في وقت تتجه فيه عيون السياسيين الإسرائيليين صوب ما يجري على الحدود مع قطاع غزة، يبدو المحللون العسكريون أكثر انشغالا بالتطورات الجارية على الجبهة الشمالية وتداعيات العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأرضي السورية واستدعائها لمواجهة محتملة مع إيران.
ويخشى العديد من هؤلاء أن إسرائيل تقوم مؤخرا بشد الحبل أكثر من اللازم، بحيث يتم كسر القاعدة التي تفاخر بتثبيتها قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، أمير ايشل، عندما قال إنه رغم الضربات التي توجهها لإيران في سورية فإن الجيش الإسرائيلي يعرف كيف لا يوصل إسرائيل إلى الحرب.
المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، الذي اقتبس تلك الأقوال، أشار إلى وقوع خمس هجمات نسبت لإسرائيل واستهدفت مواقع مرتبطة بإيران في سورية: منشأة كبيرة لإنتاج السلاح تم قصفها في أيلول/سبتمبر الماضي، قاعدة "مليشيا شيعية" قصفت في كانون الأول/ديسمبر الماضي، هجومان ضد إيرانيين في قاعدة سلاح الجو السوري «تي 4» قرب حمص وهذا الأسبوع تم قصف إرسالية صواريخ كبيرة كانت في طريقها من الجنوب إلى حلب.
هرئيل الذي نوه إلى تقاطع الخط الدعائي الذي يقوده على مدى سنوات ضد البرنامج النووي الإيراني مع الفعل العسكري الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي ضد القوات الإيرانية في سورية، حذر من غياب أي نقاش سياسي بشأن التداعيات المحتملة لتلك العمليات، في تلميح صريح إلى سكوت النخبة والرأي العام الإسرائيلي عن مغامرات جر إسرائيل إلى حرب شاملة.
وفي إشارة واضحة إلى النتائج الوخيمة لهذا التصعيد ،اختار هرئيل أن يورد ما قاله بن غوريون لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، موشيه ديان، عشية العدوان الثلاثي ضد مصر في العام 1956 ، إن الخطط يجب أن تأخذ في الحسبان حرباً فجائية وكذلك القدرة على تجنيد كل القوات المطلوبة بأسرع وقت ممكن.
ديان لم يقتنع، كما يقول هرئيل، لكنه استنتج أن لا مانع من اتباع ما سمّاه "مقاربة التدحرج": ليست هناك ضرورة لاستفزازات إسرائيلية، قال لضباطه، بل يكفي الرد بشدة على كل العمليات العدوانية لمصر، وكان مقتنعا أن سياسة من هذا النوع ستوصل التوتر إلى انفجار من تلقاء نفسه "علما أنه لم يتنازل عن خيار الحرب المبادر اليها".
في ذات السياق كتب المحلل الأمني، ران إدليست، في صحيفة "معاريف"، مخاطبا الإسرائيليين بأن "لا تقولوا لم نفهم، حكومة إسرائيل تأخذكم الى الحرب" تحت ذريعة منع التمركز الإيراني في سوريا بينما السبب الحقيقي هو الانهيار الشامل لسياسة الحكومة تجاه سورية خلال السنوات السبع الماضية.
الى ذلك، برأي الكاتب أيضا، انهيار حملة القضاء على البرنامج النووي الإيراني، فإيران اليوم مقبولة كدولة شرعية في أوروبا وروسيا والصين وغالبية دول العالم وتتعاظم شرعيتها وقوتها الاقتصادية، وكذلك فإن الحملة ضد الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني تنهار في هذه الأيام، بغض النظر إذا كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامي، سينسحب من الاتفاق النووي، أم أنه سيعمل على إصلاحه. كذلك فإن فشل نتنياهو في ملفاته المختلفة سيؤدي إلى زعزعة قدرته على اتخاذ القرار.
إدليست يصف ما يحدث بانه نوع من الانجراف الشخصي والشامل، يدخل فيه الجيش إلى دوامة في أعقاب قرار القيادة السياسية بمنع تمركز الإيرانيين في سورية. فكرة إحباط عملية إستراتيجية تشترك فيها روسيا وإيران وحزب الله بواسطة ضربات من الجو هي التي خلقت تلك الدوامة.
الكاتب أن عقد جلسة المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) في مقر وزارة الأمن في تل أبيب ("الكرياه") وليس في القدس، كانت رسالة للقيادة العسكرية بأن القيادة السياسية تقف خلف رئيس الحكومة في أي سيناريو محتمل، ورسالة للجمهور (ولجنة التحقيق المستقبلية) أن رئيس الحكومة يتمتع بكامل الدعم من الحكومة والائتلاف، إن كان في احتواء الرد الإيراني السوري اذا ما جاء، أو باستمرار السير على الحافة.
التعليقات