مواجهات إسرائيل القادمة: ليست حربًا تقليدية وليست تهديدًا وجوديًا

بعد 10 سنوات ستبدو الأمور بشكل مغاير.. وفي عالم يعارض أكثر استخدام القوة العسكرية المتحركة، يظهر الانتقال إلى أنماط أكثر ليونة في استخدام القوة. وكلما تحول الخصم أكثر إلى التكنولوجيا والاتصالات، فإنك تستطيع أن تعمل الكثير ضده

مواجهات إسرائيل القادمة: ليست حربًا تقليدية وليست تهديدًا وجوديًا

يقول مسؤول عسكري إسرائيلي إن إسرائيل لن تخوض حروبا تقليدية في السنوات القادمة، كما أنها لن تواجه تهديدات وجودية، باعتبار أنها لن تواجه جيوشا تقليدية، وإنما قد تخوض حروبا تعتمد أكثر على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يكون فيها دور كبير للحرب الإلكترونية  (السايبر).

في مقابلة مع صحيفة 'هآرتس'، نشرت صباح اليوم الخميس، كشف الجنرال عوزي موسكوفيتش عن دور 'الحرب الإلكترونية' (سايبر) في الدفاع والهجوم وفي الخطط الحالية لهيئة أركان الجيش، وشكل المواجهة القادمة حسبما يراه.

يشار إلى أن موسكوفيتش (52 عاما) أنهى في مطلع الشهر الجاري أربع سنوات ونصف في منصب رئيس وحدة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في الجيش، وأنهى خدمته العسكرية التي استمرت 34 عاما.

يقول موسكوفيتش إنه في السنوات الخمس وحتى السبع القادمة يمكن التنبؤ، بدرجة احتمال عالية، بعدم نشوب حرب بين جيوش تقليدية مثلما كان يحصل في السابق. ويضيف 'لا يوجد اليوم  حروب تقليدية، ولا يتم احتلال دول، وحتى الدول العظمى لا تقوم باحتلال مناطق بشكل مكشوف. لقد حصل انقلاب: عدنا من الصدامات بين الجيوش الصناعية الكبيرة إلى الحرب مقابل منظمات وميليشيات، وحتى في حالة حزب الله فإن الحديث عن تنظيم له قدرات إطلاق صواريخ بمستوى دولة، إن لم تكن دولة عظمى'.

وبحسبه ففي قطاع غزة وجنوب لبنان 'نرى نمطا مماثلا، حيث أن كل المنظومة الدفاعية والأسلحة مخبأة في داخل البيئة المدنية وتحت الأرض. وإذا كنا في الماضي نواجه عدوا قادرا على تركيز قوة وشن هجوم على الأرض مع قدرات احتلال أراض، فإننا نواجه اليوم عشرات التنظيمات الصغيرة. بيد أن الحديث ليس عن تهديد وجودي، وإنما عن مواجهات متزامنة صعبة، وباتت عملية تشخيص العدو ومعالجته أكثر تعقيدا'.

ويضيف أن هذا الواقع العسكري الجديد الذي بدأ الجيش باستيعابه بعد فشله النسبي في الحرب ضد حزب الله في العام 2006 يتطلب ردا آخر. وضمن أبرز مميزاته هو التغيير في طريقة جمع المعلومات الاستخبارية، وخاصة توزيعها على الوحدات، وهي عملية ذات أهمية كبيرة.

يقول موسكوفيتش إنه في السنوات الأخيرة، وبعد العملية التي قادها الجنرال أفيف كوخافي، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، ويشغل حاليا منصب القائد العسكري لمنطقة الشمال، بلور الجيش مفهوما جديدا للحرب الاستخبارية تقوم على أساس صهر سريع للمعلومات الاستخبارية على نطاق واسع، ومن مصادر مختلفة، ودفع جزء كبير منها إلى الوحدات القتالية. ويضيف أن الاستخبارات العسكرية، وبتأثير من صدمة العام 2006، حيث تبين له أنه لا يوجد لديه معلومات عن منظومات حزب الله، وأن جزءا مهما من المعلومات الاستخبارية التي كانت بحوزته لم تنقل في التوقيت المناسب إلى المستويات الميدانية خشية أن تتسرب لـ'العدو'.

ويضيف أن  التغيير الذي تعود جذوره إلى فترة غابي أشكنازي في رئاسة أركان الجيش، والجنرال عاموس يدلين كرئيس للاستخبارات العسكرية، تلقى دعما كبيرا في فترة كوخافي، في ظل رئاسة بني غنتس للأركان، واختبرت خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، في صيف العام 2014، والتي أطلق عليها 'الجرف الصامد'.

ويتابع أنه في اللحظة التي تتواصل فيه الاستخبارات العسكرية مع الوحدات، ولا تكتفي بوجود المعلومات الاستخبارية في 'الكرياه'، فإن تطبيق هذه الرؤية يصبح متعلقا بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ويكون هناك حاجة لبنى تحتية ومنظومات معلومات وقدرات صهر وفلترة معلومات. ويشير إلى أن هذا النموذج يعمل بشكل جيد، إلا أنه تتطور مخاطر أخرى ناجمة عن إغراق القادة الميدانيين في الطرف الثاني بمعلومات أكثر من اللازم، وهي مشكلة معروفة حتى في عالم الأعمال والمصالح، big data، حيث تجمع معلومات أكثر من قدرات 'المستهلك' على معالجتها وفلترتها بشكل فعال في الزمن الحقيقي.

ورغم أن المواجهة مع حزب الله لا تبدو كخطر فوري، بسبب انشغاله في القتال في سورية، إلا أن الحرب على لبنان لا تزال التحدي العملاني الأساسي الذي يستعد له الجيش. وفي هذا السياق يقول موسكوفيتش إن حزب الله بنى منظومات قتالية منذ العام 2006 في نحو 150 – 170 قرية في جنوب لبنان، حيث أنه يوجد في كل قرية 40 – 50 موقعا تجدر معالجته أثناء الحرب. ولن يكون ذلك بطريقة 'المجرفة'، التي عمل بموجبها الجيش في الحرب الأولى على لبنان في العام 1982، وفي حينه كان رئيس أركان الجيش، رفائيل إيتان، يطلب من قادة الجيش الوصول إلى الخط كذا خلال أسبوع، حيث أن 'العدو اليوم منتشر ومتفرق، كما أن تجاوز منطقة إطلاق صواريخ بقوات برية لا يعني التوقف عن استخدامها، فالطريقة القديمة لن تقلل التهديد على الجبهة الداخلية خلال فترة زمنية معقولة. والمشكلة هي أنه في أثناء الحرب تتلقى الجبهة الداخلية الضربات وتنزف، كما أن المواجهة قد تكون على جبهتين، من لبنان ومن قطاع غزة'.

وبرأي موسكوفيتش فإن عملية نقل المعلومات الاستخبارية إلى الوحدات الأمامية تمت بنجاعة في  الحرب على غزة، قبل سنتين، إلا أن الجيش واجه مشاكل 'مهنية أخرى: 'خطط عملية معطوبة، وفجوات في خطط إطلاق النار في هيئة أركان الجيش، وترددات في المستويات العليا السياسية والعسكرية التي انجرت للحرب ضد حركة حماس، ووجدت صعوبة في اتخاذ قرار أثناء الحرب حول الهدف من الحرب –ضرب المنظومة الصاروخية، وتدمير الأنفاق الهجومية (تقرر بعد 10 أيام من القتال) أم تدمير سلطة حماس ( وهو موقف تحفظت منه القيادة، بدءا من رئيس الحكومة)'.

ويدعي موسكوفيتش أن الجيش سيكون أكثر جاهزية في المواجهة المستقبلية مع حزب الله، ولكنه يقر بوجود عقبات لا تزال قائمة، ويقول: 'هناك آلاف الأهداف المعروفة لنا، لدينا معلومات استخبارية غير عادية.  لنفترض في ظروف مثالية أن المدنيين أخلوا الجنوب باتجاه الشمال، فبعد فترة قصيرة يستكمل استهداف غالبية الأهداف المعروفة، ويستمر إطلاق الصواريخ، وعندها سيكون هناك حاجة إلى معلومات استخبارية وقدرات لمعالجة سريعة لأهداف حساسة، مثل منصات الإطلاق المتحركة والثابتة التي ينكشف مكانها بعد إطلاق صواريخ منها'.

وبحسبه فإن ذلك سيكون 'نقطة تحول' في المعركة'، وستكون الأمور متعلقة بنجاعة منظومات الاتصال والمعلومات، وقدرات نقل معلومات بسرعة وفي الزمن الحقيقي من المجس الذي التقط منصة الإطلاق إلى الاستخبارات التي تعمل على تحليل الصورة، ثم إلى حاسوب الطائرة كي تقصف الهدف، وهذا ما عمل عليه الجيش كثيرا في السنوات الأخيرة، مع الجهات ذات الصلة: الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو والقوات البرية'.

ويتابع أن التقديرات في وسط الجيوش الغربية هو أن قدرة هذه الأذرع على إغلاق دوائر الاستخبارات والنار تجعل الجيش الإسرائيلي في مقدمة الجبهة التكنولوجية متقدما على غالبية الجيوش الأخرى.

ويقول موسكوفيتش إن الأمر الأهم الذي حصل منذ ذلك الحين هو إزالة جزء من الأسوار بين الأذرع العسكرية ما أتاح تجنب الازدواجية في العمل، أي عمل ذراعين على نفس المهمة، ما يعني توفير مئات الملايين من الشواقل، كما أن ذلك يخدم النشاط العملاني.

وبحسب المحلل العسكري لصحيفة هآرتس فإن التغييرات المهمة، وربما الأكثر حساسية تتصل بمنظومة الحرب الإلكترونية (السايبر)، وهنا يتطور خلاف بين موسكوفيتش، وبين رئيس الاستخبارات العسكرية الحالي، الجنرال هرتسي هليفي، حيث أن الاهتمام بالحرب الإلكترونية ينقسم بين قدرات دفاعية تحت إمرة قائد شعبة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وبين قدرات جمع المعلومات الاستخبارية والهجومية تحت إمرة الاستخبارات العسكرية وخاصة الوحدة 8200. وفي تموز/ يوليو قرر رئيس الأركان، غادي آيزنكوت، أنه ستتم إقامة ذراع سايبر. وعلى خلفية معارضة الاستخبارات العسكرية، لم يتم تحديد ما إذا كانت هذه الذراع مستقلة أم لا. وفي هذه الأثناء أقيمت هيئة سايبر برئاسة الجنرال يارون روزين ويخضع مباشرة لنائب رئيس أركان الجيش، بينما لا يزال الخلاف قائما بين وحدة تكنولوجيا المعلومات والاتصال وبين الاستخبارات العسكرية.

ويقول موسكوفيتش إن القرار النهائي سيكون مصيريا. ومع اقتراب نهاية ولايته، يعرض على رئيس الأركان، ووزير الأمن موشي يعالون، أربعة حلول محتملة، بينما يدعم هو نفسه الاقتراح الرابع الذي يقوم على إقامة ذراع سايبر عسكري مستقل، خارج الاستخبارات العسكرية، في حين أن الاستخبارات العسكرية تدعم اقتراحا آخر يكون ذراع  سايبر تحت إمرة رئيس الاستخبارات.

إلى ذلك، يستعرض موسكوفيتش هجمات سايبر نسبت لروسيا، حيث حصل انقطاع في الإنترنت في تركيا ليوم واحد، ثم حصلت تشويشات في المنظومة المصرفية لثلاثة أسابيع ردا على إسقاط طائرة روسية على حدود سورية مع تركيا في تشرين أول/ نوفمبر الماضي. وبعد ذلك بوقت قصير، عشية عيد الميلاد، انقطع التيار الكهربائي عن ثلث مساحة أوكرانيا لمدة أسبوع في هجوم غامض نسب للصراع مع روسيا حول جزيرة القرم وشرق أوكرانيا.

وبحسب موسكوفيتش، فإن احتكاكات إسرائيل المستقبلية مع 'أعدائها'، في الدفاع والهجوم، ستكون في هذه المجالات. ويقول: 'عندما يجري الحديث اليوم عن سايبر هجومي، فإن ذلك يكون جمع معلومات استخبارية في الأساس. وبعد 10 سنوات ستبدو الأمور بشكل مغاير. وفي عالم يعارض أكثر استخدام القوة العسكرية المتحركة، يظهر الانتقال إلى أنماط أكثر ليونة في استخدام القوة. وكلما تحول الخصم أكثر إلى التكنولوجيا والاتصالات، فإنك تستطيع أن تعمل الكثير ضده'.

ويلمح موسكوفيتش إلى أن قدرات الجيش الإسرائيلي في هذا المجال تفوق بكثير توقعات الإسرائيليين، خاصة مع تصنيف إسرائيل كـ'أمة ستارت أب'، إضافة إلى التقارير المثيرة في وسائل الإعلام الأجنبية عما أحدثه فيروس 'ستوكسنت' (في إطار حملة إسرائيلية – أميركية مشتركة) للبرنامج النووي الإيراني قبل سنوات.

اقرأ/ي أيضًا| تحقيق: سجل زئيفي حافل بالقتل والاغتصاب والاعتداءات والتهديدات

ويضيف أنه 'على مستوى القدرات الهجومية، فإن هناك روسيا، ويليها باقي العالم. وكدولة تعتبر دولة سايبر عظمى ولا تريد أن تتورط في حروب لا داعي لها، فإننا يجب أن نكون في مكان آخر. السايبر لن يكون بديلا للجندي في الخندق، أو الدبابة في الأزقة، أو الطيار أو مفعل الطائرة بدون طيار، إلا أن ذلك من شأنه أن يسهل عملهم، ويوفر جزءا من تفعيل القوة العسكرية'. 

التعليقات