نتنياهو يمضي في تغيير النخبة القديمة وإسقاط قلاع "الصهيونية العلمانية"

الإعلام، القضاء، الأكاديميا، الثقافة وحقوق الإنسان، باتت بالنسبة لوزراء الائتلاف الحكومي اليميني - الديني الاستيطاني، أهدافا، من المشروع تصويب النار نحوها، وذلك باعتبارها معاقل ليبرالية لما يسمى بـ"الصهيونية العلمانية"، التي مثلت النخبة ا

نتنياهو يمضي في تغيير النخبة القديمة وإسقاط قلاع

الإعلام، القضاء، الأكاديميا، الثقافة وحقوق الإنسان، باتت بالنسبة لوزراء الائتلاف الحكومي اليميني - الديني الاستيطاني، أهدافا، من المشروع تصويب النار نحوها، وذلك باعتبارها معاقل ليبرالية لما يسمى بـ"الصهيونية العلمانية"، التي مثلت النخبة القديمة، التي ارتبطت تاريخيا بالحزب المؤسس للدولة – "حزب مباي" وتفرعاته التاريخية المتمثلة اليوم بما تبقى من حزب العمل.

وتكفي الإشارة إلى أربعة أخبار تصدرت عناوين الأيام الأخيرة، وشغلت الرأي العام الإسرائيلي، أبرزها ما يسمى بـ"الكود الأخلاقي"، الذي يحاول وزير التربية والتعليم من البيت اليهودي، نفتالي بينيت، فرضه على محاضري الجامعات، والذي ينص البند المركزي فيه على منع المحاضرين في مؤسسات التعليم العالي من التعبير عن مواقف وآراء سياسية أثناء محاضراتهم.

الكود الأخلاقي الجديد الذي صاغه أستاذ الفلسفة إسا كاشير، واضع ما يسمى "الكود الأخلاقي" لجيش الاحتلال الإسرائيلي، يفرض على محاضري الجامعات عدم التعبير عن مواقف سياسية أمام الطلاب، وعدم الدعوة إلى مقاطعة جامعة أو كلية إسرائيلية، وعدم التعاون مع "جمعية ميولها السياسية معروفة" في إشارة إلى المنظمات الحقوقية الإسرائيلية التي تواجه ملاحقة من جانب السلطات الإسرائيلية على خلفية فضحها ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

وبحسب تعليمات وزارة التربية والتعليم، سيتعين على جميع المؤسسات الأكاديمية إقامة وحدات خاصة لمراقبة تطبيق "الكود الأخلاقي"، ومراقبة النشاط السياسي للمحاضرين، فيما تستقبل شكاوى الطلاب ضد معلميهم بهذا الخصوص. ويتضمن "الكود الأخلاقي"، عقوبات سيكون بالإمكان فرضها على المحاضرين المخالفين.

أما الخبر الثاني، فهو ما جرى الكشف عنه، وهو أن وزيرة القضاء الإسرائيلية، أييليت شاكيد، تعارض تعيين القاضية إستير حيوت، رئيسة للمحكمة العليا، بسبب أحكامها التي تنم عن مواقف معتدلة، والتي برزت في قضية لم الشمل، حيث كانت حيوت بين هيئة قضاة في المحكمة العليا مؤلفة من 11 قاضيا، قرر ستة منهم رفض لم شمل عائلة فلسطينية، بينما كانت حيوت في جانب الأقلية وأيدت لم الشمل، وصرحت بأنه ينبغي إلغاء التعديل العنصري الذي يمنع لم شمل عائلات.

كما ويسود خلاف شديد بين شاكيد ورئيسة المحكمة العليا، القاضية مريم ناؤور، بسبب تأجيل الوزيرة اجتماعا للجنة تعيين القضاة، فيما تسعى الوزيرة الى تعيين قاضيين محافظين في المحكمة العليا، مقابل تعيين حيوت رئيسة لها، وذلك في إطار محاولاتها لتغيير وجه القضاء الإسرائيلي، وخاصة المحكمة العليا التي تعتبر ـهم معاقل الليبرالية، وما يسمى بسلطة القانون في إسرائيل.

وفي ميدان الثقافة، لا تنفك الوزيرة المسؤولة ميري ريغيف، من إثارة نخب المثقفين والفنانين، من خلال محاولات التدجين المنهجية وربط التمويل بالموقف السياسي، حيث فجّرت هذا الاسبوع، ضجة أخرى حين هاجمت اتحاد الملحنين في إسرائيل، بسبب رفضه منع الفنانة العربية من إسرائيل، ميرا عوض، من تقديم قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، "فكر بغيرك" في حفل الاتحاد السنوي.

ويفترض أن تشارك ريغيف، في الحفل الذي يقيمه الاتحاد، علما أنه سبق لها وأن غادرت القاعة التي احتضنت حفل توزيع جوائز "أوفير" الذي أقيم في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، بسبب أغنية قدمها مغني الراب، تامر نفار، من كلمات الشاعر محمود درويش أيضا.

أما كبيرهم، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فلم يتخلف عن الركب هو الآخر، فبعد أن قاطع اجتماعا مع الرئيس الألماني بسبب اجتماع الأخير مع منظمتي "بتسيلم" و"يكسرون الصمت"، أعلن هذا الأسبوع عن أنه يعتزم سن قانون يمنع حصول جمعيات إسرائيلية على تبرعات من دول أجنبية، واصفا "قانون الجمعيات" الذي يفرض ضرائب عالية على التبرعات، ويقيد حجمها بأنه "ضعيف وغير كاف".

ويهدف القانون الجديد، إلى تجفيف ميزانيات الجمعيات الحقوقية التي تفضح ممارسات الاحتلال، والتي تحصل على تمويل من دول أجنبية، بينها دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك صناديق أميركية.

وفي حقل الإعلام الذي تولى أمره شخصيا، عبر الإمساك بحقيبته، فقد نجح نتنياهو، قبل أن يسنده مضطرا إلى تابعه أيوب القرا، في توجيه ضربة ساحقة للصحافة المكتوبة من خلال كسر ظهر ما كانت تسمى بجريدة الدولة "يديعوت أحرونوت" وتفكيك وإعادة تشكيل الإعلام الجماهيري، بواسطة إلغاء "سلطة البث"، وإقامة ما يعرف بـ"الاتحاد" على أنقاضها، بعد تنقيتها من الشوائب التي لا تروق ائتلافه الحاكم.

وتندرج حملة وزراء الائتلاف الحكومي اليميني- الديني الاستيطاني، كما يقول الصحفي حامي شيلو، في مقال نشره في "هآرتس"، من رؤية استراتيجية هدفها الأعلى هو تصفية ما يسمى بـ"الصهيونية العلمانية" التي أقامت الدولة وأجهضت القيم الليبرالية العامة التي تبنتها، عبر إسقاط  القلاع الأخيرة للتسامح والتعددية وحرية الرأي، وإقامة ما يسميه بـ"طفرة" صهيونية" متشددة تعمل على قمع وتيئيس منتقديها وإبعادهم الى الأبد.

  ويرى شيلو أن مغادرة أوباما ومجيء ترامب الذي لا يقيم أي اعتبار لقيم الليبرالية، قد أطلق العنان لنتنياهو في الدوس على كل ما يعترض طريق مواصلة حكمه، ويندرج في هذا السياق، لجم الإعلام والسماح لبينيت بالتنكيل بمحاضري الجامعات وتصفية "الصهيونية العلمانية" التي ترفض الاعتراف به كواحد من "عظماء الأمة"، على حد تعبيره.

التعليقات