جدعون ليفي يستعيد ابطال حكاياته الذين يرفضون الموت بعد 30 عاما

بمرور الذكرى الـ50 للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية عام 1967، يستحضر الصحافي اليساري، جدعون ليفي أبطال قصصه وتقاريره الصحفية على مدى 30 عاما، قضاها وهو يتابع ويغطي جرائم وفظائع الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيرى

جدعون ليفي يستعيد ابطال حكاياته الذين يرفضون الموت بعد 30 عاما

ماريا آمن (وديان

بعد 30 عاما: جدعون ليفي يستعيد ابطال حكاياته الذين يرفضون الموت


بمرور الذكرى الـ50 للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية عام 1967، يستحضر الصحافي اليساري، جدعون ليفي أبطال قصصه وتقاريره الصحفية على مدى 30 عاما، قضاها وهو يتابع ويغطي جرائم وفظائع الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيرى الآباء الثكالى وقد شاخوا، وشباب الانتفاضة الأولى كهولا وشباب الانتفاضة الثانية أمواتا/ أحياء، ويقول وهو يستعيد شريط الذاكرة، إن صور أبطال تقاريره، ولكن بعضهم ما زالت ماثلة أمامه وتحضر بقوة في يوبيل الاحتلال.

ويفتح ليفي في تقرير نشرته 'هآرتس'، ألبوم الصور، مشيرا إلى صف الفتيان مقطعي الأرجل بكراسي العجلات وهم يدخنون سيجارة بجانب شباك ممر مستشفى الشفا، وإلى ضحايا قصف حقل التوت في بيت لاهيا حيث قتلت عائلة كاملة، وإلى الأولاد الناجين من عملية اغتيال صلح شحادة، الذي ادعى الجيش الإسرائيلي في البداية أن تصفيته جرت في حوش غير مأهول بالسكان.

وينتقل ليفي إلى صورة الفتاة التي قضت بالسرطان، بعد أن أخر الاحتلال وصولها للعلاج من غزة، في زيارة هي الأولى والأخيرة للسفاري في رمات غان، في بارك اليركون وشاطئ تل أبيب عشية موتها، ثم إلى الطفل من بيت لحم الذي حكم بستة أشهر، عن كل حجر لم يصب أحدا، ولم يتسبب بضرر، ثم إلى السجن العسكري خلال المعتقل الإداري الذي هرب رسائله المكتوبة بالإنجليزية الشكسبيرية المتراصة.

وتتزاحم الصور من العريس الذي قتل في يوم زفافه، إلى الأب من مخيم قلنديا الذي ثكل ولدين خلال 40 يوما، وثكل الثالث بعد بضع سنوات، فالأم الوحيدة المقعدة التي قتلت ابنتها الوحيدة بين ذراعيها، بعد أن أصاب صاروخ بيتهم في غزة، ثمّ أطفال روضة أنديرا غاندي الذين شاهدوا مقتل معلمتهم أمام أعينهم، ورئيس قسم التخطيط في جامعة بيرزيت الذي عُذّب من قبل الشاباك، والطبيب من طولكرم الذي تم اغتياله.

وفي غرفة 602 في مستشفى الشفاء، في حزيران 1994، يستعيد ليفي صورة الأب مقطوع اليد والرجلين وهو يحاول إطعام ابنه المشرف على الموت، وينتقل شريط الصور إلى لولو، الطفلة من مخيم الشابورة في رفح، التي توفيت بعد عشر سنوات من إطلاق الجنود النار على رأسها، ثم إلى مقلوعي الأعين من مخيم الدهيشة، ومقطوع الرجل من مخيم الفوار الذي جرى اعتقاله والاعتداء عليه بالضرب، ويتوقف عند أطفال السكاكين وطفلات المقص الذين جرى إطلاق النار عليهم وقتلهم على الحواجز في الأشهر الأخيرة دون حاجة...

هي قصص، ترفض أن تغادر، كتبها الاحتلال الإسرائيلي بدماء آلاف الضحايا، أبطالها شهداء أو أسرى، وأطفال يتم وعائلات ثكلى، لكنها على مدى 50 عاما لم تهز، كما يقول ليفي، سوى ضمائر القلة القليلة في المجتمع الإسرائيلي، الذي همش الاحتلال وتعايش معه، بينهم العشرات الذين رافقوا معرض رسومات الطفلة ماريا آمن، خلال افتتاح معرض رسوماتها جنوبي تل أبيب قبل أسبوعين.

ماريا، البالغة من العمر 15 عاما ترسم بفمها بعد أن أصيبت بالشلل التام، بفعل صاروخ أطلق من طائرة إسرائيلية على سيارة العائلة، التي لم ينج منها سوى هي ووالدها وشقيقها الأصغر.

عن قصتها يقول ليفي، وصلت إلى بيت عائلة آمن في حي تل الهوى في اليوم التالي لمصابهم، مثلما كنت افعل مع بيوت مصابة كثيرة في غزة، في تلك السنوات التي سمحت فيها إسرائيل للصحفيين بدخول القطاع، وكانت ماريا تراوح بين الموت والحياة في مستشفى الشفاء في غزة، حيث رفض والدها حمدي الحديث معنا، كان يجول في ساحة بيته الرملية بمشية عرجاء نتيجة إصابته وهو ينظر إلينا بنظرات غضب، بينما كان ابن عمه يتحدث معنا.

ويشير ليفي إلى أن حالة والد ماريا، كانت من الحالات النادرة التي رفض فيها الفلسطينيون الحديث إلى صحافيين إسرائيليين، وهو يتخيل ماذا سيجري لو أن صحافيين فلسطينيين ذهبوا لبيت عائلة إسرائيلية، قتل أحد أفرادها برصاص فلسطيني.

وبعد 11عاما، ها هي ماريا آمن، طفلة مشلولة وموصولة إلى جهاز تنفس بعد أن فقدت أمها، جدتها، أخيها الرضيع، وعمها، خلال سفرة في شارع سوان في غزة. ولكنها كانت محظوظة نوعا ما، لأن إسرائيل وافقت بشكل غير مألوف، وبعد صراع طويل على استقبالها للعلاج وإعادة التأهيل، بينما رفضت استقبال آلاف الضحايا الآخرين الذين بقوا مجهولي الهوية، ها هي تعرض الحياة والموت في لوحاتها في جنوب تل ابيب.

التعليقات