حول أنشطة إسرائيل في الفضاء- المخفيّ أعظم.../ أنطوان شلحت

حول أنشطة إسرائيل في الفضاء- المخفيّ أعظم.../ أنطوان شلحت
يخضع الحديث عن أنشطة إسرائيل في الفضاء إلى "القيود الأمنية القائمة" (الصارمة)، حسبما يوضّح أكثر من مشارك في كتابة مواد "الورقة الإسرائيلية" رقم 38 (*)، التي تتمحور أساسًا حول الجوانب الإستراتيجية لهذه الأنشطة على الصعيدين المدني والأمني.

وهذه "الورقة" هي في الأصل ترجمة لنشرة صدرت في صيف 2006 عن "مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية" في جامعة بار إيلان وضمّت المحاضرات التي أُلقيت خلال يوم دراسي نظمه المركز في كانون الأول/ ديسمبر 2005 تحت عنوان "إسرائيل في الفضاء- جوانب إستراتيجية".

يركّز بعض المحاضرين على البعد المعنوي لأنشطة إسرائيل المتنوعة في الفضاء، والمقصود ذلك البعد الذي عادة ما يؤطر الدول التي لديها أنشطة متشعبة في الفضاء في عداد "الدول المتقدمة". بل إنّ أحدهم يرى، بصورة إطلاقية للغاية، أن أية دولة ليس لديها الآن تواجد في الفضاء، وبالقطع تلك التي لن تبلغ ذلك في العقد المقبل، لن تستطيع الانتماء إلى نادي الدول المتقدمة، تماماً مثلما أن الدولة التي لم تكن تمتلك قبل عدة عقود حضورًا في الجوّ بواسطة أسلحة جوّ عصرية، لم تكن تُعتبر في عِداد هذه الدول.

لكن يبقى الأهم هو ما لهذه الأنشطة من أبعاد عسكرية وإستراتيجية، وهي الأبعاد نفسها التي تحدّها "القيود الأمنية"، بحيث يمكن الجزم أن المسكوت عنه هو الشيء الجوهري الذي تعرض عنه، بل لا تتطرّق إليه البتّة المحاضرات كافة، لا من قريب ولا من بعيد.

في شأن الأبعاد العسكرية، على وجه التحديد، يتجوهر الجنرال في الاحتياط إيتان بن إلياهو، قائد سلاح الجوّ الإسرائيلي الأسبق، أحد المشاركين في كتابة مقالات هذه النشرة، حول أهمية الفضاء في ضوء ما يسميه بـ"الوضع الإستراتيجي الجديد" من ناحية إسرائيل. وخلال ذلك يشدّد على أنه في ظل هذا الوضع لم يعد استخدام الفضاء لأغراض عسكرية شأنًا مستقبليًا، بل إنه يحدث الآن. ومن غير الصعب الاستدلال على أنّ المعنى الزمني لمفردة الآن، في عرفه، هو منذ سنوات طويلة، وآية ذلك ضمن أمور أخرى أنه "قبل عدة سنوات غيّر سلاح الجو الأميركي اسمه ليصبح "سلاح الجو والفضاء"، وفي العام 1999 حذا حذوه سلاح الجوّ الإسرائيلي. وهذه التسمية الجديدة تشير إلى فهم تمّ بموجبه، من ناحية سلاح الجو (الإسرائيلي)، دمج بُعدي الجوّ والفضاء في بعد واحد".

لعلّ أكثر ما يسم هذا "الوضع الجديد"، في قراءة بن إلياهو، هو أنه تمّ نصب بطاريات صواريخ باليستية في أنحاء متفرقة من الشرق الأوسط وُجِّهت صوب إسرائيل، وقد نشرت قواعد الصواريخ في دول مختلفة، وفي مناطق ومسافات تبعد لغاية 2000 وحتى 2500 كم عن وسط البلاد (إسرائيل). أي أن مصدر التهديد لم يعد يتركز فقط على امتداد حدود إسرائيل، وإنما يمكن أن يطاول من أي اتجاه، وبإنذار قصير، عمق الدولة أو جبهتها الداخلية بصورة مباشرة.

وفي ظل هذه الظروف الجديدة أصبح الزمن، الذي يمرّ من لحظة اتخاذ القرار وحتى ضرب إسرائيل، قصيرًا. وهذا يعني أنه في حال حدوث تصعيد، فإن المدة الزمنية اللازمة لشنّ حرب بواسطة إطلاق صواريخ، أقصر من المدة الزمنية التي كانت لازمة بمقتضى الوضع السابق.
وعلاوة على ما تقدّم فإنّ الحرب يمكن أن تدور على عدة جبهات متباعدة فيما بينها. ونظرًا لعدم وجود إمكانية لتوزيع كمية الوسائل المحدودة على كل الجبهات، فإن من الضروري التمركز أو التواجد في الفضاء بغية مراقبة كل الجبهات في آنٍ واحد.

والخلاصة التي يتوصل إليها هي أنه يتعيّن على إسرائيل توفير المتطلبات الحيوية لساحة المعركة ولأمن الدولة بما يتماشى ويواكب الظروف الجديدة في ميدان القتال، والعمل فقط من بعد ذلك على خدمة الاحتياجات العلمية والتجارية. زد على هذا أن تواجد إسرائيل في الفضاء سيسهم من ناحيتها "في تعزيز قدرة الردع تجاه أعدائها، وسيخدم الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن في أوقات الحرب والسلام، وسيضع إسرائيل في ركاب الدول المتطورة".

تنضفر مقولات بن إلياهو تخصيصًا مع المقاربة التي قدمها عوزي روبين، المدير السابق لمشروع صاروخ "حيتس" (سهم) المضاد للصواريخ في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وهي بعنوان "برنامج صواريخ إطلاق الأقمار الاصطناعية الإيراني وأبعاده". فإن اهتمام روبين منصبّ، بصورة رئيسة، على الصواريخ الإيرانية.

يرى هذا الخبير أنّ إسرائيل تقف، حيال مشروع الفضاء الإيراني، في مواجهة خطرين اثنين:

- الأول هو الخطر المباشر، الناجم عن قدرة الجمع الاستخباري التي ستمتلكها إيران، "إذ أن قمرًا اصطناعيًا إيرانيًا يمرّ فوق إسرائيل يستطيع أن يصوّر بحرية وبدقة ووضوح جيدين، ولدينا (في إسرائيل) الكثير من الأمور التي لا نرغب في تمكن الإيرانيين من تصويرها". والنتيجة المطلوبة هي أنه إذا توافرت لإيران بالفعل قدرة جمع استخبارية فضائية فإنه "سيتعين على إسرائيل أن تستعد لذلك من ناحية عسكرية".
- أمّا الخطر الثاني فإنه يتمثل في تهديد الصواريخ الإيرانية للولايات المتحدة. فامتلاك إيران قدرة ردع تجاه الولايات المتحدة لا يشكل برأيه تطورًا إيجابيًا من ناحية إسرائيل. صحيح أن الولايات المتحدة تمتلك وسائل للردّ، ولكن ليس من الواضح مدى استعداد المواطنين الأميركيين لتحمل ضربة إيرانية، أو حتى مدى استعدادهم لتأييد رد أميركي مؤثر في أعقاب هجوم إيراني، ولا سيما إذا ما تحوّلت إيران إلى قوّة نووية. ولذا فإنّ إسرائيل تفضل وضعًا تكون فيه الولايات المتحدة محصنة ومحمية في مواجهة تهديد صواريخ إيرانية. ويتوقع روبين أن تشهد إسرائيل تغييرًا في التعاون مع الولايات المتحدة بالذات في موضوع الحماية من الصواريخ. "فالتعاون القائم اليوم والذي هو في اتجاه واحد، وبموجبه فإنّ الولايات المتحدة هي المعنية بأن تكون لإسرائيل حماية من الصواريخ، سيتحوّل إلى تعاون في الاتجاهين، بمعنى أن إسرائيل ستكون معنية أيضًا بتوفر حماية للولايات المتحدة من الصواريخ". وفي اعتقاده أنّ لدى إسرائيل طرقًا لمساعدة الولايات المتحدة في هذا المضمار، لا يخوض فيها لكونها، بالتأكيد، مندرجة في إطار التفاصيل التي تلفها السرية التامة. وإنّ في مجرّد ذلك ما يعيدنا إلى ما بدأنا به هذا التقديم بشأن أن ما خفي من أنشطة إسرائيل العسكرية الإستراتيجية في الفضاء لا يزال بطبيعة الحال هو الأعظم.

______________________________________


(*) الكتاب: "إسرائيل في الفضاء- جوانب إستراتيجية"، نشرة صادرة عن "مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية" في جامعة بار إيلان (الترجمة إلى العربية: سعيد عيّاش)، إصدار: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، رام الله، آذار/ مارس 2007.

التعليقات