العلاقات السعودية – الإسرائيلية: زمن الأمن

التجاذب بين إسرائيل والسعودية ليس جديدا، وتعود جذوره إلى بداية الثمانينيات، عندما بدأ في الخليج نهج الاستنجاد بإسرائيل خلال النزاعات. ومصالح إسرائيل والسعودية لم تلتق حول إيران فقط

العلاقات السعودية – الإسرائيلية: زمن الأمن

يعالون يصافح الفيصل في ميونيخ

أعادت زيارة الجنرال السعودي المتقاعد، أنور عشقي، لإسرائيل الحديث عن العلاقات الإسرائيلية – السعودية. ورغم أنه لا توجد علاقات بين الدولتين، والسعودية لم تعترف رسميا بإسرائيل، إلا أن تقارير كثيرة جدا ترددت طوال السنوات الماضية في وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية، تحدثت عن وجود علاقات سرية، متينة ووثيقة، بين إسرائيل والسعودية.

والمثير في هذا السياق أن هذه التقارير لم تبق كلاما في الهواء، إن صح التعبير، وإنما سعى مسؤولون في إسرائيل، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى تأكيدها بالتلميح. فقد كرر الأخير تصريحاته عن أنه بالرغم من الزلزال الذي يعصف بدول عربية إلا أنه تُفتح في السنوات الأخيرة نافذة فرص لتطبيع علاقات مع دول عربية، ويقصد بذلك دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، وذلك إضافة إلى اتفاقيتي السلام اللتين وقعتهما إسرائيل مع مصر والأردن.

ومنذ سنين مضت، اخترعت إسرائيل مصطلح 'الدول السنية المعتدلة' من أجل وصف دول الخليج وعلى رأسها السعودية. وأعلن وزير الأمن الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، مؤخرا، عن أن أي تقدم في العملية السياسية مع الفلسطينيين أو تسوية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، يجب أن تتم من خلال تسوية إقليمية.

ومن أجل تبرير رفضه للمبادرة الفرنسية، يتحدث نتنياهو عن 'مبادرة إقليمية' بمشاركة مصر والسعودية و'الدول السنية المعتدلة' لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي ومن خلاله الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. لكن مصر أعلنت أنها لم تطرح مبادرة كهذه وعبرت عن تأييدها للمبادرة الفرنسية، وكذلك فعلت السعودية ودول الخليج الأخرى.

عشقي وأعضاء كنيست

اللافت في كل هذا اللغط من جانب نتنياهو والقيادة الإسرائيلية عموما، أن إسرائيل لم تطرح أي مؤشر حقيقي وجدي يدل على أن وجهتها نحو مصالحة وعلاقات سلام مع العالم العربي. بل أن فترات الأزمات بين إسرائيل وبين الأردن ومصر، منذ عودة نتنياهو إلى الحكم عام 2009، أكثر من فترات الانفراج، بسبب الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، رغم أن النظام المصري الجديد اختار ارتداء 'جلد التمساح'.

*تاريخ التجاذب بين إسرائيل والسعودية

ربما تكون زيارة عشقي لإسرائيل، في شهر تموز الماضي، مؤشرا على وجود علاقات سرية بين السعودية وإسرائيل. وربما إسرائيل تضخم دلالات هذه الزيارة. لكن مما لا شك فيه أن تجاذبا حاصلا بين الجانبين، وزيارة عشقي ليست الدليل الوحيد على هذا التجاذب.

فقد التقى عشقي في إسرائيل، الذي نفى أنه زارها(!)، مع كل من مدير عام وزارة الخارجية، دوري غولد، وهو أحد أكثر المقربين من نتنياهو. وكان الاثنان التقيا في ندوة خاصة بهما في واشنطن. كما التقى عشقي مع 'منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق' المحتلة، الجنرال يوءاف مردخاي. كذلك التقى عشقي، الذي رافقه عدد من الأكاديميين ورجال الأعمال السعوديين، مع عدد من أعضاء الكنيست من الأحزاب الصهيونية في المعارضة. وقد جرى هذا اللقاء في فندق 'كينغ ديفيد' في القدس الغربية.

خلال مشاركة وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، في المؤتمر الأمني الدولي الذي عُقد في مدينة ميونيخ الألمانية، في 14 شباط الماضي، صافح الأمير السعودي تركي الفيصل، الذي كان سفيرا لبلاده في واشنطن ورئيسا للمخابرات السعودية.

وصرح يعالون في خطابه بأنه 'بالإمكان الالتقاء خلف أبواب مغلقة... ونحن ننظر إلى السعودية أنها قائدة المعسكر السني ضد إيران. ولدينا قنوات اتصال مع الدول السنية العربية المجاورة لنا، وليس الأردن ومصر فقط، وإنما دول شمال أفريقيا مثلا. وإسرائيل، الولايات المتحدة، أوروبا وهم يتقاسمون مصالح مشتركة'.

وكان غولد، بصفته مستشارا لنتنياهو، قد صرح أمام مؤتمر لإحدى المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، عُقد في تموز العام الماضي، بأن 'السعودية هي حليفة لإسرائيل'، حسبما نقل عنه موقع 'القناة السابعة' الالكتروني اليميني. وأشار غولد إلى أن 'دولا كثيرة قلقة من رغبة إيران باحتلال الشرق الأوسط. ليست إسرائيل وحدها التي تعتقد ذلك وإنما جيراننا العرب السنة أيضا، أو دعوني أستخدم تعبيرا لائقا أكثر: حلفاؤنا'.

ولفت موقع 'القناة السابعة' إلى أن تصريح غولد جاء مفاجئا، لأنه قبل عشر سنوات ادعى أن السعودية هي إحدى الدول التي 'تدعم الإرهاب'.

لكن هذا التجاذب لم يأتي من جهة إسرائيل فقط، وإنما من جانب السعودية أيضا، التي طرحت مبادرتي سلام لحل الصراع العربي – الإسرائيلي.

فبعد عامين فقط على توقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر، عام 1979، ووقوف السعودية في مقدمة الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع مصر بسبب هذه الاتفاقية، أعلن ولي العهد السعودي فهد بن عبد العزيز، في آب العام 1981 عن مبادرة سلام بين العرب وإسرائيل، كانت بنودها مشابهة جدا لبنود مبادرة السلام السعودية، التي طرحها ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز، في شباط العام 2002، وأقرتها بعد شهرين القمة العربية في بيروت وأصبحت تُعرف باسم 'مبادرة السلام العربية'.

ودعت كلتا المبادرتين السعوديتين إلى صلح بين العرب وإسرائيل بعد قيام دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين أو تعويضهم.

*'تعاون أمني'

ما الذي دفع الأمير فهد بن عبد العزيز إلى الإعلان عن مبادرة السلام السعودية الأولى. وما الذي دفع شقيقه الأمير عبد الله إلى الإعلان عن المبادرة الثانية؟ يبدو أن المتغير الوحيد لدى إعلان الأمير فهد هو حدوث الثورة الإيرانية، بعد اتفاقية السلام الإسرائيلية – المصرية بأشهر معدودة.

بينما أعلن الأمير عبد الله عن مبادرته فيما كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، انتفاضة القدس والأقصى، قد اندلعت قبل ذلك بعام وخمسة أشهر، وتبنتها قمة بيروت بالتزامن مع بدء عملية 'السور الواقي' العسكرية، التي اجتاحت إسرائيل خلالها الضفة الغربية وارتكبت مجازر مروعة ضد الفلسطينيين، خاصة في الأشهر الأولى لهذا الاجتياح.

لكن يبدو أن السبب الأساسي للعلاقة السرية بين السعودية وإسرائيل هو إيران وبرنامجها النووي. فإسرائيل رأت بهذا البرنامج 'تهديدا وجوديا' عليها، والسعودية ودول الخليج اعتبرته تهديدا لها وأنه يأتي في إطار تشديد الهيمنة الإيرانية على الدول العربية. وفي هذا السياق جاء الموقف السعودي الواضح ضد حزب الله خلال حرب لبنان الثانية، في صيف العام 2006.

ويبدو أن أحد أطراف الصراعات في الخليج يستنجد دائما بإسرائيل. فخلال الحرب الإيرانية – العراقية، في الثمانينيات، حصلت إيران على أسلحة من إسرائيل. واعترف آية الله الخميني بذلك في حينه واصفا إسرائيل بـ'الشيطان الأصغر'، الذي يمكن استغلاله من أجل مواجهة 'الشيطان الأكبر' أميركا التي دعمت نظام صدام حسين في العراق.

وعلى ما يبدو أيضا، أن السعودية في نزاعها مع إيران تستنجد هي الأخرى بإسرائيل وقدراتها العسكرية والاستخبارية والتكنولوجية.

نتنياهو وداغان

وفي إطار ما يوصف بالتعاون الأمني السري بين إسرائيل والسعودية، ذكرت وسائل إعلام أميركية، في 26 تموز عام 2010، أن رئيس الموساد في حينه، مئير دغان، زار قبل ذلك بأسابيع قليلة السعودية سرا.

ووفقا لتقرير نشره موقع 'ديلي-نت-وورلد' الالكتروني الأميركي، الذي استند إلى مصادر عربية، فإن موضوع المحادثات التي أجراها داغان في السعودية كان إيران وبرنامجها النووي.

وافادت صحيفة 'هآرتس' في حينه، بأن التقارير حول زيارة داغان للسعودية تنضم إلى سلسلة تقارير ترددت حينذاك حول تعاون سري متنامٍ بين إسرائيل والسعودية وحول تنسيق أمني بشأن عمل عسكري محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

اقرأ/ي أيضًا | وفد سعودي زار إسرائيل مؤخرًا

وقبل ذلك بشهرين، نشرت صحيفة 'التايمز' اللندنية أنه خلال مناورة عسكرية في السعودية تم إيقاف عمل منظومات الدفاع الجوي السعودية لعدة ساعات، لصالح مناورة أخرى تقضي بمرور طائرات حربية إسرائيلية في المجال الجوي السعودي وهي في طريقها لهجوم ضد إيران.  

لكن مصالح السعودية وإسرائيل لم تلتقِ حول الموضوع الإيراني فقط، وإنما التقت هاتان الدولتان في أعقاب انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر، لكونه ممثلا عن حركة الإخوان المسلمين. فبين السعودية الوهابية والإخوان المسلمين، كحركة عالمية وليس مصرية فقط، عداء قديم. كذلك فإن إسرائيل تعتبر أن تولي الإخوان المسلمين السلطة في أي دولة عربية يشكل إشارة 'تحذير' لها، باعتبار أن فكر الإخوان يشمل إقامة دولة إسلامية في الحيز العربي على الأقل ولا مكان لإسرائيل فيها.

*أمن، ليس سلاما 

من الصعب الاقتناع بأن العلاقات السعودية – الإسرائيلية ستُفضي إلى تسوية سلمية للصراع العربي – الإسرائيلي. فإسرائيل لم توافق أبدا على مبادرة السلام العربية، والشروط التي تطرحها من أجل تسوية مع الفلسطينيين هي أقل بكثير من المطالب الفلسطينية والعربية عموما.

من الجهة الأخرى، يصعب الاقتناع أيضا أن السعودية تسعى لاتفاق سلام مع إسرائيل، في ظل الزلزال الشديد الذي يضرب دولا عربية كثيرة ويهدد الدول العربية الأخرى، ورفض الشعوب العربية، بضمنها السعوديين، لإسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا | عشقي: السعودية وإسرائيل تتشاركان أفكارا ضد إيران و'الإرهاب'

لكن هذا في كفة ومصالح الدول في كفة أخرى. لذلك فإن العلاقات السعودية – الإسرائيلية ستبقى على الأرجح كما هي حاليا: علاقات وتعاون وتنسيق في السر، من دون تردد بإعلان مواقف متناسقة، كتلك التي عبرت عنها كلتا الدولتين بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران. أما قضية فلسطين، فقد تراجعت لدى السعوديين مرتِبات كثيرة إلى الأسفل، أمام 'الغول' الإيراني، ولا يبدو أنها مستعدة لاستغلال هذا 'الغول' لمصلحة الفلسطينيين، لأن واقع الحال هو أن السياسة صامتة الآن بينما تُقرع طبول الأمن.

اقرأ/ي أيضًا | رغم زيارة عشقي: #سعوديون_ضد_التطبيع

التعليقات