05/03/2017 - 22:25

ما مصير العلاقات الأميركية الصينية بعد ترامب؟

يمكن القول، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب محقّ في تسليط الضوء على قضيّة التجارة مع الصين. إذ لا توجد دولة في العالم اليوم تلعب دوراً يوازي في أهميّته دور الصين في التجارة العالميّة، في الوقت الذي تتبع فيه سياسة تجاريّة اقتصاديّة.

ما مصير العلاقات الأميركية الصينية بعد ترامب؟

ترجمة خاصة: عرب 48

يمكن القول، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب محقّ في تسليط الضوء على قضيّة التجارة مع الصين. إذ لا توجد دولة في العالم اليوم تلعب دوراً يوازي في أهميّته دور الصين في التجارة العالميّة، في الوقت الذي تتبع فيه سياسة تجاريّة اقتصاديّة. في الحقيقة، فإنّ الخبراء التجاريين والمهنيين في الصين يتفقون بالعموم على أنّ الصين قد أعاقت أو أوقفت الشركات الأميركية – من المجموعات الاقتصاديّة إلى شركات قطاع السيارات – من المنافسة النزيهة في السوق الصينيّة. فضعف سياسات الصين في حماية حقوق الملكيّة الفكريّة، بالإضافة لأسباب أخرى، قد أفقدت الشركات الأميركية قدرتها التنافسيّة.

لا يزال ترامب في مرحلة الاجتماعات الدوليّة مع فريقه لتطوير مقاربته للتجارة، ولكنّه يُذكّر بكين باستمرار بأنّ هناك جوانب كبيرة من سياسات التجارة والاقتصاد الصيني غير العادلة في وجه الاستثمارات الأجنبيّة، وهو يُريد أن يبدأ النقاش من هذه النقطة تحديداً. بعد ذلك، سيكون على ترامب أن يسعى للوصول إلى مقاربة جديدة تُحقق له النتائج التي يطمح إليها. ولكن ما هي ملامح هذه المقاربة؟

إغراء التعرفة الجمركيّة

'الصين أيضاً لديها سياساتها'، هكذا أخبرني أحد أعضاء مجلس الدولة في الصين. فما بين الحزب الشيوعيّ، ووزراء الحكومة، والمصانع المملوكة لدولة، فإنّ الدوائر الانتخابيّة تدفع نحو الوصول إلى سياسات – كتقديم الدعم والإعانات للمصانع غير الفعّالة – بهدف حماية مصالحهم. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطبقة الحاكمة في الصين تُصوّر نفسها باعتبارها المسؤولة عن حماية الوضع الدولي للصين. وستتوقّع هذه المجموعات من بكين أن تردّ بحزم على أيّة إجراءات ستتخذها إدارة ترامب. وفي حال لم يفعلوا ذلك، فسيكون ذلك بمثابة اعتراف بالذنب. والأسوأ من ذلك، أنّه سيُنظر إليهم [أي الطبقة الحاكمة] على أنّهم منبطحون أمام قوّة أجنبيّة.

إنّ رد الصين على أيّ تغيير تقوم به الولايات المتحدة في التعرفة الجمركيّة سيكون على مستويين: خطابي وسياسي. سيُحاول الردّ الخطابي أن يؤكّد للصينيين في الداخل أنّ الصين ستنجح بالصمود في وجه الضغوطات الأميركية. وقد ظهرت عدّة مؤشرات لهذا الردّ في افتتاحيّات وسائل الإعلام التي تتحكّن بها الحكومة. فقد ذكرت صحيفة Global Times الأكثر قوميّة، بتاريخ 19 يناير أنّ 'الصين ستردّ على تجارة الحرب التي يقوم بها ترامب'. بعد عدّة أيام، ذكرت صحيفة China Daily، الأكثر اعتدالاً أنّ 'خطاب ترامب الافتتاحي يُثير الكثير من القلق'.

غالباً ما كانت الصين تتجنّب تصعيد خلافاتها التجاريّة، ولكنّها دوماً كانت تردّ بقوّة. فعلى الأرجح يتصوم الصين بفرض ضرائب موازية على البضائع الأميركية في حال فرض تعرفة جمركيّة على صادرات الصين. على سبيل المثال، عندما قام الرئيس السابق باراك أوباما بفرض ضرائب على صادرات الصين من عجلات السيارات والمركبات، قامت الصين بفرض عقوبة اقتصاديّة على صادرات الولايات المتحدة من الدواجن. من المؤكّد، أنّ الصين ستستهدف السلع الزراعيّة التي يسهل تعويضها واستبدالها من الأسواق الأخرى، أوستستهدف المنتجات التي يُمكن أن يتسبب منعها بتأثير واسع وواضح.

خذ صادرات التفاح على سبيل المثال. تقوم الصين، على غرار ما فعلت مع الدواجن الأميركية، باستبدال التفاح الأميركي ببدائل من أستراليا أو من مناطق أخرى. بفرضها لتعرفة جمركيّة على التفاح الأميركي، ستجني الصين ثلاث فوائد بضربة واحدة، ستتمكّن من معاقبة الولايات المتحدة، مكافأة استراليا اقتصاديّاً، وإعطاء إشارة للقيادة السياسيّة في أستراليا، التي صدر عن بعض قادتها تصريحات تغازل الصين وتتحدّث عن تطوير علاقات وثيقة مع الصينيّين، لأنّ واشنطن قد لا تكون حليفها الأفضل. مع فرض تعرفة جمركيّة على المنتجات الأميركية، فإنّ السلع المشابهة من البلدات الأخرى ستمتلك قيمة تنافسيّة أعلى في السوق الصيني.

هناك عدد كبير من المنتجات، الزراعيّة وغيرها، التي تجعل المنتجات الأميركية تواجه منافسة صعبة في السوق الصيني. فقد أظهرت دراسة أجراها بنك دويتشه أنّ الصين تستهلك حاليّاً ما يقرب من 47% من صادرات الولايات المتحدة من الفاكهة والحبوب، و11.8% من صادراتها من صناعة الطائرات، و23.3% من صادراتها من الخشب. إذاً فالصين تمتلك قدرة على الردّ على رفع التعرفة الجمركيّة على صادراتها.

أما الأهمّ من قدرة الصين على الردّ بالمثل، فهو انعكاسات ذلك على السياسات الداخليّة في الصين. إذ إنّ القادة الصينيين لا يُمكن أن يقبلوا أن يظهروا بمظهر المستسلمين للضغوط الأميركية، بغضّ النظر عن مزايا الموقف الأميركي أو امتيازاته. فإذا قامت الولايات المتحدة برفع التعرفة الجمركيّة، فإنّ ذلك سيجعل تنازل الصين أمراً أصعب من ذي قبل. إن كانت واشنطن تسعى للوصول إلى نوع من الخلاف التجاري، فإنّ حرب رفع التعرفة الجمركيّة المتبادلة ستكون سريعة، أما إن كانت تسعى لتقليل العوائق التجاريّة، فإنّ هناك مقاربات أخرى يُمكن أن تكون أكثر نجاحاً.

الخطّة ب

 هناك عدّة طرق يُمكن أن تساعد بها الولايات المتحدة الصين عى التقدّم نحو المعايير العالميّة في التجارة.

أوّلاً،  يجب أن تكون الولايات المتحدة حذرة بشأن خلط القضايا. فهناك العديد من التحديات في العلاقات الصينيّة الأميركية، بما في ذلك الاحتكاك الجيوسياسي في بحر الصين الجنوبي، والعلاقات مع تايوان، وموضوع حقوق الإنسان، وكوريا الشماليّة، والتجارة. يجب أن تبقى الولايات المتحدة حذرة من ربط هذه القضايا معاً كي لا تصبح مسألة التجارة مقيّدة ببقيّة المسائل العسيرة وصعبة الحلّ. كما ظهر جليّاً في علاقات الولايات المتحدة مع كوبا، وروسيا، وبعض دول الشرق الأوسط، فإنّ قدرة الحكومات على التحرّك قُدماً بسرعة في القضايا التجاريّة أكبر منه في القضايا السياسيّة. كما يجب إدراك أنّ أحد الأطراف التي ستصبح جزءاً من النزاع بين الصين والولايات المتحدة – تايوان- ترى أيضاً أنّ إبقاء هذه القضايا منفصلة سيكون أكثر فائدة لها. لقد حذّر أحد أصدقائي في الحكومة التايوانيّة من تعزيز هذا الصراع التجاري، قائلاً ' نحن سنتضرر'، إشارةً إلى مدى تشابك عمليات التوريد بين الولايات المتحدة- الصين- تايوان. ولعلّه كان دبلوماسيّاً بما في الكفاية ليتجنّب ذكر قدرة الصين على إيذاء تايوان.

ثانياً، يستطيع رجال الشرطة الفاسدون أن يعملوا بشكل أفضل إن كان رجال الشرطة الصالحون مشاركين في النقاش. فمن الممكن إيجاد أرضيّة مشتركة بين الطرفين فيما يتعلّق بالإنتاج الفائض عن الحاجة لصناعة الحديد، على سبيل المثال. فالصينيّون يعترفون صراحةً أنّ دعم المصانع المملوكة للدولة يستنزف اقتصادهم ويتسبب بتشوّهات في سوق صناعة الحديد. قد يكون من الممكن إيجاد طرق غير عدائيّة للتعامل مع هذه المشكلة، ولو جزئياً. على سبيل المثال، يُمكن نقل شريحة من موارد صناعة الحديد والموظّفين من دور الإنتاج إلى الجهود البيئيّة في مصانع الحديد القديمة، بما في ذلك معالجة التربة وتنقية الهواء. لا تحتاج الصين إلى مزيد من صناعة الحديد، ولكنّها تحتاج إلىى هواء وماء نظيفين. كما يكشف هذا النقاش، فإنّ على الولايات المتحدة أن تستمرّ في مكافحتها لحالات إغراق السوق بالبضائع وقضايا الرسوم التعويضيّة ضدّ صناعة الحديد الصينيّة، بحسب ما ينصّ عليه القانون؛ والحفاظ في الآن ذاته على دور الشرطي السيّء حين يلزم.

ثالثاً، يستحقّ الأمر الهجوم والدفاع في الآن ذاته. فلا يجب أن يكون تركيز ترامب منحصراً في الصناعات الأميركية التي تُعاني من الضغوطات، كصناعة الحديد. فعليه أيضاً أن يفتح أسواقاً جديدة للصناعات المزدهرة، كالتكنولوجيا، والتكنولوجيا الحيويّة، وقطاع الطيران المدني. وحتى لو نجحت الاستراتيجيّة الدفاعيّة في دعم توفير الوظائف في صناعة الحديد الأميركية، فإنّ ذلك لن يكون كافياً دون استغلال الفرص في بقيّة المجالات الصناعيّة.

رابعاً، على الولايات المتحدة أن تحقق مكاسب تجاريّة حيثما كان ذلك ممكناً. لقد أخرج ترامب الولايات المتحدة من الشراكة العابرة للمحيط الهادي، ولكنّ هناك مقاربات بديلة يُمكنه دعمها. وصولاً إلى أن تحسّن الولايات المتحدة علاقاتها التجاريّة مع دول آسيويّة أخرى، وهو ما سيساعد أميركا في دعم أجندتها التصديريّة، وسيُحفّز الصين على التحرّك باتجاه التوافق مع المعايير العالميّة. تستطيع واشنطن أن تجد دولة عضواً في رابطة دول جنوب شرق آسيا لتتمكن معه من تقليص العقبات التجاريّة. كما إنّ قادرة على التوافق مع اليابان على معايير السيارات لضمان سلامة تقنيات المعلومات في السيارات آليّة القيادة. كما إنّ إمكانيّة الوصول إلى اتفاق مع الفلبين حول الأجواء المفتوحة يبدو ممكناً. إنّ العالم ليس ساكناً، ولن تبقى الصين ساكنة أيضاً، وعلى الولايات المتحدة إذاً ألا تبقى ساكنة هي الأخرى.

أخيراً، فإنّ ثمّة فائدة كامنة في تصاعد التوتّر بين الولايات المتحدة والصين: وهو أنّ الصين ستدرك تدريجيّاً مدى فائدة الوصول إلى صفقة. فالصين تواجه مجموعة من القضايا، كبطء النموّ الاقتصادي، وفقاعة الديون، والاضطرابات في هونغ كونغ، وحزب المؤتمر التاسع عشر المقبل، وبداية الفترة الرئاسيّة الثانية للرئيس شي جين بينغ. وبغضّ النظر عن نبرتها الغاضبة خارجيّاً، فإنّ الصين حريصة على ألا تزيد من مشاكلها.

 قد يكون هذا هو الوقت المناسب لتحقيق إنفراج جديد. يجب أن يوجّخ ترامب وزير خارجيّته الجديد ويلبر روس لتشكيل فريق عمل طارئ لـ90 يوماً للعمل مع نظرائهم الصينيين لتحديد أبرز 10 عوائق تجاريّة للبدء بحلّها. إن أمكن التعامل مع المسألة بطريقة جيّدة ومنظّمة، فمن الممكن حينها أن تتوقّف المشاحنات التجاريّة وأن تُحلّ من تلقاء نفسها. باختصار، لقد آن الأوان لحركة جريئة، وخطوطها العريضة باتت واضحة.

بدءاً من التعرفة الجمركيّة. وفقاً لمنظّمة التجارة العالميّة، فإنّ 16.4% من بنود الواردات إلى الصين تخضع لتعرفة جمركية تزيد عن 15%. وفقط ما نسبته 6.4% من بنود الواردات معفاة من الضرائب. بالنسبة للولايات المتحدة، فإنّ الأرقام على التوالي هي 2.7% و45.2% على التوالي. من السهل إذاً أن نرى لماذا تشعر الولايات المتحدة أنّ الصين لا تتعامل بعدالة في المسألة التجاريّة. يُمكن للصين أن تقوم بخطوات جديّة لتفرقة هذه القضايا، وهو ما سيدرّ مجموعة من الفوائد على اقتصادها: يُمكنها أن تُزيل التعرفة الجمركيّة عن جميع السلع التي لا تُنتجها؛ يُمكنها أن تخفّض من التعرفة المقررة إلى 10%. مثل هكذا نظام، سيبقى مشجّعاً للصناعات الصينيّة المحليّة ولكنّه سيسمح بمدى أوسع من المنافسة.

يُمكن للصين أن تتعامل أيضاً مع العقبات غير الجمركيّة. فعلى سبيل المثال، فإنّ هيئة الرقابة الصينيّة على الغذاء والدواء تطلب إجراء فحص لعيّنة جديدة لكلّ عبوة مختلفة الحجم والموافقة عليها، وتُلزم الشركات الأميركية بتحمّل تكاليف هذا الفحص. إذاً، إن أرادت شركة ما أن تبيع عبوة لمربّى الفراولة بحجم 300 ملّ وأخرى بحجم أصغر للاستعمل مرّة واحدة، فيبنغي إخضاع كلّ واحدة منهما للفحص بشكل مستقلّ وحصولهما على الموافقة. مثل هذه العقبة يسهل حلّها. أخيراً، يُمكن للصين أن تخفف قبضتها عن أحد القطاعات الخدميّة. فالاقتصاد، وقطاع الاتصالات، والرعاية الصحيّة كلّها قطاعات تنظّمها الدول بإحكام. ولدى الولايات المتحدة قدرات عالميّة كبرى وقياديّة في هذه المجالات.

هناك تنبيهان يتعلّقان بهذه الخطّة. الأوّل، إنّ انفتاح الأسواق الصينيّة ستجلب فوائد للولايات المتحدة والصين بشكل أساسيّ، ولكنّ بعض الدول المصدّرة الأخرى ستستفيد هي الأخرى من ذلك. ومن ثمّ فإنّ على الولايات المتحدة أن تكمّل استراتيجيّتها بفتح الأسواق باستراتيجيّة أخرى للدخول في الأسواق، لمساعدة الشركات الأميركية لتجني الفوائد من الإصلاحات الصينيّة. ثانياً، قد لا يكون هذه الإصلاحات تأثير مادي على التوازن التجاري، الذي يتحرّك وفقاً للتدفّق المالي والعوامل الاقتصاديّة الصغرى. وهو ما يُشير إلى أنّ الولايات المتحدة بحاجة إلى نقاش واسع حول الأهداف النهائيّة للسياسة التجاريّة : هل هي الوصول إلى نظام السوق المفتوح أم تجنّب العجر التجاري. أو بعبارة أخرى، هل تريد الولايات المتحدة الوصول إلى تساوي الفرص أم تساوي النتائج؟ يُحاجج أولئك الذين يعتقدون أنّ السياسة التجاريّة المناسبة الوحيدة هي التي تضمن دخلاً متساوياً لأطرافها، أنّه من الممكن توريد السلعة فقط في حال كان سيتم تصدير سلعة مكافئة القيمة؛ أي بعبارة أخرى، إنّه نوع من اقتصاد المقايضة.

قد تشهد الأشهر القادمة جدلاً ساخناً حول التجارة، ولكن، يُمكن التغلّب على ذلك إن أمكن للمفاوضين الأميركيين والصينيين أن يجدوا حلولاً وعلاجات للقضايا السابقة في بداية فترة إدارة ترامب. من المهم أن يتذكّر جميع الأطراف أمرين بدهيين: أنّ الحرب التجاريّة يُمكن أن تضرّ بالدولتين؛ لا بالدولة المستهدفة فقط، وأنّ حرباً من هذا النوع يُمكن أن تشتعل بسرعة، ولكنّ إطفاءها سيكون أمراً بالغ الصعوبة.

التعليقات