا: 'اليوم أكدّ مجلس الأمن إجماعه على عدم حيازة عمليّة بناء المستوطنات على أيّ شرعية قانونية'؛ 'منذ خمسة عقود ترسل الولايات المتحدة الأميركية رسالة تنص على وجوب وقف بناء المستوطنات سرّاً وعلانية'.

وبشكل متكرر، قامت باور بانتقاد القادة الفلسطينيين لفشلهم في إدانة العنف ضدّ المدنيين الإسرائيليين. لكنّها وجّهت جزءًا مهمًا من تصريحاتها لتنياهو، الذي لطالما كانت العلاقة بينه وبين أوباما علاقة غير ودودة. 'لا يمكن للمرء أن يدعم توسع المستوطنات الإسرائيلية ومشروع حلّ الدولتين، الذي من شأنه أن يضع حدًا للصراع، في آنٍ معًا'، كما قالت باور محاججة بأنّ المستوطنات تقوّض أمن إسرائيل.

أما السفير الإسرائيلي، دانون، والذي كان قدّ حثّ الوفد الأميركي على نقض القرار، فقد أعرب عن غضبه في بيان خاصّ، متطلعًا إلى حدوث تغيّر في السياسة الخارجيّة تجاه إسرائيل في رئاسة ترامب.

وصرّح قائلاً: 'كان من المتوقع أن تتصرف الولايات المتحدّة، أكبر حليف لإسرائيل، بشكل يتماشى مع القيم المشتركة بيننا، وأنّ تستخدم حقّ النقض الفيتو ضدّ هذا القرار المشين'.

في المقابل، رحب السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، بتبني القرار مع إظهار تحفظه وتحذيره: ' في الواقع، ربما يكون قرار اليوم ضئيلاً ومتأخراً جداً'. وأضاف: ' بعد سنوات من السماح باختراق القانون، وتدهور الوضع إلى درجاته القصوى، يمكن أن يشكل هذا القرار المحاولة الأخيرة لإنجاح مشروع حلّ الدولتين، وإحياء مسار السلام من جديد'. 

وأدان القرار بناء المساكن الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة باعتباره يمثّل 'انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي'، ومن شأنه أن 'يعرّض إمكانيّة حدوث [تسوية سلمية مستقبلية لإنشاء دولة فلسطينية] للخطر'.

وتضمن القرار، في إشارة لإسرائيل وداعميها، إدانةً لـ'جميع أفعال العنف ضدّ المدنيين، بما في ذلك الأعمال الإرهابية، والاستفزازية والتحريضية والتدميرية'.  هذه اللغة الدبلوماسية التوبيخية تُشير أيضاً إلى القادة الفلسطينيين، الذين تتهمهم إسرائيل بتشجيع الهجمات على المدنيين الإسرائيليين.

أما حماس، الحركة الفلسطينية التي تسيطر على قطاع غزة، والتي تعتبر منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فقد أعربت عن تقديرها لمجلس الأمن. حيث قال المتحدث باسم الحركة حازم قاسم: ' نحن نثني على الدول التي صوتت لهذا القرار'؛ ' ونؤكد على ضرورة تطبيق القرار على أرض الواقع، ليس فقط لوقف الاستيطان ، ولكن للقضاء على الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكاله'.

التعليقات