08/12/2016 - 13:02

كان يا ما كان: كتاب يرسم القدس بلا احتلال

ممّا يميّز الكتاب أنّه يجمع بين النصّ والرسومات، كأنّ الفنّان يؤكّد بالواحد منهما على الآخر؛ فعند الحديث عن باب العامود، مثلًا، بيّن لنا حاله تمامًا من الداخل والخارج، وكيف تطوّر شيئًا فشيئًا. وهو لم يكتف لإيصال ذلك بصورة واحدة، بل أكثر من توظيف الرسومات حتّى يحصل المتلقّي على صورة متكاملة ووافية عن هذا المعلم من معالم المدينة وتاريخه، وهو ما ينسحب على معالم أخرى.

كان يا ما كان: كتاب يرسم القدس بلا احتلال

من رسومات كتاب "كان يا مكان: القدس قبل مئة عام"

للقدس سحر يقع كلّ من يزورها تحت تأثيره، فيبقى وجدان زائريها مرتبطًا بإحدى زواياها أو أركانها التي تعود إلى أزمنة غابرة، ولم يبق من منشئيها إلّا فنّهم المعماريّ، يدلّل على أنّهم كانوا هنا؛ فالقدس لا يعمّر فيها أحد، بل يسعى الجميع إليها لتبقى سيرتهم حيّة بعد رحيلهم من خلالها.

بلا احتلال

ومن هذا المنطلق، قرّر الفنّان شهاب القواسمي (57 عامًا)، أن يكون له نصيب من ذاكرة القدس، وأن يترك بصمة فنّيّة جميلة في سجلّاتها، فأعدّ للمدينة كتابًا يصوّر جمالها الحقيقيّ الصافي، البعيد عن أيّ زيف أحدثه الاحتلال الإسرائيليّ فيها.

الفنّان شهاب القواسمي

بدأ مشوار القواسمي مع إعداد رسومات الكتاب منذ عام 1984، فنجد أنّ أوّل عمل له يضمّه الكتاب رسمٌ لمكان بيته الذي هُجّر منه عند احتلال المدينة عام 1967. ولم يكن في نيّة القواسمي إصدار كتاب يحكي عن القدس ويصوّرها، بل كان الأمر مجرّد شغف بالرسم وحبّ للمدينة اجتمعا معًا، فتمثّلا بقلم رصاص وورقة، فأنتجا، بعد أن بلغ عدد اللوحات مع تراكم السنين 70 لوحة، كتابًا تحت عنوان 'كان يا ما كان: القدس قبل مئة عام'.

ولأنّ القواسمي خرّيج المدرسة الواقعيّة التي تتبنّى تصوير الواقع كما هو، توجّه إلى رسم القدس من خلال صورها القديمة الملتقطة لها قبل مئة عام، قاصدًا بذلك ألّا يكون هناك أيّ أثر للاحتلال في اللوحات، إذ يقول: 'دائمًا تلفظ القدس الظلم والظالمين، واستمرار الاحتلال فيها لن يطول، ولذلك لن أوثّق معالمه الطارئة على مدينة القدس، فرسمتها عربيّة إسلاميّة، كما كانت وكما ستعود.'

رصاص

لم يفضّل القواسمي أن يقتصر كتابه على رسومات تحكي تاريخ القدس فقط، فآثر أن يجعله كتابًا تعريفيًّا بالمدينة، فراح يبحث في تاريخها ومعالمها، وكتب إلى جانب كلّ رسمة في الكتاب معلومات أوصله إليها بحثه.

غلاف الكتاب

وممّا يميّز الكتاب أنّه يجمع بين النصّ والرسومات، كأنّ الفنّان يؤكّد بالواحد منهما على الآخر؛ فعند الحديث عن باب العامود، مثلًا، بيّن لنا حاله تمامًا من الداخل والخارج، وكيف تطوّر شيئًا فشيئًا. وهو لم يكتف لإيصال ذلك بصورة واحدة، بل أكثر من توظيف الرسومات حتّى يحصل المتلقّي على صورة متكاملة ووافية عن هذا المعلم من معالم المدينة وتاريخه، وهو ما ينسحب على معالم أخرى.

وتتميّز الرسومات بأنّها جميعًا مرسومة بقلم الرصاص وغير ملوّنة، ويبيّن القواسمي أنّ سبب ذلك يكمن في أنّ الرسم بالرصاص يمنح للمدينة بعدها التاريخيّ الذي أحبّ الفنّان إظهاره في لوحاته.

فصول

جاء الكتاب في ستّة فصول. الأوّل بعنوان 'القدس عبر العصور'، وقد بيّن فيه من هم سكّان المدينة الأصليّون والحضارات التي مرّت بالمدينة، كالفراعنة والبابليّين والفرس واليونان والرومان والبيزنطيّين والإسلام.

المصلّي القبليّ في المسجد الأقصى، من رسومات الكتاب

أمّا الفصل الثاني، فعنوانه 'المقدّسات الإسلاميّة'، وقد خُصِّصَ للحديث عن المسجد الأقصى وما فيه من معالم، كالمصلّيات والقباب والمنابر والأسبلة. ثمّ تطرّق في الفصل الثالث إلى أبرز معالم البلدة القديمة، فذكر أبواب المدينة المفتوحة السبعة، وتوسّع في الحديث عن باب العامود، فوصفه وذكر من هندسه وأنشأه، وكيف تطوّر على مرّ العصور.

خُصِّصَ الفصل الرابع للحديث عن 'الإعمار الهاشميّ' في القدس، والذي بدأ منذ عام 1924، وهو مستمرّ إلى وقتنا الحاليّ، كون الأردنّ يتمتّع بالوصاية على المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في المدينة. وتناول الفصل الخامس 'مسيحيّي القدس' ومناطق سكناهم وكنائسهم، وتطرّق إلى موقف الخليفة عمر بن الخطّاب المشهور من كنيسة القيامة، وعن ترتيب صلاح الدين الأيّوبيّ الأوضاع في هذه الكنيسة بعد تحريره للمدينة من الغزو الفرنجيّ.

أمّا الفصل الأخير، فقد خصّصه القواسمي لبعض 'أسواق بلدة القدس القديمة وطرقاتها'، كما أظهر فيه بعض الشخصيّات المقدسيّة البسيطة، كالعتّال الذي يحمل فوق ظهره صندوقين كبيرين.

 

حتّى تصل الرواية

ترجم القواسمي نصوص الكتاب إلى الإنجليزيّة، لذا فهو ثنائيّ اللغة، وذلك حتّى يصل تاريخ مدينة القدس وفق سكّانها الأصليّين، العرب، إلى غير الناطقين بالعربيّة، وثمّة خطّة لترجمته إلى الفرنسيّة، بالتنسيق مع جهات في دول المغرب العربيّ.

صدر الكتاب في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بدعم من ملك الأردنّ، عبد الله الثاني، وهو يقع في 143 صفحة من الحجم الكبير، ومن المزمع تنظيم حفل إطلاق له في شهر كانون الثاني (يناير) المقبل، في 'مركز يبوس الثقافيّ' في القدس، علمًا أنّه متوفّر حاليًّا في المكتبات المقدسيّة.

عن الفنّان

شهاب القواسي فنّان مقدسيّ دخل عالم الفنّ منذ عقود، أنهى دراسته في معهد بيت الفنّانين، غربيّ القدس، وهو بعد في المرحلة الثانويّة، إذ لم يتجاوز عمره حينها الـ 17 عامًا، وقد أرسله المعهد إلى فرنسا والنمسا عام 1977 في بعثه فنّيّة لتفوّقه.

شارك القواسمي في عدّة معارض شخصيّة وجماعيّة، كان أوّلها عام 1984 تحت عنوان 'وجوه مقدسيّة'، وقد استمرّت مشاركته في المعارض حتّى اليوم؛ ففي عام 2016، شارك في معرض 'الناصرة بعيون مقدسيّة'، وكذلك في معرض 'ربيع القدس الثاني'، إلى جانب 25 فنّانًا من كلّ المحافظات الفلسطينيّة.

 

محمّد أبو الفليلات

 

 

وُلِدَ عام 1990، درس الإعلام في الجامعة العربيّة الأمريكيّة في مدينة جنين. عمل مع عدد من المؤسّسات الإعلاميّة الفلسطينيّة والعربيّة. يكتب في الموضوعات السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة المتعلّقة بمدينة القدس، حيث وُلِدَ ونشأ.

التعليقات