31/01/2017 - 12:05

مخاطر وصعوبات محتملة لإسرائيل في عهد ترامب

على الرغم من التوافق الظاهري في المواقف السياسية، فإن ترامب قد يتسبب بخلق عدة مشكلات لنتنياهو وإسرائيل بقدر ما سيحل مشكلات أخرى.

مخاطر وصعوبات محتملة لإسرائيل في عهد ترامب

نتنياهو وترامب

ترجمة خاصة: عرب 48

يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يعلق آمالًا كبيرة على الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب. إذ قطع ترامب شوطًا كبيرًا في تمييز نفسه عن سلفه باراك أوباما، الذي كانت إدارته على علاقة متوترة مع إسرائيل بسبب موقفه المناهض للاستيطان ودعمه للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.

وقد يكون نتنياهو، الذي يمتلك علاقات متينة بدوائر الحزب الجمهوري، يتطلع للقاء نظيره الجمهوري في البيت الأبيض. ولكن، على الرغم من التوافق الظاهري في المواقف السياسية، فإن ترامب قد يتسبب بخلق عدة مشكلات لنتنياهو وإسرائيل بقدر ما سيحل مشكلات أخرى.

العلاقات بالحزب الجمهوري؟

على الرغم من أن بنيامين نتنياهو لم يشغل منصب رئيس الحكومة أثناء إدارة الجمهوريين للرئاسة قبل هذه المرة، فإن نتنياهو يملك روابط وثيقة بالحزب الجمهوري. عندما أصبح الإنجيليون الأميركيون فاعلين سياسيا كجمهوريين في فترة الثمانينات والتسعينات، تمكن نتنياهو من تجنيدهم للقضية الإسرائيلية، بل حاول الاستفادة من دعمهم لمقاومة الرئيس كلينتون أثناء محادثات السلام. بالإضافة إلى ذلك، كان من الواضح خلال السباق الرئاسي في 2012 أن تفضيل نتنياهو للحاكم السابق لمساشوستس ميت رومني كان خاطئًا. كما إن رئيس الحكومة الإسرائيلية يمتلك علاقات مقربة بالمتبرعين الكبار للحزب الجمهوري، كقطب القمار شيلدون أديلسون.

لقد طور نتنياهو هذه العلاقات جزئيًا، لأنه يعتقد بأن الجمهوريين سيكونون أقل ضغطًا على إسرائيل من الديمقراطيين في القضايا الرئيسية، كسلوك إسرائيل في أثناء الحروب وتنازل إسرائيل عن الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية. وقد تأكدت قناعة نتنياهو بذلك مع معارضة الجمهوريين للاتفاق النووي الإيراني الذي عقدته إدارة أوباما ومعارضتهم لامتناع الولايات المتحدة عن التصويت ضد قرار الأمم المتحدة الذي يُدين بناء المستوطنات.

ولكن ترامب، القادم الجديد إلى السياسة، لا يرتبط بروابط وثيقة بالحزب الذي يدعمه نتنياهو، وهو ما يجعل مواقفه ونواياه أمرًا غير واضح تمامًا. يبدو أن الرئيس متحمس لإظهار تقاربه مع نتنياهو، بتعيينه لمستشار حملته الأسبق ديفيد فريدمان سفيرًا في إسرائيل، وهو الرجل الذي يُستبعد منه أن يُمارس أي ضغوطات على نتنياهو في القضايا الفلسطينية. على أن ترامب قد يتسبب بإزعاج نتنياهو في سعيه للوصول إلى ما أطلق عليه 'الاتفاق النهائي' بين الإسرائيلين والفلسطينيين، لأن محاولة إحياء النهج الدبلوماسي قد يقود ترامب إلى الضغط على الإسرائيليين من أجل تقديم بعض التنازلات.

 كما إن ترامب قد يجعل إسرائيل أكثر عرضةً للخطر بتخليه عن حلفائه التقليديين في الشرق الأوسط، أو بما هو أسوأ من ذلك؛ بالتوقف عن الإنشغال والانخراط في سياسات المنطقة. كما إن نتنياهو قد يتسبب بعزلة المجتمعات اليهودية في أميركا بسبب تحالفه مع ترامب. إذًا، فعلى الرغم من أن دعم الرئيس الجمهوري يبدو مفيدًا لنتنياهو للوهلة الأولى، فإن عواقب رئاسة ترامب ستكون أكثر تعقيدًا.

الكلفة الداخلية / المحلية

يُمكن أن يصبح الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل أكثر تعقيدًا. فتصور المؤيدين لحركة الاستيطان الإسرائيلي عن حتمية دعم الإدارة الأميركية الجديدة لقضيتهم سيجرد نتنياهو من أفضل أعذاره للحد من نمو الاستيطان؛ تجنب الضغوطات الدولية. في استطلاع رأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية مؤخرًا، أظهرت النتائج بأن أكثر من 70% من الإسرائيليين اليهود يعتقدون ومتأكدون من أن إسرائيل ستكون قادرة على الاستمرار في بناء المستوطنات أثناء رئاسة ترامب. وأظهرت الحركة المؤيدة للاستيطان سعادتها وابتهاجها من المواقف المبكرة لترامب في هذه القضية.

سيكون من الصعب على ترامب إذا أن يوقف المؤيدين المتشددين لمشروع الاستيطان، الذين يأملون في التوسع في الضفة الغربية وشرعنة البؤر الاستيطانية في قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية. لقد أظهرت معارضة أوباما مدى كلفة هذه التحركات على صعيد العلاقات الثنائية والدولية، والذي يشمل الضغوطات والتحركات غير المرغوب بها في الأمم المتحدة؛ كل ذلك كان يُعطي مبررًا لنتنياهو للاعتدال في التوسع الاستيطاني. على الرغم من أن نتنياهو قد انتقد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي يُدين التوسع الاستيطاني، إلا أنه استمر باستعمال هذا القرار لتبرير التلكؤ في شرعنة بؤر الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المملوكة لأشخاص.

ولن تكون تحذيرات نتنياهو من الكلفة الدبلوماسية مقنعة مع جلوس ترامب على كرسي الرئاسة، إذ سيتوقع مؤيدو الاستيطان دعمَ الولايات المتحدة لهم وسيدعون بأن الإدارة الأميركية الداعمة لهم ستكون قادرة على تخفيف الكلفة الدولية للتوسع الاستيطاني. فمما لا شك فيه، ستستمر الدول العربية والأوروبية في معارضة هذه البؤر الاستيطانية باعتبارها عقبة أمام حل الدولتين.

مع ترامب، سيكون على نتنياهو أن يهدئ حلفاءه الداخليين بالتوسع المستمر للاستيطان، ومن ثم فإنه سيكون عرضه لمواجهة احتمال العزلة الدولية، مع أن إسرائيل أعلنت مؤخرًا عزمها على التوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية على الرغم من الإدانة الدولية (والتي لا تشمل الولايات المتحدة)، ويواجه نتنياهو ضغوطًا لبناء مستوطنات كبيرة جديدة.

إن تعهد حملة ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس قد أظهر مدى دعم الإدارة الأميركية، ولكنه يُمكن أن يجر العديد من المشكلات لنتنياهو. فلا شك بأن الحكومة الإسرائيلية ستقبل بها الدعم الرمزي من الولايات المتحدة الذي تحمله مثل هذه الخطوة، ولكنها تخشى بلا شك من الانعكاسات المحتملة لذلك على العنف الفلسطيني والإدانات العربية لذلك. إذ إن الفلسطينيين ينظرون إلى هذه الحركة الأميركية كما لو أنها قرار سابق لطبيعة حالة القدس، بدلًا من تركها مسألة تنتظر الحسم في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وهو الأمر الذي سيزيد من صعوبة أداء الولايات المتحدة لدور وسيط السلام وسيجعل الفلسطينيين متحفظين بشأن المفاوضات المستقبلية. لا يستطيع نتنياهو أن يرفض علنًا محاولة ترامب لنقل السفارة، ولكن تصرف ترامب هذا قد يتسبب بالعديد من المشاكل لنتنياهو.

عامل 'أميركا أولًا'

بالإضافة إلى مساهمة ترامب في تعقيد السياسات الداخلية لنتنياهو، فإن مقاربته العامة للشرق الأوسط قد تضر بالمصالح الإقليمية لإسرائيل. وعلى الرغم من أن السياسات التفصيلية لترامب لم تتضح بعد، فإن هناك العديد من المؤشرات إلى أن إدارته ستكون انسحابية وقائمة على مبدأ الصفقات، على خلاف إدارات الرؤساء السابقين.

في أثناء حملته الانتخابية، استخف ترامب بالالتزام بتحالفات قوية وأظهر ميلًا ضعيفًا لتنشيط وإنعاش تحالفات الولايات المتحدة بإسرائيل، وقوى 'الاعتدال السني' ضد روسيا وسورية وإيران. وبدلًا من ذلك، تعهد بأنه سيتجنب التدخل في شؤون الدول الأجنبية وسيعمل مع روسيا لهزيمة 'الدولة الإسلامية' (داعش).

من المؤكد، أن إدارة ترامب ستستمر في استعمال حق النقض (الفيتو) ضد القرارات غير المرغوب بها في الأمم المتحدة، وستستمر بالتنديد بالمحاولات الفلسطينية لتدويل الصراع مع إسرائيل. ولكن دعم اتجاهات كبرى ومساعدة إسرائيل لبناء علاقات مع الدول العربية سيتطلب من ترامب أن يعطي الأولوية للشرق الأوسط. إن ضعف اهتمام إدارة ترامب بالمنطقة قد يؤثر سلبًا على الوقت المبذول في تعميق علاقات الدفاع والاستخبارات الثنائية مع إسرائيل. قد تستمر إسرائيل في تلقي المساعدات العسكرية الأميركية، ولكنها لن تمتلك اهتمامًا وتفهمًا كاملًا من الدولة الكبرى بشأن مصالحها واحتياجاتها.

لا شك بأن ترامب ومستشار الأمني القومي، مايكل فلين، مهتمان بمحاربة الإرهاب حول العالم. وكما حصل في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، يُمكن لإسرائيل أن تحاول إيجاد دور لها كشريك في مواجهة الإرهاب. وعلى الرغم من أن ترامب لا يبدو مهتما بالارتباط الشعوري بإسرائيل ويفتقر إلى الاهتمام بالانخراط في الشرق الأوسط، فإنه قد ينظر إلى هذا النوع من المساعدة الممكنة من إسرائيل على أنها صفقة رابحة، بدلًا من أن يعتبرها رصيدًا استراتيجيا متأصلًا. من المبكر قول ذلك، ولكن إن كان ترامب عازمًا على عدم الانخراط في الشرق الأوسط، فإن اسرائيل ستدفع ثمن ذلك.

هل انتهى التزام الحزبين تجاه إسرائيل ؟

بالعمل مع ترامب، فإن نتنياهو قد يعرض دعم حزبي الولايات المتحدة (الديمقراطي والجمهوري) للعلاقات الثنائية الأميركية الإسرائيلية للخطر، وهو ما يعتبره نتنياهو أمرًا استراتيجيا مهما. على الرغم من نشوب بعض الخلافات والتوترات بين أوباما ونتنياهو في بعض المواقف، فإن دعم أوباما الثابت لإسرائيل قد وفر لليهود الأميركيين المؤيدين لإسرائيل، والذي يحملون بعض الخلافات مع مواقف نتنياهو من الاستيطان والتعدد الديني، موقفًا يمكنهم فيه دعم إسرائيل ومخالفة بعض سياسات حكومتها في الآن نفسه. لقد أصبح هذه الموقف مفيدًا على المستوى العملي في أعقاب خطاب نتنياهو أمام الكنيست، والذي عارض فيه الاتفاق النووي الإيراني، حيث أُجبر الأميركيون اليهود على الاختيار بين دعم أوباما أو نتنياهو. مع رحيل أوباما، قد يصبح من الصعب على اليهود الليبراليين أن يجدوا طريقة للتوفيق بين مبادئهم وبين دعمهم لزعيم إسرائيلي متعاون مع ترامب.

بعد ذلك كله، فإن ما نسبته 71% من اليهود الأميركيين قد صوتوا للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. قد يكون ذلك نابعًا من تخوفهم من النزوع اللاليبرالي له ومن داعميه من 'بديل اليمين alt-right'. لقد أثنى السفير الإسرائيلي رون ديرمر على فرانك جافاني، رئيس مركز السياسة الأمنية، وهو مركز الأبحاث الذي اعتبره مركز قانون الحاجة الجنوبي مركزًا كارهًا للمسلمين، لأنه أظهر كيف أن الجهود الإسرائيلية للتقارب مع ترامب وداعميه قد تتسبب في عزلة اليهود الليبراليين.

يبرر اليهود المؤيدون لإسرائيل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بالقول بأن القيم الديمقراطية الليبرالية لإسرائيل تعني أن الحكومة تفعل، وستفعل، كل ما بوسعها للوصول إلى السلام. على أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين العلنية الداعمة للإدارة الأميركية ذات التوجهات اللاليبرالية ستجعل هذا التبرير مشكوكًا به.

إذا قام نتنياهو بتوسيع الاستيطان أو خاض حربًا مع حماس تحت أنظار ترامب، فإن صناع القرار من الديمقراطيين قد يأخذون العظة من ناخبيهم اليهود الذين سئموا من مشاهدة انتهاكات الحكومة الإسرائيلية المدعومة من قبل إدارة ترامب ضعيفة الشعبية. من المرجح أن صناع القرار هؤلاء سيبقون داعمين لليساريين الإسرائيليين، ولكن ذلك سيجعل حكومة نتنياهو معتمدةً بشكل حصري على دعم الجمهوريين.

على المدى البعيد، فإن عدم التوافق بين اتجاهات الإدارات الإسرائيلية والأميركية سيُنتج حالات متكررة من عدم التعاون ويعرض موقف إسرائيل الأمني والدبلوماسي للخطر.

إذا كان نتنياهو يأخذ هذه المشاكل المحتملة على محمل الجد، فإنه قد يتمكن من التخفيف من آثارها. فالتوقف عن التقارب مع الإدارة الجديدة يُمكن أن يُطور ترتيبات دولية مقبولة للقبول بالتوسع الاستيطاني داخل الكتل الكبيرة فقط. قد تشجع اللقاءات الخاصة بين ترامب ونتنياهو الرئيسَ الجديد على الانخراط في الشرط الأوسط. كما إن التعاون والتنسيق بين قادة المجموعات اليهودية الأميركية والمسؤولين المنتخبين من جهة وبين نتنياهو من جهة أخرى قد يساعد في التخفيف من العوامل التي ستعزز الصدع بين الحزبين في علاقتهما بإسرائيل. ولكن جميع هذه الخطوات تتطلب من نتنياهو أن يتعامل مع ترامب على أنه فرصة وتحدي في الوقت نفسه .

 

التعليقات