12/10/2008 - 17:45

عكا: مسرح آخر للمأساة../ راجي بطحيش

عكا: مسرح آخر للمأساة../ راجي بطحيش
كانت آخر مرة حضرت فيها مهرجان المسرح الآخر في عكا (أو بالأحرى أروقته ) في خريف عام 2001، وعاهدت نفسي من وقتها ألا تطأ أقدامي ذاك الحدث دون أن أحدد أسبابا حقيقية لذلك... وقد تكون الأحداث الأخيرة المدغمة بتسمية يوم الغفران اليهودي قد حملت في طياتها إجابات لهذا الضيق العصي على التفسير..

يبدو هذا المهرجان وبنظرة سطحية أشبه بفرجة عمومية للإقطاعيين البيض على محمية غير طبيعية للسكان الأصليين.

وأسأل نفسي كم من رواد المهرجان من العرب استطاعوا أن يعرفوا أين تقام العروض الرئيسية لهذا "المسرح الآخر" وكم يبلغ ثمن تذاكر الولوج إليها إن توفرت أصلا (حيث يتم حجز التذاكر مسبقا وبقنوات غير معروفة من قبل وفود الحجيج الإستشراقي القادمة من تل أبيب وضواحيها)...

ويبدو هذا المهرجان أشبه بلوحة سريالية لا تصدق فظاظتها أو سذاجتها أو مجموعهما معا...

فالنخب "الروحانية" القادمة من تل أبيب والقدس تتجول في أروقة المهرجان بشراويل مضحكة متشبعة بالتجربة الأنتربولوجية اللذيذة المدهونة بالحمص واللبنة بخلفية من دخان النراجيل (الملغومة\غير الملغومة)، ولكن ووسط هذا "الهبل" الجمعي لا بد من قليل من الحذر فإذا حظي أحدهم\ن بمجامعة بين الأسوار أو بين أحد أزقة المتاهات مع أحد غلمان الصيد الذي نحتت أجسادهم أمواج البحر وحرارة الشمس، فيجب أن يراعى ترك محفظة النقود مع الصديقة أو الصديق وأخذ الحيطة من ضربات السكاكين الغادرة.. فالعرب هم (أي نعم) هنود حمر ولكنهم أيضا(وبالأساس) محدودي الضمان أو فلنقل محدودي الولاء... مع أنه لا ضير أحيانا من التمازج خلال المهرجان بين العائلات البائسة فقد تكون الحياة قريبا من تراب الأرض... ألذ..ف ما الفرق بربكم بين عكا والهند.

ينتج مهرجان "المسرح الآخر" في المدن الرئيسية الثقافية في البلاد ويستجلب في شاحنات من المركز كقطع أثاث "ايكيا" ويتم تفريغه و تركيبه في عكا القديمة لأربعة أو خمسة أيام تعيش فيها البلدة مشهدا مقحما أعد خصيصا وفق ما يرغب "السادة" تصويره ومشاهدته لتنتهي أيام الاحتفال... فيتم تفكيك المهرجان ثانية (وإبقاء النفايات والإهمال بالطبع) والمغادرة جنوبا....

وهكذا تترك عكا لمصيرها تتخبط في حياة "الأطراف" الحقيقية التي تعيش فيها وتحيا مسرحها (العبثي هذه المرة) الآخر بجد طوال السنة... تحاول العيش وسط حزام شرقي يميني فاشي (خليط من مستوطني غزة ومجاميع حاقدة من العرب اليهود) بات يطبق على أنفاسها العربية..

كما تحاول العيش وسط الإهمال ووسط عينات من كل ما تفاعل\يتفاعل خلال 60 عاما في المحيط والداخل حوّل المكان إلى مشروع أكيد للمكاشفة العنصرية...وهذا ما حصل...أما المهرجان إياه(الذي أجل أو الغي) فالمطلوب أن يعاد النظر في فحواه كي يتلاءم مع الجريح الجديد للمكان...

التعليقات