تلجأ الحكومة الإسرائيلية إلى دب الخوف والهلع في قلوب المواطنين، معتبرة أنها بذلك ستنجح في مواجهة فيروس كورونا ومنع انتشاره بشكل أوسع. لكن هذه الإجراءات تختلف ومناقضة بشكل كبير مع الإجراءات التي تتبعها دول أخرى، مثل تايوان وسنغافورة وهونغ كونغ، حيث لم يتم تعطيل الاقتصاد والحياة الروتينية لم تتضرر، في إجراءات مواجهة كورونا.
وبعد الإعلان عن أنظمة طوارئ جديدة، أقرتها الحكومة قبيل فجر اليوم، الجمعة، تناولت وثيقة، كشفها موقع صحيفة "هآرتس"، اليوم، المزيد من الإجراءات، وبينها نصب حواجز داخل المدن وعند مخارج الأحياء وفي الشوارع بين المدن؛ أفراد شرطة وجنود يطبقون الأنظمة التي تحظر الخروج من البيوت؛ العاملون في المرافق الحيوية يتوجهون إلى عملهم ويعودون منه بموجب تصاريح خاصة.
وتناولت هذه الوثيقة السيناريو المفصل الأكثر تطورا، وسيتم تطبيقه في حال "عدم وجود سيطرة على انتشار الفيروس، ولذلك سيتقرر فرض عزلة مشددة وكاملة على مجمل الحركة في المستوى القومي".
واستعرض هذا السيناريو، الذي يوصف بـ"المرحلة جـ"، خلال مداولات جرت أمس، في وزارة الأمن الإسرائيلية وبمشاركة مندوبين عن الحكومة والشرطة والجيش الإسرائيلي. وتوصف المرحلة التي تتواجد فيها إسرائيل حاليا بما يتعلق بكورونا بـ"المرحلة أ". وفي إطارها ستعزز الشرطة، بدءا من اليوم، تواجدها في الشوارع وتطبق الأنظمة بالأساس ضد أصحاب المتاجر الذين يعملون خلافا لأنظمة الطوارئ. وفي هذه المرحلة، لن يكون الشخص الذي يخرج من منزله خلافا للتعليمات معرضا لمخالفة جنائية سوى في حالات متطرفة، لم تحددها الشرطة بعد.
وتستند "المرحلة ب" إلى سيناريو يحدث فيه "انتشار خطير للوباء في منطقة محددة ويستوجب العمل في واقع عزل محلي". وفي هذه الحالة، ستنصب الشرطة حواجز عند مدخل ومخرج المنطقة، وسيسمح بالخروج منها بواسطة بطاقة هوية. ويساعد مفتشو البلديات الشرطة في هذه المرحلة على تطبيق القيود والحركة، ويقومون باستجواب المواطنين إلى جانب "ردع متشدد" في المناطق التي يتم عزلها.
وفيما يتعلق بالمرحلة الثالثة، الأكثر تطرفا، فقد وضعت الشرطة خطة قُطرية ومفصلة لإغلاق مناطق وتقييد الحركة. وستقام خلالها نقاط تفتيش للمشاة أيضا، ويسمح بالتنقل للهاملين في المرافق الحيوية وبواسطة إظهار بطاقة الهوية. وتنضم قوات الجيش الإسرائيلي، في هذه المرحلة، إلى قوات الشرطة وحرس الحدود، لتنفيذ المهمات المذكورة، إلى جانب تكثيف تطبيق الأنظمة في المناطق التي يتم عزلها.
وفي السيناريو الأكثر تطرفا، تتولى سلطة الطوارئ القومية المسؤولية الكاملة على الوضع، وهذا يمكن أن يحصل قبل الانتقال إلى المرحلة الثالثة، حسب الوثيقة. وفي هذه المرحلة، ستكون قيادة الجبهة الداخلية مسؤولة عن تنسيق مجمل المنظومة الإعلامية، وبضمن ذلك الرسائل والنشر لتعليمات وزارة الصحة والشرطة والتواجد في استوديوهات القنوات التلفزيونية. وفي هذه المرحلة، سيسمح للمواطنين بالخروج لشراء مواد غذائية، لكن بموجب توجيهات الشرطة.
ولفتت الصحيفة إلى أن السلطات الإسرائيلية تحاول استخدام مصطلح آخر لكلمة "إغلاق"، بسبب المعاني السلبية للمصطلح، لتحل مكان هذه الكلمة كلمة "عزل".
ثقافة مختلفة: تايوان، سنغافورة وهونغ كونغ
تناول تقرير خاص أعدته وزارة شؤون الاستخبارات الإسرائيلية حول وباء الكورونا، بعنوان "دول آسيا – احتواء الوباء خلال استمرار عمل المرافق الاقتصادية"، الثقافة المختلفة في دول أخرى في التعامل مع وباء كورونا من دون هلع وأنظمة طوارئ تحمل عقلية عسكرية كتلك المتبعة في إسرائيل. ويوضح هذا التقرير، الذي كشف عنه موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني اليوم، الجمعة، كيف حافظت تايوان وسنغافورة وهونغ كونغ، حتى الآن، على سير حياة اعتيادية نسبيا، من دون تعطيل المرافق الاقتصادية، حتى في أوج أزمة الكورونا.
ففي جميع هذه الدول، يجري نشاط اعتيادي تقريبا في القطاعين الخاص والعام، مقدمي الخدمات، المطاعم والمقاهي، الحوانيت والمواصلات العامة، بينما في إسرائيل عطلت الحكومة معظم المرافق بواسطة أنظمة طوارئ، وصلت أوجها الليلة الماضية، عندما صادقت الحكومة على أنظمة طوارئ، أبرزها منع المواطنين من الخروج من بيوتهم.
ويصف التقرير تايوان وسنغافورة وهونغ كونغ بأنها دول طبقت نماذج ناجعة وناجحة حتى الآن في التعامل مع انتشار كورونا واحتوت بنجاح موجة العدوى الأولى. وحسب الموقع، فإن عددا من الخطوات التي اتبعتها هذه الدول قد تشكل نموذجا لتقليدها في إسرائيل بكل ما يتعلق بقرارات إدارة الأزمة.
وتدرس إسرائيل بالأساس النماذج الآسيوية المتعلقة بعناصر تقنية من أجل منع انتشار الفيروس: إغلاق سريع لحدود مناطق موبوءة؛ إجراء عدد كبير من الفحوصات، عند المعابر الحدودية وداخل المجتمع، من أجل تشخيص مبكر لحاملي الفيروس وعزلهم عن باقي السكان؛ كشف سريع عن مشتبهين بتلقي العدوى وفرض حجر صحي منزلي ناجع؛ استخدام وسائل رقمية واتخاذ خطوات إبعاد اجتماعي ناجعة.
وشملت خطوات الإبعاد الاجتماعي التي اتبعتها قسم من هذه الدول، انتقال المدارس ومؤسسات التعليم العالي إلى التعلم عن بعد؛ إغلاق مكاتب استقبال الجمهور الحكومية ومنح خدمات عن بعد؛ انتقال القطاع الخاص إلى العمل من البيت بقدر الإمكان؛ تقييد عدد المشاركين في المناسبات الاجتماعية وإلغاء أنشطة ثقافية ورياضية حاشدة أو تلك التي تجري في أماكن مغلقة.
وذكر التقرير عدة عوامل أقرتها تلك الدول من أجل احتواء المرض ومن دون تعطيل شامل: 1. خطوات مراقبة سريعة، تشخيص واسع وحجر صحي؛ 2. ميزات ثقافية تتعلق بـ"مسؤولية مدنية"؛ 3. أهمية استمرار الاقتصاد والأمن الاقتصادي الشخصي للمواطنين؛ 4. رفع المعنويات العامة كعنصر يمنع تراجع التزام الجمهور بالإبعاد الاجتماعي لفترة طويلة. 5. احتمال تأثير عامل الوقت على ديناميكية تطور الوباء.
وشمل التقرير ملحقا احتوى على وصف للواقع الاجتماعي في سنغافورة وهونغ كونغ، واستند إلى مقابلات أجراها موظفو وزارة الشؤون الاستخبارات مع سكان في المدينتين.
سنغافورة
روتين حياة السكان لم يتضرر تقريبا. واستمرت المقاهي، المطاعم، المجمعات التجارية، صالونات الشعر، معاهد التجميل والمساج والمواصلات العامة بالعمل كالمعتاد منذ بداية الأزمة، ولم تطالب بوقف نشاطها في أي مرحلة.
والفرق الوحيد، قياسا بالروتين الذي سبق الأزمة، هو أنه عند مداخل المصالح التجارية يجري فحص درجة حرارة الزبائن، ينفذه حارس يضع كمامة وقفازات. كما أنه يوجد في جميع المتاجر والمباني العامة ألكو جِل لتعقيم اليدين.
وفي بداية الأزمة، نصحت الحكومة أماكن العمل بفصل موظفيهم وتوزيعهم إلى مركزين أو ثلاثة – بعضهم يعملون من البيت، وقسم آخر من المكتب وتم استئجار مكاتب أخرى للقسم الثالث من الموظفين. وتجري لقاءات العمل الضرورية بواسطة محادثات فيديو أو مرة في الأسبوع.
وأعلنت الحكومة، في بداية الأزمة، أنه لا حاجة لأن يضع المواطنون كمامات، إلا في حال شعر شخص بوعكة وكان ملزما بالخروج إلى الحيز العام أو نقله إلى المستشفى. وحاليا، أقل من 10% من الأفراد يضعون كمامات في الحيز العام.
ولم تتوقف المدارس ومؤسسات التعليم العالي عن العمل في أي مرحلة. وفي حالات موضعية، جرت فحوص مركزة في صف دراسي معين تعالت شبهات بأن أحدا ما فيه انكشف للفيروس وتم رش مادة تعقيم. كما أن الأبواب لم تغلق والسياحة لم تتوقف، رغم أن حجمها تقلص. وأي شخص يصل من خارج البلاد يطالب بإثبات أن لديه مكانا يمكث فيه 14 يوما في حجر صحي، مثل فاتورة دفع حساب فندق.
وتتركز الفحوصات في الدائرة الأولى المحيطة بالمريض، ولا توجد فحوصات إلزامية أو حجر صحي لمن التقى معه في دائرة ثانية وثالثة. ولا يوجد نشر لتحقيق وبائي مفصل ويستوجب دخول إلى حجر لكل من تواجد في قطار أو حافلة مع المريض. وبدلا من ذلك، يصلون بشكل شخصي إلى الذين كانوا قريبين بشكل مثبت من المريض، مثل أراد العائلة، أصدقاء، أبناء الصف وما إلى ذلك.
هونغ كونغ
لم يتعطل الاقتصاد الخاص والقطاع العام. وانتقلت أماكن العمل، وخاصة التجارة والأموال، إلى العمل من البيت بقدر ما يسمح ذلك. وفي بداية الأزمة، تم نقل معظم الخدمات الحكومية ومكاتب استقبال الجمهور إلى استقبال عبر الانترنت.
وتم إغلاق المدارس في بداية الأزمة وبقيت مغلقة. ويتوقع أن تبقى مغلقة حتى 20 نيسان/أبريل المقبل. ولم تغلق المجمعات التجارية والحوانيت والمطاعم في أي مرحلة. وبطبيعة الحال تراجعت الحركة التجارية في بداية الأزمة، وبعض أصحاب المتاجر أغلقوا متاجرهم طوعا، لكن لم يصدر أي أمر حكومي يلزم بإغلاق المتاجر.
وتسير الحياة في هونغ كونغ خارج البيت – تناول الطعام في الشارع أو طلبية Take Away هو جزء الثقافة المحلية، والأفراد لا يطهون الطعام في بيوتهم تقريبا. والمواصلات العامة تعمل كالمعتاد. ومترو هونغ كونغ هو القلب النابض للمدينة، ومعظم السكان ليس لديهم سيارات خاصة ولا يمكن سلبهم طريقة تنقلهم الأساسية. ويوجد حرص أكبر على التعقيم في القاطرات والحافلات.
وأخيرا، أشار التقرير إلى أنه يوجد في هونغ كونغ حرص بالغ على النظافة في كل مكان. والأشخاص المرضى، وليس بالكورونا حصرا، لا يغادرون البيت كجزء من المسؤولية الاجتماعية، ومن يخرج من البيت يضع كمامة. وموظفو الخدمات يعملون مع كمامات فقط. وفي كل مكان يوجد موضع لتعقيم اليدين. وتعمل الحكومة بشكل واسع في توضيح السياسة والإجراءات بعدة وسائل وبينها القنوات العامة. ولا يتصرف الجمهور في هذه الدولة بهلع ويعي بالتأكيد كل ما هو مطلوب منه.
التعليقات