حركات فاشية وإعلام شعبوي تحتضن الجندي القاتل

رغم أن مئات نشطاء اليمين الفاشي الإسرائيلي تظاهروا تأييدا للجندي القاتل أمس، إلا أنهم مثلوا ملايين الإسرائيليين ووسائل إعلام شعبوية، لكن باحثا إسرائيليا لم يفاجأ بجريمة إعدام الشريف بعد خمسين عاما من الاحتلال

حركات فاشية وإعلام شعبوي تحتضن الجندي القاتل

اعتقال متظاهر مؤيد للجندي القاتل (أ.ب.)

احتضنت إسرائيل أمس، الأربعاء، الجندي القاتل، إليئور أزاريا، قبل وخلال وبعد إدانته بالقتل غير العمد، بإعدامه الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف. وفي موازاة ذلك، رفض الإسرائيليون، بغالبيتهم، أقوال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، وشنوا حملة ضده، حرض متطرفون من خلالها على اغتياله، وحملة مشابهة ضد قضاة المحكمة العسكرية التي أدانت أزاريا، وخاصة رئيستها القاضية مايا هيلر.

بلال ضاهر

وتظاهر في منطقة مقر وزارة الأمن الإسرائيلية في تل أبيب، أثناء قراءة قرار الحكم على الجندي القاتل مئات من نشطاء اليمين المتطرفين، من الحركتين الفاشيتين 'ليهافا' ومنظمة 'لافاميليا'، وهم مؤيدو فريق 'بيتار القدس' لكرة القدم. ولم يحتج هؤلاء على قرار الحكم وإنما على مجرد محاكمة الجندي القاتل وتقديم لائحة اتهام ضده.

واشتبك هؤلاء المتظاهرون مع قوات الشرطة التي انتشرت بكثافة في موقع المظاهرة. ورغم أن المتظاهرين كانوا عنيفين، ورغم أن مظاهرة المئات هذه لم تكن مرخصة، إلا أن الشرطة تعاملت مع المتظاهرين بقفازات من حرير. ونقلت صحيفة 'معاريف' اليوم، الخميس، عن ضابط شرطة قوله للمتظاهرين إن 'المظاهرة تجري من دون ترخيص، لكن سنمكنكم من الاحتجاج إذا لم تخرقوا النظام'.

واخترق المتظاهرون النظام دون توقف. ويبدو أن الليونة في تعامل الشرطة معهم نابع من أن موقف 4 ملايين و300 ألف إسرائيلي مشابه لموقف متظاهري اليمين الفاشي. فقد أكد استطلاع نشرته القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي أمس، أن 67% من الإسرائيليين يؤيدون إصدار عفو عن الجندي القاتل، و51% يرفضون تجريمه.

وهتف متظاهرو 'ليهافا' و'لافاميليا' ضد آيزنكوت قائلين 'غادي احذر رابين يبحث عن رفيق' في إشارة إلى اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاق رابين.

كذلك امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بمنشورات تحريضية، كتب أحدها عضو الكنيست السابق شارون غال، وهو مستشار إعلامي لعائلة أزاريا. وكتب منشورا على صفحته في 'فيسبوك' قال فيه 'أنا داخل قاعة المحكمة، قرب إليئور، يتملكنا شعور صعب بأن المحكمة على وشك غرز سكين في ظهر مقاتل متفوق وتتجاهل كافة الظروف التي بصالحه. المحكمة تتبنى رواية ’بتسيلم’ وتتجاهل الخوف الذي شعر فيه إليئور في حلبة العملية'.

متظاهرو 'ليهافا' و'لافاميليا'، أمس

وتلقى هذا المنشور آلاف 'لايكات' وعقب المئات عليه بصورة منفلتة. كما دعا البعض إلى التوقف عن التجند لوحدات قتالية في الجيش، ودعا قسم آخر إلى إخلاء حواجز جيش الاحتلال في الضفة.

إعلام شعبوي

الإعلام الشعبوي يسيطر على إسرائيل ويصنع الرأي العام فيها. إذ اعتبر كبير المعلقين في صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، ناحوم برنياع، أنه ينبغي إطلاق سراح الجندي القاتل وعدم سجنه، معتبرا أن قائمة 'أعداء إليئور أزاريا طويلة'، تبدأ بالمستوى السياسي: بنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت وميري ريغف، ونشطاء 'ليفهافا' و'لافاميليا' وكذلك محامي الدفاع الذين مثلوه في المحكمة.

لكن موقف برنياع لم يكن مختلفا عن موقف اليمين المتطرف 'عدو' الجندي القاتل. إذ اعتبر هذا المحلل أنه ينبغي إصدار عفو عنه. وكتب، اليوم، أن 'ما كان ينبغي أن يحدث بالأمس، في نهاية قراءة قرار الحكم، هو المضي بإجراءات سريعة. وكان بإمكان المحكمة أن تلتئم خلال أسبوع وتبحث في ادعاءات العقوبة، وبعد ذلك مباشرة بإمكان أزاريا تقديم طلب لقائد الجبهة الوسطى (للجيش الإسرائيلي)، لتخفيف العقوبة. وتوجد صلاحية كهذه بأيدي قائد الجبهة. ولا تنقص تسويغات، بدءا من حالة ذويه الصحية، وضائقته النفسية وماضيه كجندي متفوق، وانتهاء بالشعور في الجيش الإسرائيلي بأن الرسالة وصلت واستوعبت (لدى الجنود) وحان الوقت لفتح صفحة جديدة. ولأن أزاريا جلس في اعتقال مفتوح قرابة سنة، فإنه بإمكانه نظريا أن يُحرر لبيته خلال شهر'.

طمس الحدود بين الجيش والمستوطنين

لكن هناك قسم من الإسرائيليين، الذين رأوا أن الاحتلال هو السبب في ارتكاب أزاريا لجريمته. وفي هذا السياق، كتب الباحث في العلاقة بين الجيش والمجتمع والمؤسسة الحاكمة في إسرائيل، البروفيسور يغيل ليفي، في صحيفة 'هآرتس'، اليوم، أنه تعين على محامي الدفاع 'اتهام مواطني إسرائيل بأنهم بإهمالهم الإشراف على أداء الجيش في المناطق (المحتلة)، مثلما يتوجب على مواطنين في دولة ديمقراطية، وفروا ظروفا سمحت بفعلة موكلنا. ونحن نتهم مؤسسات الدولة والجيش بأنهم ألقوا الجيش لتنفيذ مهمة شرَطية في الضفة الغربية، لضمان أمن المستوطنين والفلسطينيين على حد سواء، على الرغم من أن جيش نظامي غير مؤهل لمهمة كهذه'.        

وأضاف ليفي أن الدولة والجيش 'شجعوا على طمس الحدود بين جيش يقوم بمهمات الشرطة والمستوطنين... وإلى جانب ذلك، باسمكم أيها المواطنين، سمح السياسيون وقادة الجيش للوحدات بإقامة علاقة ودية وثيقة مع المستوطنين، وبذلك حدث ميل واضح لدى الجيش تجاه المستوطنين. وعرفتم أن الجيش يصف مهمته بأنها فوق كل شيء هي حماية المستوطنين وليس الفلسطينيين، وأغلقتم آذانكم. عرفتم أنه غالبا ما يخرق المستوطنون القانون والجنود لم يمنعوهم، وأغلقتم آذانكم. وأغلقتم آذانكم أيضا، عندما حاول ضباط بالجيش منع (اعتداءات) المستوطنين وتعرضوا للأذى'.

كهانا ورصاصة في المحكمة، أمس (أ ب)

وأردف ليفي أنه إلى جانب ذلك 'استسلم مواطنو إسرائيل خلال عشرات السنين من الاستباحة، التي قُدمت فيها شكاوى ضد ممارسات الجنود العنيفة (بحق الفلسطينيين) وانتهت بلا شيء. وعمليا تخليتم عن مراقبة الجيش لصالح كاميرات ’بتسيلم’ وشهادات ’نكسر الصمت’، اللتين استسلمتم لملاحقتهما' أي ملاحقة المنظمات الحقوقية.

وخلص ليفي إلى التساؤل: 'ألا تتوقعون أنه في هذه الظروف سيدرك جنديا بسيطا مثل أزاريا أن دم الفلسطيني الممد جريحا مستباح؟'. واتهم المجتمع الإسرائيلي بأنه 'على مدار سنوات طويلة استسلمتم لتغلغل الصلاحيات الدينية إلى الجيش، مع حاخامات يصورون الفلسطينيين أنهم عماليق مهدورة دماءهم ومع دعوات لثأر قومي من الفلسطينيين'. 

التعليقات