لا تزال تتعالى في إسرائيل دعوات إلى نقل مسؤولية مواجهة انتشار فيروس كورونا إلى جهاز الأمن، ومحاربته بوسائل عسكرية، فيما حذر ضباط كبار سابقون، تولوا قيادة "سلطة الطوارئ الوطنية" الإسرائيلية، من الإقدام على خطوة كهذه.
واعتبر رئيس "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، عاموس يدلين، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الثلاثاء، أنه "توجد لفيروس كورونا تبعات على مجال الأمن القومي، بالمفهوم الواسع للمصطلح. وبالإمكان مواجهته بمساعدة الخبراء، الأدوات والأجهزة التي طورتها إسرائيل مقابل تحديات أمنية".
ويبدو أن يدلين لم يتمكن من التخلي عن عقليته العسكرية، وكتب أن "الحرب ضد كورونا هي الأكثر مصيرية بالنسبة لإسرائيل منذ حرب يوم الغفران (عام 1973). (ورغم أن) الفيروس ليس جيشا، لكن من أجل هزمه ينبغي تبني مفاهيم خاض مسؤولون سياسيون وعسكريون بمساعدتها حروبا خطيرة ومعقدة ومكلفة ومليئة بانعدام اليقين".
وأضاف أن "الخطوة الأولى هي تعريف غايات واضحة للحرب. ومن دونها ستكون الجهود متناثرة وغير ناجعة وربما تلحق ضررا أكثر من الفائدة. وينبغي تعريف غايتين إستراتيجيتين: الدفاع عن حياة وصحة الجمهور؛ الحفاظ على تواصل العمل والاقتصاد، وبضمنها الجهوزية الأمنية، واستئناف النشاط الاقتصادي بأسرع وقت. ويوجد توتر بين الغايتين، وأي قرار ينبغي أن يجد التوازن الصحيح بينهما".
ورجح يدلين أن موجة انتشار الفيروس الأولى لم تصل إلى ذروتها بعد، وقد تمتد عدة أشهر. "والأبحاث الجديدة تتوقع موجة ثانية وأشد بحلول الخريف، وتستمر إلى الشتاء المقبل. ومن هنا، فإننا في أوج معركة كابحة في حرب الربيع، التي قد تأتي بعدها هدنة صيفية وحرب شديدة للغاية في الخريف – الشتاء. ومن أجل الانتصار في الحرب، ليس مطلوبا تكتيكا صحيحا والنجاح في المعركة الكابحة فقط، التي تمنح وقتا، وإنما إستراتيجية شاملة أيضا تستمر لسنة على الأقل، واستنفاد صحيح للوقت في محاولة للعثور على نقطة عمل توازن بين الأبعاد الصحية، الاقتصادية، الاجتماعية وربما الأمنية أيضا للأزمة".
واعتبر يدلين أن "الفجوة الأهم الآن في مواجهة الفيروس هي في المجال الاستخباري. وصورة الوباء المنعكسة من خلال وسائل الإعلام تتركز على المرضى الذين تم التعرف عليهم، لكن على ما يبدو أن الأعداد الحقيقية أعلى بكثير. وواضح أن إدارة الأزمة على أساس معلومات استخبارية جزئية وغير موثوقة ستجرّ خطوات عرضية شاملة وضررا عرضيا واسعا للاقتصاد. وبإمكان معلومات استخبارية جيدة ضمان عمليات مركزة".
وأشار يدلين إلى العامل الزمني: "المفهوم الأمنني الإسرائيلي يتحدث عن حرب قصيرة وحسم واضح. وليس الوضع كذلك في هذه الحرب. والجمهور ليس مطلعا على الفرضيات الأساسية لهذه الحرب، وليس مطلعا على المحور الزمني والعمليات التي ستنفذها الحكومة في المستقبل. وخلافا لحرب ضد عدو خارجي، فإن كافة المعلومات الاستخبارية وإستراتيجية الحرب ضد العدو الحالي ينبغي أن تكون مكشوفة للجمهور، في محاولة للرد على المرض بالاستناد أيضا إلى جميع المعلومات والمداولات الحكومية".
ووجه يدلين انتقادا مبطنا للحكومة التي قررت "تفعيل جهاز الأمن في مرحلة متأخرة نسبيا، على الرغم من قدراته المثبتة في إدارة حالات طوارئ وطنية، اقتصاد الطوارئ والدفاع عن الجبهة الداخلية. وإدخال الجيش الإسرائيلي تدريجيا إلى مواجهة الوباء هي خطوة صحيحة، طالما أنها تركز على المجالات التي يتفوق فيها نسبيا".
وختم يدلين مقاله بالإشارة إلى أنه "كما هو الحال في الحرب، فإن مصير مكافحة كورونا متعلق بمناعة الجمهور، وثقته بالحكومة وانصياعه لتعليماتها. واستغلال الأزمة من أجل فرض قيود غير ضرورية على عناصر حيوية في مؤسسات الحكم وعلى حقوق أساسية سيؤدي إلى تقويض استعداد الجمهور لمواجهة مصاعب في الطريق نحو الانتصار على الوباء".
"إخفاقات في أداء سلطة الطوارئ الوطنية"
من جهة أخرى، دعا قائدان سابقان لـ"سلطة الطوارئ الوطنية" الإسرائيلية، بتسلئيل ترايفر وزئيف تسوك – رام، وكلاهما يحملان رتبة عميد، إلى عدم نقل المسؤولية لمواجهة أزمة كورونا إلى هذه الهيئة التابعة لوزارة الأمن.
ونقلت صحيفة "معاريف"، اليوم، عنهما أن "سلطة الطوارئ الوطنية، التي أقيمت من أجل إدارة أزمة من هذا النوع، ليست موجودة اليوم بالكفاءة المطلوبة، ورغم أن قيادة الجبهة الداخلية مطالبة بمساعدة الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكل كبير، ولكن ليس كهيئة تنسق عمل الوزارات".
وشددا ترايفر وتسوك – رام على أنه "لا ينبغي أن ينسق قائد قيادة الجبهة الداخلية عمل الوزارات، خاصة وأن الحديث عن حدث ذي ميزات مدنية بالمطلق".
كذلك نقلت الصحيفة عن مصادر في "سلطة الطوارئ الوطنية"، وقسم منهم لا يزال يعمل في وزارة الأمن، تأكيدهم على أن هذه الهيئة لا تملك الكفاءة من أجل إدارة أزمة كورونا.
وأضاف ترايفر أن "تلك الجهات التي تطالب الآن بنقل الصلاحيات إلى وزارة الأمن هم الذين دمروا سلطة الطوارئ الوطنية وألحقوا بها ضررا شديدا". وأضاف أنه يجب أن يستمر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في إدارة الأزمة، لكنه أشار إلى وجود حاجة إلى "طاقم وطني" من أجل الإدارة المطلوبة بين الوزارات.
وقال تسوك – رام، وهو الرئيس السابق لـ"سلطة الطوارئ الوطنية"، إنه تم إجراء تدريب كبير حاكى سيناريوها مشابها لانتشار كورونا، في العام 2018، وظهرت خلاله فجوات خطيرة من حيث الاستجابة المهنية التي يتعين على هذه السلطة توفيرها للمواطنين، والذي يظهر حاليا أيضا. وأضاف أن هذه الفجوات "لم تصحح، والنتيجة تتلاءم مع ذلك".
ورغم انتقاداتهما، إلا أن ترايفر وتسوك – رام يعتقدان أن قيادة الجبهة الداخلية بإمكانها أن تكون فعالة جدا في المساعدة في الوضع الحالي.
وعقبت وزارة الأمن على الانتقادات بأنه "خلافا للادعاءات، فإنه منذ اندلاع الأزمة تنفذ سلطة الطوارئ الوطنية بشكل جيد مهمتها في تركيز عمليات الحكومة وتقوم بذلك بشكل أفضل قياسا بفترات سابقة".
التعليقات