من يسرق الملح التونسي؟

تصاعدت في تونس خلال العام الجاري، حملات شعبية وسياسية، مطالبة بالشفافية فيما يتعلق بالثروات الباطنية، خاصة احتكار استغلال السباخ التونسية (الأراضي المالحة) من قبل شركة فرنسية لإنتاج الملح، بعقود مضى عليها أكثر من نصف قرن.

من يسرق الملح التونسي؟

بحيرة ملح تونسية

تصاعدت في تونس خلال العام الجاري، حملات شعبية وسياسية، مطالبة بالشفافية فيما يتعلق بالثروات الباطنية، خاصة احتكار استغلال السباخ التونسية (الأراضي المالحة) من قبل شركة فرنسية لإنتاج الملح، بعقود مضى عليها أكثر من نصف قرن.

وتستغل أكثر من شركة أجنبية السباخ المنتشرة في أنحاء متفرقة من تونس، ومن أهمها الشركة العامة للملّاحات التونسية (الكوتزال) وهي شركة فرنسية، برأسمال مال تونسي (35%)، وأجنبي (65%).

وأنشأت الشركة عام 1949، وفي أكتوبر/ تشرين أول من نفس العام، تم إبرام عقد استغلال "الملك البحري" في تونس (مجموعة السباخ المستغلة لإنتاج الملح) أو ما يعرف بعقد "اللزمة".

وتعمل الشركة العامة للملاّحات التونسية في أربع مناطق، بينها سبخة جرجيس (جنوب شرق البلاد).

وبحسب وزارة الصناعة التونسية، فإن هذه الشركة هي الوحيدة التي لا تخضع لـ"مجلة المناجم" (قانون ينظم عملية استغلال الثروات الطبيعية في تونس)، بحكم أنها بدأت عملية الاستغلال الأرض قبل الاستقلال التونسي (سنة 1956)، وبهذا أصبحت غير ملزمة بقوانين استغلال الثروات المتبعة مثل بقية الشركات.

ويقضي الاتفاق المبرم بين الطرفين إلى استغلال الشركة لسباخ تونس مقابل فرنك واحد للهكتار، ورغم ارتفاع ثمن الهكتار مع مرور السنين، إلا أن الاتفاقية ما زالت جارية دون أي مراجعة.

ويرى خبير الطاقة، رضا مأمون، أنه منذ إبرام العقد عام 1949، فإن الدولة تكبدت خسائر كبيرة في مستوى تأجير السباخ لصالح هذه الشركة.

وأشار مأمون، وهو عضو جمعية توانسة ضد الفساد، إلى أن التفريط في ثروة الملح يخسر الدولة ما قيمته 4 مليار دينار سنويا (1.97 مليار دولار أمريكي).

وتابع "أجرة الهكتار حتى اليوم ما تزال تبلغ فرنكًا واحدًا فقط منذ 1949، بينما تبلغ قيمة الأجرة عالميًا للهكتار الواحد 14-15 دولارًا".

أما رئيس جمعية جرجيس الحبيبة، الناشط المدني بشير الجعيدي، فقد طالب السلطة الحاكمة والنخبة السياسية في البلاد، بتفعيل الدستور التونسي الذي ينص على حق الدولة في ممارسة كامل صلاحيتها على ثرواتها الطبيعية.

وينص الفصل 13 من الدستور التونسي أن الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، بحيث تمارس الدولة السيادة عليها باسمه، كما تُعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب، وتُعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة.

وقال الجعيدي "في تونس قمنا بثورة من أجل فتح مثل هذه الملفات التي تمس السيادة الوطنية في البلاد، ونحن لسنا ضد عمل هذه الشركات الأجنبية في تونس، ولكن يجب أن يكون العمل بصفة متوازية".

وتابع "شركة كوتزال التي تستغل سبخة جرجيس، لها انعكاس سلبي على الوضع البيئي للثروة البحرية من الأسماك، من خلال الترسبات التي تفرزها المواد التي تستغلها الشركة".

 وفي حديث مع الأناضول، قالت المحامية فوزية باشا "وفقا للفصل 18 من العقد المبرم بين شركة كوتزال والحكومة التونسية، فإنه يمكن للدولة التونسية إلغاء العقد، إذا ثبت قيام الشركة المستغلة بمجموعة من التجاوزات ومن بينها عدم دفع الضرائب لصالح الدولة".

  وأشارت باشا، إلى أن تقارير رسمية من وزارة المالية التونسية، تفيد بأن هذه الشركة مارست التهرب الضريبي وما زال في ذمتها مجموعة من المستحقات لصالح الدولة التونسية".

 وتابعت "يمكن للدولة وفق هذا الفصل، حجز جميع معدات الشركة الصالحة للاستغلال، وهذا القرار لا ينسحب على المساس بحقوق العاملين داخل الشركة".

بدوره، أكد المسؤول في شركة الكوتزال، رياض ماشطة، أن الشركة "مستعدة لمراجعة صيغة العقد المبرم بينها وبين الدولة التونسية".

وكانت وزارة الصناعة التونسية أصدرت خلال الأيام الماضية، بيانا أوضحت فيه أنه "لا يمكن إنهاء عقد الشركة العامة للملاحات التونسية (الكوتزال) خلال الفترة القريبة القادمة".

وفي هذا الإطار قالت المحامية فوزية باشا "من يطالب اليوم بمراجعة العقد هو المجتمع المدني لا الحكومة، خاصة وأن الشركة أبدت استعدادها لمراجعة العقد، ولكن يبدو أن وزارة الصناعة غير قادرة وغير راغبة في الأمر".

ويرى خبير الطاقة رضا مأمون، أن الدولة غير قادرة على تأميم ثروة الملح، لأن وثيقة الحماية الفرنسية (وثيقة مبرمة بين تونس وفرنسا زمن الاستعمار عام 1954) تلزم تونس حتى اليوم، بعدم تأميم ثروة الملح في البلاد" على حد قوله.

التعليقات