بين ترامب وبينيت نتنياهو يفتقد أوباما

نتنياهو يقف عاجزا عن تلبية مطلب ترامب عرض اقتراح يتضمن لجم البناء الاستيطاني وفي الوقت نفسه الحفاظ على ائتلافه الحكومي، وذلك انطلاقا من أن أقصى ما يمكن أن يعرضه من لجم للبناء لن يلتقى مع الحد الأدنى للبناء الذي قد يسمح به ترامب

بين ترامب وبينيت نتنياهو يفتقد أوباما

وضعت جدية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في تحريك ما يسمى 'عملية السلام' رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في مأزق يجعله يفتقد عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

ويقف نتنياهو، اليوم، عاجزا عن تلبية مطلب ترامب عرض اقتراح إسرائيلي يتضمن لجم البناء في المستوطنات، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ائتلافه الحكومي، وذلك انطلاقا من أن أقصى ما يمكن أن يعرضه من لجم للبناء في المستوطنات لن يلتقى مع الحد الأدنى من البناء الذي قد يوافق عليه ترامب.

وفي ما يشير إلى الجدية التي توليها الإدارة الأميركية الجديدة، تمكن المبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، غيسون غرنبلات، خلال أربعة أيام، من الوصول إلى القدس، ثم إلى رام الله، وأريحا وبيت لحم، وبعد ذلك إلى عمان، ليعود ثانية إلى القدس، ونشر على صفحته كل لقاء أجراه موثق بالصور والحتلنات.

وكانت 'نيويورك تايمز' قد نشرت، عشية زيارته للمنطقة، تقريرا يحمل لهجة ساخرة، باعتبار أن غرينبلات عديم التجربة الدبلوماسية، وأنه تم تعيينه في منصبه بالصدفة.

وفي هذا السياق، كتب محلل الشؤون السياسية في صحيفة 'هآرتس'، براك رفيد، اليوم الجمعة، أن غرينبلات أثبت أنه 'جدي ومنطقي'، وأن جميع الذين التقاهم، في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، عبروا عن آراء إيجابية حياله.

ويتضح أن غريبلات في زيارته الأولى إلى المنطقة، كمبعوث للرئيس الأميركي دونالد ترامب، سعى إلى الاستماع ودراسة الوضع. وإضافة إلى لقاءاته مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فقد أجرى محادثات مع مجموعات تجاوزها غالبية المبعوثين الأميركيين.

وقد فاجأ غريبلات الجميع عندما اجتمع مع لاجئين في مخيم الجلزون قرب رام الله، كما فاجأ الإسرائيليين باجتماعه مع اثنين من قادة السلطات المحلية في المستوطنات. واجتمع مع طلاب فلسطينيين وإسرائيليين، ومع سكان من قطاع غزة، ومع رجال دين كبار يهود ومسيحيين ومسلمين.

ويلفت رفيد إلى ما كتبه غرينبلات في 'تويتر' مساء الأربعاء الماضي، بعد أن خرج في جولة في القدس. حيث وصل إلى حائط البراق (ما يطلق عليه 'حائط المبكى')، وبعد 5 دقائق دخل بيت أحد المقدسيين، ونشر صورا للأماكن المقدسة في القدس، وكتب 'إن السلام والتعايش ليسا ممكنين فحسب في هذه المدينة المميزة، وإنما هما قائمان فيها منذ مئات السنين'.

وكررغرنيبلات في لقاءاته مع الإسرائيليين والفلسطينيين مرارا أن الرئيس ترامب جدي جدا عندما يتحدث عن رغبته في التوصل إلى 'الصفقة النهائية'، وأن الموضوع على رأس سلم أولوياته. وقال رئيس 'المعسكر الصهيوني'، يتسحاك هرتسوغ، الذي التقى به، إنه تكون لديه انطباع بأن ترامب ملتزم جدا بالموضوع، وأنه ينوي تحريك عملية سياسية جدية. وتكون انطباع مماثل لدى وزير آخر من الليكود، وقال 'بعد ستة شهور سيكون غرينبلات قادرا على وضع صفقة على الطاولة ويلزم الطرفين باتخاذ قرارات'.

وبحسب رفيد، فإن أحداث الأسبوع الأخير يجب أن تكون بمثابة إنذار للوبي المستوطنين في وسائل الإعلام والكنيست والحكومة. وخلافا لما توقعه كثيرون من اليمين، يتضح أن التوجه معاكس تماما. وكان كبار الوزراء قد هللوا لفوز ترامب، باعتبار أنه يبشر بنهاية حل الدولتين، وأنه ضوء أخضر للبناء غير المحدود في المستوطنات، ولنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وحتى ضم الضفة الغربية. ولكن، بحسب رفيد، يتضح، علاوة على عدم تحقق كل ذلك، أن التوجه معاكس لذلك تماما.

ونقل عن وزير كبير في المجلس الوزاري المصغر قوله إنه اجتمع، هذا الأسبوع، مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووجده أنه 'قلق جدا'، و'لم يكن السبب، في هذه الحالة، هيئة البث العامة، وإنما دونالد ترامب'. وبحسب الوزير فإن الرئيس الأميركي طلب من نتنياهو عرض اقتراح إسرائيلي لمعادلة تتضمن لجما جديا للبناء في المستوطنات في الضفة الغربية، في حين أنه (نتنياهو) يحاول تجنب أي مواجهة مع ترامب ومع قيادة المستوطنين.

وأضاف الوزير نفسه أن نتنياهو يواجه ضغوطا شديدة من قبل ترامب بشأن المستوطنات، بعد أن طلب الأخير منه 'الكشف عن احتياجاته، بشأن المستوطنات، وما يمكنه عمله من أجل لجم البناء'، الأمر الذي وضع نتنياهو في مأزق لا يعرف كيف يخرج منه، بحسب الوزير.

ويضيف المصدر نفسه أن هذا هو السبب الذي جعل نتنياهو يقرر عدم المشاركة في مؤتمر 'إيباك' في واشنطن في نهاية الشهر الجاري، حيث لا يوجد لديه ما يقدمه لترامب. ويلخص الوزير حالة رئيس الحكومة بالقول إنه 'تكون لديه شعور بأن نتنياهو بدأ يفتقد أوباما'.

ويكتب رفيد أن تحليلات كثيرة كتبت في إسرائيل وواشنطن تضمنت أن أوباما أخطأ كثيرا عندما تركز في البناء الاستيطاني في بداية محاولته تحريك 'عملية السلام'. والآن يبدأ ترامب جهوده في تجديد المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الحديث مع نتنياهو عن لجم الاستيطان.

يشار إلى أن ترامب لا يطالب بتجميد الاستيطان بشكل تام، مثلما فعل أوباما. وكانت رسالة غرينبلات لنتنياهو تقول إن ترامب معني بالتوصل إلى معادلة تتضمن الحد الأدنى من البناء، وتتماشى مع مساعي الدفع باتجاه اتفاق سلام. وأكد مسؤول إسرائيلي مطلع على محادثات المبعوث الأميركي أن غرينبلات أوضح أنه على إسرائيل أن تظهر أنها على استعداد للقيام بخطوات في مجال لجم البناء في المستوطنات، وفي قضايا أخرى تظهر رغبتها بالدفع بـ'عملية السلام'.

ويتضح أن المبعوث الأميركي جلس مع نتنياهو قرابة 8 ساعات، تركز معظمها حول البناء في المستوطنات. وبعد لقائهما يوم أمس لم يتمكنا من التوصل إلى معادلة متفق عليها بشأن لجم البناء. ومن المتوقع أن تستمر المحادثات بهذا الشأن الأسبوع القادم في واشنطن بين غرينبلات وبين سفير إسرائيل في الولايات المتحدة رون ديرمر.

ويشير رفيد، هنا، إلى أن نتنياهو يخفي عن غالبية وزراء المجلس الوزاري المصغر مضمون محادثاته مع غرينبلات، وخاصة قادة 'البيت اليهودي'، نفتالي بينيت وأييليت شاكيد، باعتبار أنهما أول مرشحين لممارسة ضغوط سياسية عليه ضد أي لجم للبناء في المستوطنات. في المقابل، فإن نتنياهو استدعى رئيس ذراع إقامة المستوطنات في المجلس الاستيطاني، زئيف حفير (زمبيش)، باعتبار أنه، بحسب أحد وزراء الليكود، ما هو مقبول عليه في معادلة لجم البناء الاستيطاني سيكون مقبولا على قادة المستوطنات ووزراء الليكود والبيت اليهودي'. وبحسب الوزير نفسه فقد كان يجب على غرينبلات أن يجتمع مباشرة مع زمبيش بدلا من التفاوض مع نتنياهو.

ويخلص المحلل السياسي لصحيفة 'هآرتس' إلى القول إن مشكلة نتنياهو تكمن في أنه ليس من المؤكد أن أقصى ما يوافق عليه زمبيش في نطاق لجم الاستيطان يلتقي مع الحد الأدنى من البناء الذي يسمح به ترامب. وكان نتنياهو قد بدأ المفاوضات مع الأميركيين بالبناء في مناطق نفوذ المستوطنات، وليس في المناطق المبنية فيها، ولكن كان من الواضح أن الأميركيين لن يوافقوا على ذلك. ويبقى أن وزراء كثيرين في الليكود والبيت اليهودي يتساءلون مؤخرا إلى أي مدى يستطيع أن يصل نتنياهو في لجم البناء الاستيطاني من أجل التوصل إلى اتفاق مع ترامب. ومع الائتلاف الحالي فمن الصعب رؤية نتنياهو يذهب بعيدا دون أن يثير ذلك أزمة سياسية. 

التعليقات